الولايات المتحدة قوة عظمى مثقلة بالديون 750 قاعدة عسكرية و7.2 تريليون دولار على الأسلحة النووية
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
بيّنت الإحصاءات التي قدمتها وزارة الدفاع الأمريكية عام 2003، أن عدد القواعد العسكرية الأمريكية التي تمركزت خارج البلاد في 38 دولة في ذلك العام وصل إلى 725 قاعدة عسكرية أمريكية، فضلاً عن انتشار 100000 جندي أمريكي في أوروبا.
بعد عقد من الزمان، أي بحلول عام 2012، وصل عدد القواعد العسكرية الأمريكية على مستوى العالم إلى 750 قاعدة، بما في ذلك 1.4 مليون جندي أمريكي في الخدمة الفعلية، وهي الأرقام التي تم الإبلاغ عنها حتى اليوم. وتشير تقديرات أخرى إلى أن الأمريكيين يمتلكون أو يحتفظون بالسلطة على أكثر من 1000 منشأة عسكرية في الخارج.
في أوروبا، يعود تاريخ بعض المنشآت العسكرية الأمريكية العاملة حالياً إلى حقبة الحرب الباردة، وخلال الجيل الماضي تغير الكثير، حيث انضمت العديد من الدول الأوروبية إلى منظمة حلف شمال الأطلسي التي تهيمن عليها واشنطن.
ومن الجدير بالملاحظة، أن الحلف يستمر في التوسع، بغض النظر عن حقيقة أن العضوية تؤدي حتماً إلى تآكل كبير في السيادة والاستقلال، خاصة بالنسبة للدول الأصغر التي اختارت الانضمام إلى حلف الناتو.
منذ عام 2004، تقوم طائرات التجسس التي يديرها حلف الناتو، أي نظام الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً، بدوريات في دول بحر البلطيق ودول الناتو مثل إستونيا ولاتفيا، على الحدود الفعلية لروسيا، حيث أدت مثل هذه الاستفزازات التي يقوم بها الناتو إلى احتمال واضح لاندلاع حرب نووية، وهو تهديد يتزايد مع تصاعد التوترات في أزمة أوكرانيا.
أموال عبثية
تُظهر الإحصاءات أن واشنطن أنفقت منذ عام 1940 لغاية عام 1996، حوالي 5.5 تريليون دولار على برنامجها النووي، وبالطبع ولا يشمل هذا الرقم الـ 320 مليار دولار المتعلقة بالتكاليف السنوية للتخزين، والإزالة للنفايات المشعة المتراكمة منذ أكثر من 50 عام، و 20 مليار دولار اللازمة لتفكيك أنظمة الأسلحة النووية وإزالة فائض المواد النووية.
بحسب دراسة أجراها معهد “بروكينغ” في واشنطن، أنفقت الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ سنوات الحرب العالمية الثانية حتى عام 2007، ما مجموعه 7.2 تريليون دولار على الأسلحة النووية، حيث بلغ إجمالي الإنفاق العسكري لواشنطن في نفس فترة العقود الستة، مع الأخذ في الاعتبار الأسلحة التقليدية، 22.8 تريليون دولار. كما صَنعت الولايات المتحدة منذ إلقاء القنبلتين الذريين على هيروشيما وناغازاكي، حوالي 70 ألف سلاح نووي. وعند انتهاء الحرب الباردة رسمياً في عام 1991، كانت واشنطن تمتلك ترسانة مكونة من 23000 رأس نووي في ذلك العام.
زرع الأمريكيون في حقبة الحرب الباردة قنابلهم النووية في 27 دولة ومنطقة مختلفة بما في ذلك غرينلاند وألمانيا وتركيا واليابان، وعلى الرغم من التراجع الكبير للشيوعية في أوائل التسعينيات، كان البنتاغون في عام 2006 لا يزال يحتفظ بـ 9962 رأساً نووياً حربياً سليماً، بما في ذلك 5736 رأساً حربياً يعتقد أنها نشطة وقابلة للتشغيل، وكانت الخطة تنص على الإبقاء على ما بين 150 إلى 200 قنبلة نووية في أوروبا. لكن إحدى المبادرات النهائية للرئيس بيل كلينتون 1993-2001، كانت التوقيع على قانون القرار الرئاسي التوجيهي / NSC-74 في 29 تشرين الثاني 2000، والذي سمح لوزارة الدفاع بتخزين 480 رأساً نووياً في أوروبا، حيث وضع قدر كبير منها في القواعد التي تديرها الولايات المتحدة في ألمانيا.
سأل المؤرخ البرازيلي مونيز بانديرا، ماذا يمكن أن يكون الغرض من الاحتفاظ بـ 480 رأساً نووياً في أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة، هل كان لمحاربة الإرهاب؟. لم يخفض الرئيس جورج دبليو بوش هذا المستوى من التسلح، وكل ما فعله الرئيس باراك أوباما هو استبدال القنابل النووية القديمة وذات الطراز القديم من مجموعة السقوط الحر، بأنظمة توجيه دقيقة أخرى أكثر تطوراً يمكن نقلها بواسطة الطائرات الحديثة بتكلفة. 6 مليارات دولار.
