ثقافةصحيفة البعث

فنون الترميم بشغف بين الكنيسة المارونية وجامع شرف

حلب- غالية خوجة 
من يطلّ من أعلى القلعة لا بد وأن يرى حلب بمجملها، ومنها ساحة فرحات وساحة الحطب ومكوناتهما العمرانية والمعمارية، وما تضمانه بين الكنيسة المارونية وجامع شرف كأثرين متشابكين ضمن اللوحات الفسيفسائية السورية المجتمعية والإنسانية.
وهاتان الساحتان كانتا بطلتي محاضرة “العمارة الإسلامية وترميمها في حلب”، للمهندس محمد إسماعيل أحمد، الاستشاري في التراث العمراني، والتي ألقاها في صالة تشرين، بالتعاون بين فرع حلب لاتحاد الكتّاب العرب ومديرية الثقافة، لتكون تفاصيل العمارة الأثرية بفنياتها وجمالياتها ما تناوله المحاضر عبْر عدة محاور، بتوثيقية شملت الانفجارات التدميرية التي تسبّبت بها الحرب الظلامية الهادفة، ولكنها فشلت، وانتصر الوطن، واستعادت الأمكنة الأثرية هويتها وجمالياتها الممكنة.
وأرجع المحاضر ضياع التفاصيل لأسباب عديدة منها الحرب، وفقدان الوثائق، ولفت إلى ضرورة العمل بتشابكية بين الجهات المعنية، ومنها الأوقاف وجمعية العاديات ونقابة المهندسين ومديرية الآثار والمتاحف، مقترحاً إنشاء مركز وطني يضم هذه الجهات لتكون الفاعلية أكثر إيجابية.
وتساءل باستغراب: ما الذي استفاده المفجّر من هذا التدمير؟! هل يظن أنه فجّر الحضارة مثلاً؟!.
وتابع: تفجير وحريق ونهب وسرقات، ورغم ذلك، وبكل الإمكانات المتوافرة، استطعنا، أن نرفع آلاف الأمتار المكعبة من الأنقاض، ونفرز الحجارة ونرقّمها ونعيد ترميمها وبناءها، رغم الصعوبة في تحويل الحجارة إلى رسمها الهندسي السابق، مقارنة مع تحويل رسم هندسي إلى حجارة وبناء.
وأكد: حلب مدينة متحفية في الهواء الطلق، وهي بذلك مدينة نادرة في العالم، لا تشبهها مدينة أخرى، وما زلنا نكتشف فيها المعلومة الجديدة والجمالية الجديدة والآثار الجديدة، سواء كانت أبياتاً من الشعر لجامع الطواشي مثلاً، والذي أنشأه صفي الدين جوهر العلاني الطواشي سنة 1348 للميلاد، أو قبوراً، أو لوحات وجدراناً وكتابات غير مقروءة، تلك التي اكتشفناها أثناء بحثنا بين الأنقاض، والمدرسة الأحمدية المعتبرة من أشهر المعالم التاريخية والدينية والعلمية، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 1751، والتي خسرناها بالزلزال مع تفاصيلها الهندسية المتفردة، كما خسرنا مئذنة جامع ومدرسة السلطانية التي بدأ بإنشائها الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة 1216، ليكملها شهاب الدين طغرل أيام الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر الغازي.
وأضاف: الجماليات العريقة منتشرة في حلب القديمة، ومنها المدرسة الحلوية، وجامع الملاّ خانة الذي نعمل عليه وهو بحالة إسعافية، وكنيسة مار الياس التي تعود إلى عام 1873م، وجامع شرف المُنشأ أيام قانصوه الغوري، واللذين استطعنا ترميمهما وإعادة بنائهما، وذلك بعد إجراءات مكثفة ومتواصلة على أرض الواقع.
أمّا ما هي أهم الصعوبات؟..
فأجاب بأنها عديدة، ومنها التواصل مع فرنسا والحصول على الصور التوثيقية للكثير من عناصر حلب القديمة، تلك التي كان بينها صور للـفرنسي جان كلود، لأنها كانت أقرب إلى الحجارة القديمة وأكثر دقة في التفاصيل، كما أننا استعنّا ليس بطلاب هندسة العمارة، بل بالحجّارين المتوارثين لهذه المهنة أباً عن جد، وبخبرتهم الفنية اليدوية في رسم المقرنصة والجوسق والزخارف والنقوش والخطوط والتيجان.
واستعاد المحاضر تفاصيل جامع شرف في ساحة الحطب- حي الجديدة، ماضيها العريق، ومنها المئذنة وهلالها الحجري وجوسقها وسقوفها الخشبية والحجرية، تلك التي تشتهر بها أيضاً الكنيسة المارونية في ساحة فرحات، التي احتاجت إلى إعداد إضبارة ترميم ومخططات لتدعيمها، خصوصاً السقف الخشبي والأقواس المعتمدة على “التعشيق”.
وتابع: اشتركنا مع المهندسين الإيطاليين الذين أعجبوا بطريقتنا في استعادة السقف الخشبي، الذي صببته وكأنني أصبّ سقفاً بيتونياً ضمن آلية صعبة بين الجدران وجسور الكاتدرائية. واسترسل المحاضر: الجهود التطوعية الوطنية مستمرة، ونتمنى أن نحافظ على الأماكن القابلة للسقوط ونعيد ترميمها وتأهيلها وإعمارها، مثل جمعية العاديات. وفي هذا السياق، نذكر جهود المرحوم تميم قاسمو، ومحمد خير الدين الرفاعي رئيس جمعية العاديات بحلب، وعبد الله حجار نائب رئيس الجمعية، وغيرهم من المهندسين الكثيرين، ولن ننسى المهندسات اللواتي يعملن معنا.

وتحدث المحاضر عن أمانة المجتمع المحلي في التعامل مع كل ما يخصّ وطنه، ومنها أن أحد المجاورين للموقع الذي يعمل فيه جاء إليه وأخبره بأنه خبّأ حجرة منقوشة في بيته منذ سنة، خوفاً عليها، وأحضرها له لتكون من أهم الحجارة الأثرية التي اكتمل بها البناء.