فارغة من المحتوى الهادف.. سيل من الإعلانات التجارية المنفّرة فشلت في إنعاش الحركة الاقتصادية!
ككل عام تطالعنا قنواتنا الفضائية المحلية العامّة منها والخاصّة بسيل كبير من الإعلانات التي تُباغت الجمهور دون سابق إنذار ودون دراسة فعلية للمحتوى الإعلاني المقدّم لهم وما يحمله من رسائل موجهّة سلبية كانت أم إيجابية، فالإعلان المحلي على هذه القنوات هو مجرد حركات استعراضية مفرغة تماماً من المحتوى الهادف –بحسب أهل الخبرة- ويقتصر على فكرة الترويج لمنتج محلي غالباً ما يكون ذو جودة قليلة كون صناعتنا على مدار السنوات العشر الأخيرة لا زالت تُراوح في مكانها.
نمطية وتكرار
ولعلّ من يراقب الإعلانات المحلية منذ بداية صناعتها سيلحظ أنها لم تخرج من دائرة الإعلان عن منتجات “العلكة والمحارم” لتتطور عبر عشرات السنين وصولاً إلى الإعلان عن “الشيبس والزيت والسمنة والجبنة” الأمر الذي يؤكد أن صناعتنا المحلية هي الأخرى لم تتطور، بل على العكس لا زالت تقتصر على السلع الغذائية البعيدة كل البعد عن الصناعات الكهربائية والثقيلة أيضاً، فإلقاء اللوم على ضعف صناعة الإعلان يوازيه على الطرف الآخر الضعف الكبير في صناعتنا الوطنية، إذ لم تفلح التطورات التكنولوجية بخروج صُنّاع الإعلان من عباءة النمطية وتقديم “كركتر” ممل يجعل نسبة كبيرة من متابعي الدراما الرمضانية يتجهون إلى الانترنت لمشاهدة مسلسلاتهم لتجنب رؤية هذه الإعلانات التي للأسف لم تستطع مجاراة الإعلانات في محطات الدول الأجنبية أو حتى المجاورة لنا والتي وظّفت التطورات التكنولوجية ووضعتها في خدمة صناعة الإعلان لنجد أن أغلب الإعلانات في تلك الدول لا تتجاوز بضع دقائق تُقدّم بإطار هادف شيّق ولمنتج حقيقي، في حين لا زال الإعلان المحلي يُبنى على سردية طويلة من الكلمات بموسيقى صاخبة لا تمت للمنتج المُعلن عنه بصلة.
عقبات مادية
وفي الوقت الذي يُجمع به مصممو الإعلانات المحلية على أن الإعلان المّقدّم يتناسب طرداً مع المبالغ المدفوعة من قبل أصحاب المنشآت والشركات الذين يرغبون بالترويج لمنتجهم بمبلغ مادي ضئيل، بالتالي فإن المحتوى المقّدم لن يكون بالمستوى المطلوب على مبدأ “كلشي سعرو فيه”.
إياس الخليل “مصمم إعلانات” لموقع الكتروني يرى أن أغلب مصممي الإعلانات سواء في المواقع الالكترونية أو التي تعرض على شاشات التلفزة يملكون من الخبرة ما يكفي، إلّا أن الأجر المادي يحول دون بذل جهد مضاعف لتقديم محتوى جذّاب ومثير، إضافة إلى المشكلة الكبيرة التي نكررها دائماً بتدخل أصحاب المنتج المُعلن عنه بتصميم الإعلان وإبداء اقتراحاتهم التي لا تُفرغ في أغلب الأحيان الإعلان المُصمم من قبلنا من محتواه، وتحدث الخليل عن مشاكل صناعة الإعلان في سنوات ما قبل الأزمة والتي كانت أغلبها تعود إلى المؤسسة العربية للإعلان من حيث قيامها بصنع المحتوى الإعلاني “سيناريو وإنتاج وعرض” وما يتخلله من لجان المراقبة التي بدورها “تُغربل” الإعلان لنصل إلى الإعلان الرتيب الممل والذي قاد الجمهور لفترات طويلة للنفور من متابعته، إلّا أنه ومع ندرة صناعة هذه المؤسسة حالياً للإعلانات كنّا بانتظار حدوث نقلة نوعية في هذه الصناعة لاسيّما مع الانفتاح التكنولوجي وتقلّص دور المراقبة على الأفلام الإعلانية، لكن العوائق والصعوبات ازدادت عاماً تلو الآخر لنبقى محكومين في الإعلانات المتلفزة بكلمات وحركات ترويجية يقدّمها فتيات وفتيان الإعلانات أو بعض الممثلين في أحسن الأحوال علّ وعسى يساهم الإعلان في إقناع المشاهد بأن السلعة المقدّمة يستخدمها الفنان بالتالي هي جيّدة حتماً.
جدوى اقتصادية
كما لم تختلف رؤية الصناعيين المحليين عن صنّاع الإعلان فواقع صناعتنا المحلية وتهاويها وسط عدم تقديم أي تسهيلات أو إغراءات من الحكومة لاستمرار عمل منشآتهم، اضطرهم لتحمّل المزيد من الأعباء للتسويق لمنتجهم –بحسب الصناعي عماد قدسي- لاسيّما وأن الترويج للمنتجات والسلع المحلية هو من مهمة الحكومة خاصّة للصناعات التي استمرت محافظة على وجودها خلال سنوات الحرب، ولم ينف قدسي تجنّب أصحاب المنشآت الوقوع في أي خسارة جديدة لاسيّما عند اضطرارهم للجوء إلى الإعلان عن منتجهم بمبلغ مادي محدود ومحتوى يفي نوعاً ما بالغرض الترويجي، فأغلب الصناعات اليوم قائمة على ربح ضئيل بانتظار عودتها كالسابق، وفي حين إقلاعها ونهوضها يتم البحث عن صناعة إعلان ضخم يستطيع تحمّل ميزانيته صاحب المنشأة.