خططت واشنطن لتشيد بنية تحتية مرتبطة بالأسلحة النووية لنظام الدفاع ضد الصواريخ الباليستية في دول الناتو بولندا وجمهورية التشيك، وهي التحركات التي عارضها معظم السكان في كلا البلدين.
ألمانيا واليابان تفتقران للاستقلال الحقيقي
وفقاً للتقرير الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية عام 2010 حول البنية التحتية، فقد احتفظت البنتاغون إجمالاً بـ 4999 قاعدة عسكرية داخل أمريكا نفسها، في 7 ولايات أمريكية، وفي 38 دولة أجنبية. وتتكون المنشآت من القواعد المتعلقة بالجيش والبحرية والقوات الجوية وسلاح مشاة البحرية والخدمات المقدمة من المقر في واشنطن، وتتمركز أكثر المنشآت العسكرية الأمريكية تواجداً في ألمانيا ويصل عددها إلى 218 قاعدة، واليابان 115، تليها كوريا الجنوبية 86 قاعدة، وتأوي ألمانيا على وجه الخصوص عدداً كبيراً أكبر من أي وقت مضى من القوات الأمريكية المتواجدة في الخارج، حيث يصل عددهم إلى 53766 جندياً، وفي اليابان 39222 جندياً أمريكياً، تليها كوريا الجنوبية بـ 28500 جندي.
بات واضحاً أن ألمانيا واليابان تفتقران للاستقلال الحقيقي، وتواصلان دفع ثمن هزائمهما في الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن الأمريكيين بمساعدة بريطانية هزموا اليابانيين بلا شك، نادراً ما يقدم الغربيون معلومات بأن الألمان قد خسروا على أيدي الروس وليس من قبل الحلفاء الغربيين، لأن روسيا هي من فازت الحرب في أوروبا، قبل عدة أشهر من عملية إنزال النورماندي في حزيران 1944 في شمال فرنسا.
يُعزى إنشاء الناتو جزئياً في عام 1949 واستمرار وجوده وتوسعه، لضمان إبقاء أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص معتمدة على الولايات المتحدة وتابعة لها، حيث يمكن للمرء أن يشهد دعماً ألمانياً عالي المستوى للصراعات التي تفتعلها الولايات المتحدة على الجانب الآخر من العالم، فقد دعمت المستشارة أنجيلا ميركل علناً الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حتى أنها تجاهلت المعارضة من داخل حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وقالت قبل بدء الهجوم: “إن العمل العسكري ضد العراق أصبح لا مفر منه، وإن عدم التصرف قد يتسبب في مزيد من الضرر”.
ميزانيات كبيرة للتسليح
لم تنجح أي حكومة أمريكية منذ إدارة أيزنهاور -1953-1961- في خفض ميزانية الأسلحة في البلاد، و بغض النظر عن تحذيرات الرئيس أيزنهاور، فإن المجمع الصناعي العسكري قد رسخ نفسه منذ فترة طويلة كجزء لا يتجزأ من الاقتصاد الأمريكي، ومن المؤكد أن التخفيضات في الإنفاق على الأسلحة الأمريكية ستؤثر سلباً على اقتصادات الولايات الأمريكية المختلفة.
تم تخصيص جزء كبير من الإنفاق العسكري الأمريكي على إنتاج معدات عسكرية متطورة للغاية، مثل القاذفة الثقيلة بي-1 التي وضعت في الخدمة عام 1986، والقاذفة الثقيلة بي -2 التي تم تقديمها في عام 1997، جنباً إلى جنب مع صواريخ ترايدنت 1 و صواريخ MX ،وبرنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي، وميلستار الأقمار الصناعية العسكرية الاستراتيجية والتكتيكية، والتي لا يزال بعضها في الخدمة في الجيش الأمريكي اليوم.
في نفس الفترة، مع إدخال السياسات النيوليبرالية منذ أوائل الثمانينيات في عهد الرئيس رونالد ريغان-1981-1989- ترسخت حالات عدم المساواة في جميع أنحاء أمريكا، ففي عام 1982، حصل الأمريكيون الأعلى دخلاً والذين يشكلون 1٪ من الأمريكيين على 10.8٪ من الدخل القومي، بينما حصل الأقل دخلاً والذين يشكلون 90٪ على 64.7٪ من الدخل القومي. وبعد ثلاثة عقود، في عام 2012، حصل الأمريكيون الأعلى دخلاً والذين يشكلون 1٪ من الأمريكيين على 22.5٪ من الدخل القومي، بعد أن زاد نصيبهم على الضعف، بينما انخفض إجمالي الدخل للـ 90٪ المتبقين إلى 49.6٪.
