دراساتصحيفة البعث

ما وراء تسريب الوثائق العسكرية الأمريكية

عناية ناصر 

تعرّض الرأي العام الأمريكي لأخبار صادمة مؤخراً، حيث ظهر وفقاً لتقارير إعلامية عدد من الوثائق السرية العسكرية الأمريكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تقدم معلومات تفصيلية مثل خرائط أوكرانيا، ورسوم بيانية حول أماكن تمركز القوات، وأنواع الأسلحة المقدمة لهم، وكان أحد هذه التقارير “سري للغاية” وعنوانه “حالة النزاع اعتباراً منذ الأول من آذار”.

قال المحللون، إنه إذا كانت الوثائق صحيحة، فهذا يعني أن الولايات المتحدة منخرطة ومتورطة بشكل كبير في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وتقدم معلومات استخباراتية لدعم أوكرانيا أكثر مما كان معروفاً في السابق. وليس ذلك فحسب، بل هناك أكثر من 100 وثيقة مسربة حول الأمن القومي للولايات المتحدة فيما يتعلق بالصين والشرق الأوسط، وشبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ليس من الواضح ما إذا كانت الوثائق قد تم تسريبها بشكل متعمد من قبل الاستخبارات الأمريكية، وذلك لأن تسريب الوثيقة ملفت للنظر لأنه يشمل مجموعة واسعة من المناطق، ليس فقط الوضع في أوكرانيا، ولكن أيضاً الصين والشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية، وما إلى ذلك، وهذا يدلّ على طموح الولايات المتحدة في جعل المزيد من الدول تنخرط في استراتيجية الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العالمية، حتى ولو كان ذلك على حساب السلام والاستقرار العالميين. كما تأمل الولايات المتحدة أيضاً في إثارة الخلافات العالمية دون التدخل بشكل مباشر.

تجدرُ الإشارة إلى أن أكبر تسريب استخباراتي أمريكي في المرة الأخيرة كان برنامج التجسس الرقمي “بريزم” المصنّف بأنه سري للغاية ويُشّغل من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، منذ عام 2007، والذي كشفه إدوارد سنودن. في ذلك الوقت، جعلت معلومات الولايات المتحدة التي تراقب العالم، بما في ذلك حلفاؤها، يشعرون بالذهول وجعل الولايات المتحدة في وضع محرج.

ليس من الواضح كيف تمّ التسريب، وكم كان حجم الثغرة في نظام المخابرات الأمريكية، وما إذا كان التسريب بسبب مشكلات فنية في وكالة المخابرات الأمريكية أو عملاً داخلياً أدى إلى التسريب. وستجعل التسريبات حلفاء الولايات المتحدة قلقين من أن الولايات المتحدة ليس لديها وسيلة للحفاظ على سلامتهم، ولا يمكنها ضمان أمنها القومي.

ومن المحتمل أن يكون هذا التسريب متعمداً من داخل الولايات المتحدة، وخاصة من قبل الأمريكيين الموالين لروسيا، وذلك من أجل إخراج الولايات المتحدة من أزمة أوكرانيا في أسرع وقت ممكن.

هل ستواصل الولايات المتحدة تدخلها العميق في الصراع الروسي الأوكراني في المستقبل، أم أنها ستنتهي فجأة؟ من المحتمل أن يرغب مصدر التسريب في تحذير الحكومة الأمريكية من التورط بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا. ومن المحتمل أيضاً أن يكون بعض الأشخاص المطلعين في الولايات المتحدة قد حصلوا على المعلومات وكشفوها لوسائل الإعلام، وهي الطريقة المعتادة في الولايات المتحدة.

وقال السكرتير الصحفي للرئاسة الروسية دميتري بيسكوف بشأن تسريب وثائق عسكرية أمريكية سرية: “ليس لدينا أدنى شك بشأن التورط المباشر أو غير المباشر للولايات المتحدة والناتو في الصراع بين روسيا وأوكرانيا. إن تورط الولايات المتحدة والناتو في الصراع يزداد عمقاً، وبعد مثل هذا التسريب السري للمعلومات، يكون الضغط على الجانب الأمريكي كبيراً جداً”.

هناك شيء واحد مؤكد أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة تجسّس في العالم والبلد الذي يراقب البلدان الأخرى أكثر من غيره، فهي تراقب العالم بأسره، ليس فقط خصومها ولكن حلفاءها أيضاً، وما تحالف “العيون الخمس” إلا مجرد بيدق تستخدمه الولايات المتحدة، ولن تثق الولايات المتحدة في الدول الأربع الأخرى في التحالف.

بعد كشف مثل هذه الحوادث، ينبغي حثّ حلفاء الولايات المتحدة على التفكير فيما إذا كان يمكن الوثوق بالولايات المتحدة كحليف، فهي تتحدث عن الأيديولوجيا والديمقراطية والحرية والقيم، لكن مصالحها الذاتية هي فقط الأولوية بالنسبة لها، ولا يمكن الاعتماد عليها. إن المسألة هي مسألة وقت فقط قبل أن تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها في لحظة حرجة. قد يكون تسريب الوثيقة شيئاً جيداً، تماماً كما سرب سنودن عدداً كبيراً من الأسرار الأمريكية، مما أجبر الولايات المتحدة على تعديل بعض سياساتها. ولكن بغضّ النظر عن مقدار تعديلها، فإن مراقبة العالم لن تتغير، وطالما أن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على هيمنتها العالمية، فإنها بحاجة إلى معرفة كل شيء عن العالم، والمراقبة وسيلة مهمّة لتحقيق هدفها.