وبرأي الاقتصادي إسماعيل مهنا أن صناعة الإعلان هي علم قائم بحد ذاته يدّرس في الجامعات العربية والغربية في حين لا زال يقوم في بلدنا على خبرات أفراد اجتهدوا وطالعوا ما توصّلت إليه هذه الصناعة في تلك الدول علّ وعسى يستطيعون تقديمها في بلدنا، إلّا أن الواقع لا زال يشي بعدم قدرتنا على دراسة متطلبات السوق وسلوكيات الأفراد ومنعكس الإعلان على الشريحة المستهدفة، ولم ينكر مهنا وجود منهاج في كلية الإعلام خاص بالجانب الإعلاني والتسويقي إلّا أنه لم يخرج حتى اليوم من إطار النظري، واللجوء للتقليد أو الأفكار الذاتية عند التطبيق، ولفت مهنا إلى أن تقديم إعلان مبني على أسس سليمة وصحيحة سيحقق مردود اقتصادي كبير للمنتج أولاً وللاقتصاد المحلي ثانياً، أما في حال استمرار تقديم الإعلان بوضعه الراهن سيؤدي إلى مزيد من نفور الجمهور المستهدف منه بالتالي عدم تعريفه بالمنتج والسلعة المعروضة وصولاً إلى أرباح “صفر” من هذا الإعلان وعدم إنعاش الحركة الاقتصادية حتماً.
إحجام عن الإعلان
مدير عام المؤسسة العربية للإعلان أيمن الأخرس لم ينكر انخفاض الإنفاق الإعلاني في الحروب دوماً، وهو ما حصل مع المؤسسة خلال سنوات الحرب، فعلى الرغم من انتهاء أغلب فصول الحرب العسكرية إلّا أننا لا زلنا نعيش في حرب اقتصادية نتائجها السلبية لمستها جميع المنشآت والشركات، الأمر الذي أدى لإحجامها عن الإعلان، ولفت الأخرس إلى وجود إعلانات طرقية أو إذاعية لبعض المنتجات على مدار العام، مشيراًِ إلى أن الإعلان المتلفز ينشط فقط في شهر رمضان، لذا يعتبر هذا الشهر أساس عمل الإعلانات التلفزيونية والتجارية وأساس الرعايات البرامجية، أما بقية أشهر العام فتنحصر الإعلانات على الطرقية والإذاعية في حين يكون وجودها متلفز أمر نسبي سبب عدم قدرة المنشآت التجارية والاقتصادية على الإنتاج بشكل جيد بسبب العقوبات وضعف التصدير بالتالي قيامهم بتخفيض ميزانيات الإعلان في هذه الشركات.
وتحدث الأخرس عن انتعاش وعودة نشاط الإعلانات الطرقية منذ بداية 2017، وأن الإنفاق الإعلاني فيها لا زال قليل حيث تقدم شركات الإعلانات الطرقية عروضات كبيرة وخصومات وحسميات لاستمرار عملهم، منوّهاً إلى أن المؤسسة العربية للإعلان هي مؤسسة ربحية.
مشاريع مستقبلية
وحول المشاريع الاستثمارية والمستقبلية للمؤسسة تحدث مدير عام المؤسسة عن العمل حالياً على مشروع لوحات الإعلانات الطرقية الخاصة بالمؤسسة، مشيراً إلى أن المؤسسة اليوم تعمل في إطار تطوير وتحديث القوانين وبانتظار صدور التشريعات الخاصة بموضوع الإنتاج الخاص بالإعلانات الصحفية والإذاعية والتجارية والتلفزيونية عبر مديرية الشؤون الفنية بالمؤسسة، كما يتم العمل على مشروع خاص بالمؤسسة باسم مشروع تطبيق “ميديا” وهو تطبيق يقدم كل خدمات المؤسسة بشكل الكتروني وسيرتبط بالدفع الالكتروني لافتاً إلى جاهزية المؤسسة كبنية معلوماتية ولوجستية للربط مع مؤسسة المدفوعات وستصبح كافة خدماتنا تطبّق وتدفع عبر التطبيق، كما يقدم هذا التطبيق اطلاع ومتابعة الصحف الرسمية لأخبارها وتحويل النص المكتوب إلى سماعي لمساعدة كبار السن وضعيفي النظر للاستماع للأخبار الموجودة في الصحف، كما يتيح التطبيق مشاهدة الخدمات التلفزيونية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ومتابعة نشرة الإعلانات الرسمية الخاصة بالمناقصات مع مجموعة من التخصيصات الخاصة بكل شركة أو شخص متابع، ونتطلع لتطوير عمل المؤسسة الخدمي والاستثماري بما ينعكس على المواطنون المتعاملون مع هذه المؤسسة وبما ينعكس أيضاً على إيرادات المؤسسة لتحسينها بشكل مستمر.
ميس بركات