دراساتصحيفة البعث

روسيا والصين والظرفية الدولية الحالية

ريا خوري

بعد انتهاء الحرب الباردة، فرضت الولايات المتحدة منطقها وقوتها ونفوذها على الساحة الدولية من أجل فرض وتكريس الواحدة القطبية مدعومة بالقوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي تملكها، ومستغلةً انشغال روسيا بتركة الاتحاد السوفييتي.

وعلى الرغم من المحطات الدولية الكبرى التي مرَّت في العالم والتي شهدها العالم منذ بداية تسعينيات القرن العشرين الماضي، كما هو الأمر بالنسبة لحرب الخليج الثانية، وعملية درع الصحراء من 7 آب 1990 حتى عملية عاصفة الصحراء في 28 شباط 1991، وأحداث الحادي عشر من أيلول 2001، والتدخل العسكري في أفغانستان بتاريخ 30 آب 2001 ، وغزو العراق في 6 آذار 2003، فإن الولايات المتحدة الأمريكية استثمرت كل إمكانياتها العسكرية  الخشنة، وجهودها الدبلوماسية الناعمة أيضاً في سبيل تعزيز حضورها الدولي، وصد كل الطموحات التي تعبر عنها بعض القوى الدولية الطامحة للاستئثار بمكانة ضمن هذا النظام.

وبعد مرور نحو ثلاثين عاماً على إعلان الولايات المتحدة الامريكية قيادة النظام الدولي الجديد، مثّلت جائحة كوفيد 19 محكّاً واقعياً للمساءلة عن مستقبل هذا النظام العالمي الجديد مع الاختلالات الدولية التي كشفتها الجائحة، وسعي الصين إلى تحريك دبلوماسية المعونات والمساعدات المكثفة كسبيل لكسب تعاطف المجتمع الدولي، وللترويج لقدراتها وإمكانياتها التي تؤهلها للتموقع كقطب أوحد وازن في النظام الدولي.

ومع اندلاع الحرب الروسية الساخنة في أوكرانيا، عاد التساؤل بشأن مستقبل هذا النظام إلى واجهة التساؤلات الساخنة، ووضع الأحداث وتطوراتها بقوة من جديد، وبخاصة مع إصرار روسيا  على تحدي الغرب الأمريكي – الأوروبي، والتلويح باللجوء إلى الخيار النووي لمواجهة كل التهديدات والحشودات والتحركات التي يمكن للغرب الأمريكي – الأوروبي أن يستهدف بها سيادة روسيا.

لقد أكد عدد كبير من الخبراء الاستراتيجيين والمراقبين أن هذه الحرب تمثل مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي الدولي كونها تأخذ طابعاً من الشدّ والجذب بين روسيا التي ترفض تموقع حلف شمال الأطلسي (الناتو) على حدودها، والولايات المتحدة الأمريكية الت تصر على إنهاك الخصم الروسي، وإخراجه من معادلة التوازن الدولي كي لا يكون له أي دور في المستقبل.

يبدو أن روسيا والصين على وعي كبير بالفرصة التي تمثلها الظرفية الدولية الحالية التي تحيل إلى قدر من الاستياء والرفض الدولي من السياسات الأمريكية خلال العشرين عاماً الماضية، وحرصهما على ملء الفراغات التي خلّفها الانكفاء والتراجع الأمريكي، وانسحاب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان والعراق بطريقةٍ مذلّة.

ويثير التقارب الروسي – الصيني مخاوف جدية داخل أوساط الولايات المتحدة بعدما تزايد حجم التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وارتفاع نسبة واردات الصين من الغاز والنفط الروسيين، وإعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ سير بلاده باتجاه إعطاء الأولوية لتطوير العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، والقبول الروسي المبدئي بالخطة الصينية التي طرحتها لوقف العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

ويمكن القول إن العلاقات المتينة بين البلدين مرشحةً للتطور أكثر، وحافزهما المشترك في ذلك هو الرغبة في تقويض الأحادية القطبية الأمريكية، والقناعة الدولية المتزايدة بضرورة تجاوز هذه الأحادية التي كلّفت العالم الكثير من المعاناة والإشكالات والحروب المدمرة، وهو ما تعكسه الكثير من التحركات الإقليمية في إفريقيا وآسيا.