مجلة البعث الأسبوعية

من يحمي منتجاتنا المحلية..؟! هواجس باحتضار صناعتنا الوطنية.. تنافسية المُنتج السوري في غرفة الإنعاش

دمشق – البعث الأسبوعية

عرّت المنتجات العربية والأجنبية -التي أتخمت أسواقنا- منتجاتنا السورية، وكشفت ضعف منافستها لاسيما مقابل نظيرتها الإماراتية والسعودية والصينية منها، ما أثار هواجس خطيرة لدى أصحاب بعض الفعاليات الاقتصادية باحتضار صناعتنا الوطنية أو صمودها ضمن الحدود الضيقة أمام الصناعة العربية والإقليمية في أحسن الأحوال نتيجة غياب الدعم الحكومي لها وغياب القوانين والتشريعات المشجعة لجذب وتوطين صناعات جديدة وتطوير ما هو قائم منها ورفع قدرتها التنافسية، علماً أن التنافسية ترتبط بثلاثة عوامل رئيسية هي السعر والجودة والتكلفة، وهي محفز قوي يدفع نحو بذل المزيد من الجهد لتحسين الأداء على مستوى المؤسسة ومستوى الاقتصاد الوطني وبالتالي إيجاد مزايا تنافسية تمكن الاقتصاد الوطني من المحافظة على نشاط المؤسسات تجاه المنافسين وتعزيز مكانتها في السوق.

فساد إداري

في محاولة لإسقاط ما سبق ذكره على الاقتصاد السوري ومعرفة إلى أي درجة من المنافسة وصلت المنتجات السورية، نجد أنها دون المستوى المطلوب حيث يرى المراقبون أن هناك أسباب عدة ساهمت بتدني مستوى القدرة التنافسية في سورية لخص بعضها الاقتصادي الدكتور علي حسن الذي اعتبر أن الإنتاج السوري غير قادر على الخروج من حدوده إلا نادرا بسبب غياب الدعم المنظور وغير المنظور كالذي تتلقاه – على سبيل المثال – المنتجات المصرية والخليجية سواء من ناحية انخفاض أسعار الطاقة أو من ناحية النقل والشحن والإعلان، إضافة إلى أن النظام الضريبي والنظام الجمركي والفساد الإداري تعرقل المستثمر السوري وتجعله أقل قدرة على المنافسة.

وأضاف حسن أن الاقتصاد السوري يواجه الآن أزمة كبيرة بسبب ضعف الإنتاجية وضعف الإدارة وعدم دعم الدولة للمنشآت الاستثمارية، وهذا يحتم علينا دراسة هذه الأمور دراسة وافية وإجراء تغييرات جذرية على كثير من المسائل الاقتصادية والتحرك أكثر وبسرعة أكبر لحماية منتجاتنا.

وضرب حسن مثالا على تدني القدرة التنافسية للمنتجات السورية بقوله: يعتبر قطاع الغزل والنسيج القطاع القائد تاريخيا في سورية، وكان الأتراك والدول العربية يستوردون منتجاتنا، واليوم نحن غير قادرين على منافسة الإنتاج التركي، بسبب ضعف الإدارة في القطاع العام أولا قبل القطاع الخاص كون قطاع الغزل والنسيج قطاع عام بالدرجة الأولى.

قوانين متناقضة

عوامل أخرى ساهمت بتدني قدرة منافسة المنتجات السورية تتعلق بالقوانين والأنظمة النافذة ذكرها الصناعي سامر رباطة معتبرا أن القوانين السورية غير متناغمة ومتناقضة في كثير من الأحيان ما يجعل المنتج السوري يواجه صعوبة بالغة بالصمود أمام المنتجات الأجنبية والعربية مبديا خشيته من احتضار المنتج السوري، فلا يجوز – على سبيل المثال – أن ندعم الصادرات ونعيق بطريقة ما الصناعة، لذلك لابد أن تكون جميع القوانين في حزمة واحدة لدعم التصدير والصناعة ورفع القدرة التنافسية لمنتجاتنا.

وفي ذات السياق لم ينكر مصدر في هيئة المنافسة ومنع الاحتكار وجود تناقض في مجموعة القوانين النافذة، لذلك يجب دراستها من قبل لجنة عليا وتدقيقها وإلغاء أي تناقض فيما بينها، داعيا إلى ضرورة وجود برنامج لدراسة الأثر التشريعي لهذه القوانين بهدف الوصول إلى تشريعات متوافقة تستطيع أن تحكم اقتصاد السوق الاجتماعي.

ومن الأسباب الأخرى التي ساهمت بتدني القدرة التنافسية قال رباطة: إن أسعار المواد الأولية في دول الجوار أقل منها في سورية، كما أن النسب الجمركية في بلادنا أعلى من مثيلاتها في دول الجوار والدول المنافسة وبناء عليه لا يمكننا أن ننافس.