في هذه المرحلة، يرى مراقبون أن الأمر يتطلب جهداً كبيراً جداً من الأمريكيين العاديين لمعالجة عدم المساواة داخل مجتمعهم، حيث يمكن للمليارديرات الذين تمتلك أمريكا الآن 735 منهم وأكثر من أي دولة أخرى، التأثير على السياسيين مع القليل من ضبط النفس.
اعتمدت الحكومات الأمريكية على قواتها المسلحة، وعلى شن هجمات عسكرية متتالية من أجل الحفاظ على اقتصادها، وتجنب انهيار صناعتها الحربية وسلسلة الإنتاج، لمنع إفلاس الولايات الأمريكية، خاصة تكساس وكاليفورنيا اللتان تعتمدان على إنتاج الأسلحة في تحقيق إيراداتهما.
تمثل الميزانية العسكرية الأمريكية حالياً ما لا يقل عن 40٪ من إجمالي الإنفاق العالمي على الأسلحة، ما يؤكد طموح واشنطن المستمر في الهيمنة على العالم، على الرغم من حقيقة أن القوة الأمريكية استمرت في التراجع التدريجي من الذروة التي بلغتها منتصف الأربعينيات مع بدء التراجع الأمريكي في عام 1949، تحديداً الفشل في الحصول على أهدافها القصوى في الحرب الكورية، مما أدى إلى خروج النصف الشمالي من كوريا إلى الأبد من سيطرة واشنطن، والفشل في تحقيق أقصى الأهداف في حرب فيتنام، وعودة روسيا هذا القرن كدولة قوية، وصعود الصين المستمر، إلى جانب الهزائم العسكرية التي تكبدتها في العراق وأفغانستان.
إن صناعة الأسلحة الأمريكية تحتاج إلى التجربة التقنية العسكرية في الحرب حتى يتمكن البنتاغون من الترويج لأسلحته وبيعها لدول أخرى، ومن ثم تقديم أوامر جديدة لتجديد الترسانات المستنفدة وتوليد العمولات. لقد أثرت الأموال المتراكمة من صفقات الأسلحة على الحملات الانتخابية للحزبين الديمقراطيين والجمهوريين، بينما يسيطر المجمع الصناعي العسكري على الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام الغربية السائدة.
تواجه الذراع العسكرية لواشنطن قيوداً اقتصادية نتيجة لسوء الإدارة المالية، وعجز الميزانية ، والدين الخارجي، والعجز الدائم في الميزان التجاري، والإنفاق العام غير المقيد، حيث بلغ الدين العام القومي لأمريكا 10 تريليونات دولار في عام 2008، ولولا القروض الخارجية التي لا يمكن سدادها، لما كانت واشنطن قادرة على مواصلة حملاتها العسكرية، ناهيك عن سياساتها الخارجية والداخلية باهظة الثمن.
كان أحد العوامل وراء تراجع حليف أمريكا العظيم، إنكلترا، هي سياسة لندن في تحمل الديون للحفاظ على إمبراطوريتها الاستعمارية وحروبها، إذ يمكن إرجاع الانحدار البريطاني إلى حوالي عام 1870، حيث تفوقت أمريكا على بريطانيا كأكبر اقتصاد في العالم في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، لكن من الواضح أن الإمبراطورية البريطانية كانت في ورطة بحلول عام 1895.
أدى تورط إنكلترا غير الضروري في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، والتي من خلالها أهدرت كميات هائلة من المال والرجال، إلى تسريع تدهورها. بحلول عام 1933، تراجعت بريطانيا لتصبح سادس أغنى دولة في العالم، وخلال الحرب العالمية الثانية (1939-45) استهلكت لندن ما تبقى من احتياطياتها من الذهب والنقود.
في عام 1945، كانت بريطانيا التي كانت شبيهة باليابان دائماً جزيرة فقيرة بالموارد، على وشك الإفلاس. وبدلاً من أن يسعى رئيس الوزراء وينستون تشرشل إلى إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد السوفييتي، فقد تعهد بمعظم السيادة المتبقية لبلاده لأمريكا في دور شراكة صغير، وهو ما ظل كذلك حتى الآن.
في المقابل، تلقى البريطانيون من واشنطن الطعام والمواد الخام والمعدات الصناعية والأسلحة وأنواع السلع التي كان من الممكن أن تحصل عليها بريطانيا بسهولة من روسيا الغنية بالموارد دون التخلي عن استقلالها.
بحلول هذا القرن، كانت أمريكا تواجه مشاكل أعاقت بريطانيا بالمثل من قبل، فقد أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى مثقلة بالديون، خاصة في علاقتها بالصين، وتستهلك أكثر مما تنتج. لذلك لا يمكن لواشنطن أن تحافظ على نمط نموها إلا من خلال الديون، وإصدار سندات الخزانة بدون ضمانات، وهكذا في غضون بضعة عقود انتقلت من كونها الدولة الدائنة الرئيسية إلى الدولة المدينة الرئيسية.