دراساتصحيفة البعث

هل تقدّم واشنطن أوروبا كبشَ فداءٍ في حربها مع روسيا؟

طلال ياسر الزعبي

تصرّ الآلة الدعائية الغربية على إشاعة أخبار مثل استعداد روسيا لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا، أو التهديد بالقيام به، أو حتى نقل أسلحة استراتيجية روسية إلى أماكن معيّنة، وذلك بغية تحفيز الرأي العام الغربي والدولي حول إمكانية استخدام هذه الأسلحة في أيّ وقت من الجانب الروسي.

ومثل هذه الأخبار تخدم بالدرجة الأولى الغاية التي تسعى إليها واشنطن منذ البداية وهي “شيطنة” روسيا وتعميم ظاهرة روسوفوبيا في الغرب، وهذا بطبيعة الحال أمر مفهوم ولا جدال عليه.

ولكن مثل هذا الخبر يشير تكراره في هذه التوقيت بالذات، بالإضافة إلى كونه يمكن أن يمثل المسمار الأخير في نعش العلاقة الروسية الأوروبية بعد أن وصل التحريض في أوروبا على روسيا إلى ذروته، إلى أن هناك أمراً يُطبخ في المطبخ الأطلسي على وجه التحديد بقيادة واشنطن طبعاً، فقد صرّح مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيك سوليفان، أن ردّ واشنطن على استخدام روسيا للأسلحة النووية في أوكرانيا لن يعتمد على ما إذا كانت تُستخدم على نطاق تكتيكي أو على نطاق أوسع.

ونقلت شبكة “CNN” عنه قوله: “إن الولايات المتحدة تعمل مع حلفاء وشركاء الناتو ودول أخرى مثل الصين والهند على إرسال رسالة واضحة وقوية إلى روسيا بأنه لا ينبغي لها التفكير في استخدام الأسلحة النووية في هذا الصراع”.

هذا التصريح يشير صراحة إلى أن المسألة تتعلق فقط باستخدام السلاح النووي، سواء أكان تكتيكياً أم شاملاً، بمعنى أن المرجّح في هذه المسألة هو استخدام التكتيكي، وهذا التكتيكي الذي يتحدّث عنه سوليفان يمكن ببساطة أن تتوافق واشنطن مع عواصم الأطلسي على استخدامه داخل الأراضي الأوكرانية ثم اتهام روسيا بالقيام به، وهو أمر وارد بالقياس إلى التحريض الغربي المستمر في هذا الشأن.

ولا يحتاج هذا الأمر طبعاً إلا إلى إشاعة جوّ من الخوف والرعب في الشارع الأوروبي عبر التصريحات المتناغمة والضخ الإعلامي حول نية الجانب الروسي استخدام السلاح النووي في المعركة، وبالتالي فإن تصريح سوليفان وغيره من المسؤولين الغربيين لا يمكن فهمه إلا في هذا الإطار، ما دام الجانب الروسي يصرّ دائماً على تفنيد هذه التصريحات وتفسير الأسباب التي دعت إليها.

فقد ردّت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على مثل هذه التصريحات بالقول: إن واشنطن وعواصم غربية أخرى قد تكون مهتمّة بتصعيد الموقف بشأن استخدام الأسلحة النووية من أجل إلقاء اللوم في وقت لاحق على موسكو.

وأشارت إلى أن هذا يتم كجزء من خطة واشنطن لتأمين الهيمنة العالمية دون مراعاة خطر إثارة صدام مسلح مباشر بين القوى النووية الكبرى المحفوف بالعواقب الوخيمة.

كذلك أشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في وقت سابق، إلى أن الدول الغربية تحاول إدخال الخطاب النووي إلى التداول، على الرغم من أن روسيا لا تهدّد باستخدام الأسلحة النووية.

في المقلب الآخر، ومن قلب أوروبا الغربية، وتحديداً من باريس، انتقدت رئيسة كتلة “التجمّع الوطني” اليميني في البرلمان الفرنسي مارين لوبان، تصريحات جوزيب بوريل، بشأن ردّ فعل الدول الغربية في حال استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.

ونقلت وكالة نوفوستي عن لوبان قولها: “يجب أن نحافظ على الدبلوماسية، لأن تصريحات بوريل تخبرنا أنه إذا اتُّخذت قراراتٌ بالنيابة عنا، فإن فرنسا ستنجرّ بالفعل إلى الصراع”.

وحثّت السلطات الفرنسية على توخي الحذر بشأن التصريحات المختلفة حتى لا تنجرّ إلى الصراع.

وفي وقت سابق، قال بوريل: إن الغرب يعتزم إعطاء ردّ عسكري قويّ في حالة استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.

مثل هذا الكلام يشير بشكل واضح إلى أن هناك من يسعى بالفعل إلى استخدام السلاح النووي في أوكرانيا ثم اتهام روسيا باستخدامه، وذلك لأن الدول الغربية تصرّ بشكل مثير للاهتمام على نشر هذه الفكرة في الأوساط العالمية.

ومن هنا جاء طلب بعض الدول من رعاياها مغادرة الأراضي الأوكرانية، حيث دعت وزارة الخارجية الصينية مواطنيها إلى مغادرة أراضي أوكرانيا، حسبما ذكرته صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية.

جاء ذلك بينما أعلنت السفارة المصرية في أوكرانيا أن مصر تدعو مواطنيها لمغادرة الأراضي الأوكرانية بأسرع ما يمكن، وكذلك فعلت أوزبكستان وكازاخستان، وأغلقت صربيا سفارتها في أوكرانيا بشكل مؤقتٍ لدواعٍ أمنية، حسبما ذكرته السفارة.

وواضح أن الأمر لا يقتصر فقط على الحرب الدائرة منذ ثمانية أشهر في أوكرانيا، بل إن هناك ما استجدّ في الساحة وعلى أساسه بدأت الدول بإجلاء رعاياها من هذا البلد، لأن الدعاية الغربية الكبيرة حول الحرب النووية الوشيكة هي التي قادت إلى ذلك، وهذا ما أثار لدى موسكو شكوكاً بأن هناك مَن يفكّر جدياً باستخدام السلاح النووي ثم اتهام موسكو باستخدامه هناك، وإلا فلماذا تصرّ الدول الغربية على إطلاق الاتهامات نحو موسكو في هذا الشأن، في الوقت الذي تقوم فيه الدبلوماسية الروسية وعلى أعلى المستويات بنفي هذه الأخبار وتفنيدها وتوضيح الأسباب التي تقف خلفها، ومن هنا جاءت إشارة زاخاروفا إلى أن الغرب مهتمّ “بإلقاء اللوم على موسكو فيما بعد”.

وربما يكون في السياق ذاته ما أُعلن عنه في موسكو، من أن الرئيس فلاديمير بوتين سيعقد الأسبوع المقبل اجتماعاً تنفيذياً مع أعضاء مجلس الأمن الروسي.

وفي المحصلة، لم يعُد غريباً بعد كل ما جرى في الأشهر الماضية من تحريض أمريكي لأوروبا على معاقبة روسيا وصولاً إلى الأزمة الحالية التي تعانيها القارة في الطاقة والبورصة والتضخم، أن نقول: إن واشنطن ربّما تفكّر جديّاً بتقديم أوروبا كبش فداء على مذبح الحرب الأوكرانية، ظنّاً منها أن حرباً نووية تندلع بين أوروبا وروسيا ستقضي على الطرفين، وتبقى واشنطن في مأمن منها.