مجلة البعث الأسبوعية

أين نحن من ثقافة الإنتاج..؟

البعث الأسبوعية -حسن النابلسي

نذكر خلال سنوات الرخاء الاقتصادي أننا كنا نتندر في جلساتنا المسائية، على عادات بعض شعوب العالم، خاصة تلك التي كانت تعرض على برنامج طرائف من العالم، ولعل من أكثر المشاهد المحفورة بالذاكرة حتى الآن – وهو بيت قصيد هذه الزاوية- ذلك المشهد الموثِّق لعادة التسوق لدى الشعب الياباني، وإظهاره أنهم يشترون بمقدار حاجتهم لا أكثر ولا أقل، وأذكر تحديداً لقطة شراء أحد الزبائن لقطعة من البطيخ دون البطيخة كاملة..فقد أثارت هذه اللقطة –وقتها- استغراباً كبيراً لدينا، وتساؤلات ساخرة من قبيل .. هل الشعب الياباني فقير لدرجة أنه عجز عن شراء بطيخة كاملة..؟ ..أم أنه يبخل على نفسه ويحرص على عدم الترفيه عن ذاته ليوفر بضع دولارات..؟.

جاهلين أو متجاهلين أن هذا الأمر نابع من ثقافة مجتمعية عامة غايتها حفظ النعمة والحد من الهدر..!.

فهذا الأمر الذي لم يكن وارداً في قاموس عاداتنا الاستهلاكية اليومية، أصبح اليوم حقيقة راسخة في هذه العادات إلى حد كبير، مع الإشارة هنا إلى أن مرد هذا التغيير والتطور ليس نابعا من الثقافة المجتمعية الموما إليها سابقاً،  وإنما مرد هذا التغيير هو الضغط المعيشي الناجم عن ارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت الـ600%، وتأثير ذلك على تآكل القدرة الشرائية لليرة السورية، وبالتالي اضطرار المستهلك لإعادة ترتيب أولوياته المعيشية اليومية، واتخاذه إجراءات حازمة جداً لابتياع مقدار حاجته الفعلية دون أية زيادة..!.

ورغم أن النتيجة واحدة لكلا الحالتين السابقتين وهي “الاستهلاك بمقدار الحاجة فقط”، إلا أن ثمة بون شاسع بينهما من جهة الأثر والتأثير.. فإن تستهلك حاجتك فقط، فأنت حكماً تمنع الهدر، وتحول دون فقدان السلعة من الأسواق وبالتالي عدم احتكارها، والأهم من هذا وذاك أن من يدأب على نهج الاستهلاك على قدر الحاجة، ويتقي شر عواقب الهدر فهو بلا شك منتج ويقدر قيمة الإنتاج.

أما من اضطرته الظروف إلى الاستهلاك على قدر الحاجة، فإن الظروف ستعيده إلى ما كان عليه ريثما تخلي عن كاهله ضغوطها، لا بل قد يصبح أكثر إسرافاً ليعوض ما فاته من إسراف..!.

فالإنتاج بالنهاية هو ثقافة مجتمعية، أكثر منه منهج معتمد، وكذلك الأمر بالنسبة للاستهلاك..وإذا ما أردنا تعزيز الأول على حساب الثاني، فعلينا العمل باتجاه ترسيخ مفهوم العمل الحر والإنتاج في مناهجنا الدراسية عسى أن تحدث الأجيال اللاحقة خرقاً بمفهوم الاستهلاك العام بحيث يصبح متوازناً مع الإنتاج..!.