رأي معاكس

مرت فترة طويلة على سورية كانت الحكومة بمثابة الأب الذي يرعى المواطنين والمنشآت الاقتصادية عبر دعمها للمحروقات وغير ذلك من وسائل الدعم التي كانت تقدمها للمنتجين، واليوم تعيش سورية مرحلة جديدة تستوجب أن تكون فيها مؤسسات الاقتصاد السوري مؤسسات منافسة من خلال تكاليف حقيقية وليست وهمية كما كان يجري في السابق وتمخض عن ذلك أسباب عديدة أخلت بمعادلة نجاح قطاعنا العام الإنتاجي وتراجعه إلى الصف الثاني أمام نظيره الخاص، علما أن ما يمتلكه الأول من مقومات مادية ولوجستية تفوق ما لدى الأخير الذي بدا خلال سنوات الانفتاح الاقتصادي الأخيرة – بنظر كثير من المراقبين – يسحب البساط من تحت من بقي على مدى سنوات طويلة سيد الموقف في اقتصاد يسارع الخطى بتثاقل ليحجز مكانا له على خارطة الاقتصاد العالمي، ورغم ذلك لم يضطلع القطاع الخاص بالدور المطلوب منه خلال فترة الأزمة، ولو من مبدأ العرفان بالجميل، فكثير من رجال أعمالنا ممن حصلوا على امتيازات أيام الرخاء، آثروا الهروب والاستثمار في الخارج، حفاظاً على ما جمعوه من مال تحت إطار الامتيازات والتسهيلات الحكومية.

ليس أولى أسباب خلل معادلة نجاح الخاص وإخفاق العام، الروتين والبيروقراطية وليس آخرها الفساد الإداري وما نجم عنه من تداعيات جعلته يأخذ دور الأب المغدق على أبنائه دون أن يقدموا ما يكافئ – كحد أدنى – عطاءات الأب الذي أُثقل بعقوق أبنائه الناكرين لمسؤوليتهم تجاه ما اؤتمنوا عليه.

كثيرة هي الشواهد في قطاعنا العام التي تدل على تراجع أدائه وتدني مستوى كفاءته الإنتاجية، ولعلنا نجد في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أنموذجا يشخص حالة الترهل التي يعيشها القطاع العام الإنتاجي نتيجة تناقص عدد الكفاءات والخبرات رغم ما تزخم به من فائض عددي انكفئ  معظمه بعيدا عن مواقع الإنتاج الحقيقية لاهثا وراء الأعمال الإدارية تحت ذرائع وحجج من قبيل عدم مساواة الأجر بما يبذل من الجهد…وأن السن المتقدم نسبيا للبعض لم يعد يساعدهم على العمل العضلي… وغير ذلك من الأسباب التي يحيكها عمال يفضلون قضاء ساعات عملهم بأدنى جهد ممكن، وبالتالي اضطرار إدارات مؤسساتهم وشركاتهم الإنتاجية إلى ضخ دماء جديدة ليزداد فائضهم العددي وتحميل الشركات أعباء مالية خارج حسابات المدخلات والمخرجات الإنتاجية.

في هذا السياق ترتفع أصوات المطالبين بضرورة ربط الإنتاجية بالأجر وزيادة الحوافز والمكافآت بهدف تقليص نسبة العاملين الراغبين بالانتقال إلى العمل الإداري، وأن يعمل القائمين على إدارة القطاع العام الإنتاجي بعقلية القطاع الخاص والاهتمام بالأبحاث والأفكار لتطوير الإنتاج، وعدم اتباع سياسة الأبواب المغلقة أمام الاقتراحات والأفكار التطويرية، والتركيز على الجانب التسويقي لمنتجاتهم عبر دراسة السوق بكل تفاصيله والتعرف على أذواق المستهلكين والزبائن المحتملين، إلى جانب القيام بحملات دعاية وإعلان بشكل مستمر، مع التأكيد على حيثية أنه لا معنى لتشغيل الآلات بكامل طاقتها الإنتاجية دون تصريف إنتاجها، وبالتالي لا بد من دراسة السوق بعمق لمعرفة مدى استيعابه لهذه المنتجات، ومدى ملائمتها لأذواق المستهلكين اللذين فقدوا الثقة بمعظم ما ينتجه القطاع العام، علما أن المواد الداخلة بتصنيع منتجات القطاع العام ذات جودة أعلى من نظيرتها في القطاع الخاص.

إعادة هيكلة

مؤكد أن خلاص شركاتنا الإنتاجية مما ابتليت به من أمراض نخرت مفاصلها لا يحتاج إلى قرارات إسعافية وترقيعية بل جذرية وإستراتيجية عبر إعادة هيكلتها ورفدها بكفاءات تضاهي تلك الموجودة في القطاع الخاص، وإن كان ذلك على حساب التخلي عن دورها الاجتماعي والأبوي، لأن من لا يريد أن يعطي لا يستحق أن يأخذ، وفي النهاية لكل مجتهد نصيب.

وأخيراً

تبقى المنافسة والتنافسية والإغراق هي ثالوث الاقتصاد الحر الذي يعتمد على العرض والطلب أو ما يسمى في بلدنا (اقتصاد السوق الاجتماعي)، وعلى اعتبار أن تعزيز المنافسة ورفع القدرة التنافسية داخليا وخارجيا سوف يسهم باستقرار الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمارات ودخول مستثمرين جدد إلى البلاد من خلال تحقيق العدالة والشفافية في كافة العاملات التجارية لجميع الراغبين بالاستثمار فلا بد من الإبداع والابتكار والبحث عن أساليب أكثر حداثة للارتقاء بالمنتج والخدمة في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي والوقوف أما الانفتاح الاقتصادي العالمي لنصل إلى اقتصاد متمكن ومتماسك يستطيع المنافسة على الصعيد الداخلي والخارجي.