مقتل التبديل والتجريب..!
علي بلال قاسم
للأسف تحوّلت بعض المفاصل المؤسساتية بفعل التراكمات والخصوصيات المرتبطة بماهية النشاط الذي تقوم به إلى محرقة حقيقية في المنصب القيادي الذي يتموضع على سلم الهرم الوظيفي. ومع أن بعض الكفاءات تتقلّد الإدارة وهي غير مناسبة للمكان، فإن المشكلة هنا لا تتعلق بالشخص نفسه بل بالكرسي ذاته الذي بات بالعرف لعنة تلاحق من يجلس عليه، وبالتالي طال الزمن أو قصر ستقوم القيامة على هذا المسؤول، مهما كان متمكناً وقادراً على حياكة أسلوب إداري محنك يجنّبه أخطار ومنعكسات الوقوع فيما يُسمّى “غلطة الشاطر”.
ومع أن بعض الكفاءات تعرف تماماً هذه الحقيقة، على مبدأ المداراة في قبول هذا المنصب أو ذاك خوفاً على الذات من مغبة الوقوع في مطب السلف، إلا أنها وفي لحظة “عمى بصيرة” تتفاخر بالتحدي وتستجيب لإغراءات الموقع، فتذهب هذه الكفاءات التي نجحت في مكانها الصحيح على رجليها إلى “المقتل”، ألا وهو المكان المطلوب تجريب البديل فيه!.
وبالرجوع إلى التاريخ البعيد والقريب، تتبيّن الحقائق وتنجلي الوقائع بالعديد من التجارب بمن أتانا من وراء البحار خبيراً في التخطيط وعلوم الإدارة والاقتصاد ونجح في مهامه ومن موقعه تبحر في صياغة البرامج والخطط ذات الأبعاد الإصلاحية والإنقاذية.. لترمى إلى ملعبه فيما بعد كرة التنفيذ في وزارة أخرى أثبتت التجارب أنها ساحة لا يُستهان بها من حيث تداخل المشكلات وتعاظم المفسدات الإنتاجية والتسويقية والعمالية، وفي غفلة عين وقع المحظور، وآنذاك تحمّل من تحمّل المسؤولية وطار من طار وعلى رأسهم الخبير القادم على أمل الإنقاذ، وبذلك “انحرقت” ورقة أخرى في شجرة الاقتصاد السوري.
مع الزمن، تكرّرت التجارب ذاتها مع من أُسندت إليه مهمات إدارية جمّة، ليتنبأ الجميع بنهاية قريبة في هذه المحرقة، لأن العمل في بعض المؤسسات يشابه إلى حدّ قريب اللعب بالنار لحساسية بعض المواقع وخصوصياتها وللعارفين وغيرهم فإن “الغلطة هنا بكفرة”.
بالعموم ثمة اتفاق وتوافق على نقطة واحدة مفادها أن النجاح في موقع لا يعني بالضرورة تفوقاً في كلّ الأماكن القيادية في العمل المؤسّسي، لأن الظروف تختلف والبيئة المحيطة كذلك وضغوط العمل تتغيّر بدون تجانس ولا توافق والنتيجة بالنهاية هي هي، استمرار مسلسل خسارة الكفاءات في أزمان التغيّر وأوقات التنقلات وضياع كوادر بشرية تستحق التكريم بأن تبقى في مكانها الذي نجحت فيه، لا أن ترحل إلى مواقع أخرى، وبالتالي فقدان الفرص وتغيب العقول والكفاءات بغير حق.