الهيمنة الطيفية الكاملة
ترجمة: عناية ناصر
في عالم العمليات العسكرية الحديثة، لا يمكن تجاهل أهمية العمل المشترك لتحقيق الأهداف المرجوة، والتي تعتمد على المركزية في القرار، واللامركزية في صلاحيات التنفيذ وأدواته، أو بالمصطلح العسكري “قدرات التنفيذ”. ومن ضمن أسس العمل العسكري المشترك الحديث تكوين عقيدة قتالية مبنية على الهيمنة الطيفية الكاملة لمسرح العمليات لتحقيق الأهداف العملياتية والانتصار.
منذ كارل فون كلاوزفيتز، جنرال ومؤرخ حربي ألماني، عرفت أطياف المعركة بأنها طيفان أو مجالان البري والبحري، وكانت بريطانيا كما في الأغنية الفلكلورية البريطانية القديمة “بريطانيا تحكم الأمواج”، أي بمعنى أنها تسيطر على البحار، مما جعلها تحكم في فترة من الفترات نصف الكرة الأرضية، ولا تغيب عن مملكتها الشمس أبداً.
أثناء الحرب العالمية الأولى ظهرت الآلة الطائرة، كما سميت في بداية القرن الماضي، ولعبت دوراً جديداً، وظهر أبطال مثل البارون الأحمر الذي أسقط ٨٠ طائرة من طائرات العدو، ولكن تطور الطائرات الفعلية، وأثرها في العمليات القتالية من الجو لم يظهر بشكل فعلي إلا مع نشوب الحرب العالمية الثانية، وتكوين بعض الدول قوات جوية مستقلة مثل “اللوفتفافا” في الرايخ الألماني الثالث، والجوية الملكية البريطانية “إرإي إف”، ولكنها كانت تدار في بداية الحرب العالمية، وكأنها جزء من العمليات البرية، حتى تغيّرت تلك العقيدة القتالية مع معركة بريطانيا الشهيرة التي كانت أول معركة جوية بين قوتين جويتين بالدرجة الأولى، والتي غيّرت مجرى الحرب لبريطانيا، وقال تشيرشل رئيس الوزراء البريطاني حينها واصفاً الطيارين الإنكليز “إنهم القلة التي فعلت الكثير للغالبية الكثيرة”، وعندها أيضاً وعلى أعقاب ضربة “بيرل هاربر” في المحيط الهادئ، أنشأت الولايات المتحدة الأميركية قواتها الجوية المستقلة لتساند القوة الجوية البرية والقوة الجوية البحرية.
ظلت أطياف الحروب البري والبحري والجوية لعقود، ومع انحسار الحرب الباردة ظهر طيف جديد هو طيف الفضاء، والذي لا يمكن اليوم لأي جيش أن يسيطر سيطرة تامة على أرض المعركة دونه، وهنا يقصد “الاستطلاع من الفضاء والاتصالات المتطورة والإمكانيات الباليستية”.
ومع انتهاء العقد الأول من القرن الحالي نجد ظهوراً للطيف الخامس والأخير، وهو الطيف السيبراني الذي يعدّ مجالاً حساساً، ويساهم في دمقرطة الحروب بين القوى العظمى وغيرها من الجيوش، وحتى الجماعات الإرهابية، وهو الذي جعل من الصعب اليوم، ومع بلوغ تطور الآلة العسكرية الغربية هذه المرحلة، إلا أنها لا يمكن أن تهيمن بشكل متسارع على ساحة المعركة، إلا إذا تمكنت من السيطرة على هذا الطيف الخامس.
الطيف السيبراني اليوم يشمل الإعلام الحديث، ولا يمكن لأي جيش أو قوة أن تحارب أي عدو دون الهيمنة على الإعلام الحديث، ومحاربة الفكرة بالفكرة، والعمل النفسي المشترك، ولا يمكن لأي تحالف عسكري أن يوجه ضربة قاضية للعدو دون إدراكه للهيمنة الطيفية الكاملة.