لماذا تأخرنا في إطلاق مشروع لرواد الأعمال الشباب؟ كلام كثير حول التسهيلات وفعل قليل يصيب الرواد باليأس والإحباط!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
لم تعد الشهادة الجامعية لوحدها كافية أن تفتح أبواب سوق العمل، وهذا ما تؤكده المعطيات على أرض الواقع، إذا توجد فجوة كبيرة بين المخرجات الجامعية وسوق العمل، الذي لم يعد يرضى بالشهادات الجامعية التقليدية نظراً لفقر المناهج وتخلفها عن اللحاق بركب التطور العلمي المتسارع، الأمر الذي يتطلب ضرورة إخضاع الخريجين الجامعيين لدورات تأهيل وتدريب من أجل تنمية مهاراتهم وصقل خبراتهم وتعزيز قدراتهم الريادية ودعم تطلعاتهم في السعي لريادة الأعمال للمساهمة في التنمية الاقتصادية.
أسئلة مشروعة
هنا ثمة أسئلة تطرح نفسها: ماذا قدمنا لرواد الأعمال الشباب لجهة دعمهم مادياً ومعنوياً، لماذا تغيب الرؤية والبرامج والخطط لغرس روح الريادة في سن مبكرة من العمر لتمكين الشباب من استثمار قدراتهم، وطاقاتهم ليكونوا فاعلين ومبدعين وقادرين على التعامل مع التحديات؟، ماذا عن دور التشاركية بين القطاع العام والخاص بدعم الرواد؟
رؤية حكومية
برأي الدكتور ناصر قيدبان رئيس مجلس إدارة أكاديمية دايموند فيوتشر للتدريب وريادة الأعمال أن الواقع الحالي لريادة الأعمال في سورية يحتم علينا ضرورة الإسراع بإطلاق مشروع رواد سورية للسنوات العشر القادمة، ووضع رؤية حكومية داعمة بهذا الخصوص محفزة مادياً ومعنوياً لرواد الأعمال الشباب، ومن أجل تحسين بيئات العمل والاستثمار وتطوير المجتمع بكل مجالاته، لافتاً إلى أهمية التشاركية بين القطاع العام الممثل بالجامعات والمعاهد والفعاليات الأخرى، والقطاع الخاص الممثل بالأكاديميات والمراكز التدريبية، فهذه التشاركية –بحسب قوله- مهمة لأنها توصل لنتائج إيجابية، فالقطاع الخاص يمكن أن يوفر على الدولة الكثير من التكاليف، ونوه إلى أن أكاديمية دايموند (على سبيل المثال) لديها اتفاقين للتعاون العلمي مع جامعة دمشق تم من خلالهما الوصول إلى نتائج جيدة عبر وضع برامج لصناعة مهارات الريادة وتمكين الشباب من الإلمام بكل ما يريده ويحتاجه سوق العمل.
على المسار الصحيح
وبيّن الدكتور قيدبان أن استمرار اتساع الفجوة بين الشهادة الجامعية وسوق العمل يستدعي السعي الجاد بكل الإمكانات لدعم رواد الأعمال الشباب من خلال وضع مشاريعهم على المسار الصحيح لأن ذلك هو الطريق نحو مستقبل أفضل، وهنا تتضح أهمية التشاركية فالأكاديميات والمراكز التدريبية الخاصة يمكن أن تساهم بجزء كبير، فهي تعتمد في التأهيل والتدريب على أحدث البرامج التدريبية التي تصنع خريجاً مهنياً وتقنياً بامتياز، خاصة في ظل وجود ملاحظات ومآخذ على ضعف الجامعات والمعاهد لجهة مواكبة التغيير والتطور في متطلبات وحاجات سوق العمل.
يجهلون الفرق!
ولم يخفِ الدكتور قيدبان وجود بعض المسؤولين في المواقع الإدارية يجهلون الفرق بين ريادة الأعمال وإدارة الأعمال، ودلل على ذلك بالصعوبة التي لاقتها الأكاديمية عندما طرحت البرنامج التدريبي لدبلوم ريادة الأعمال، وجدوا صعوبة بشرح هذا الموضوع عند بعض القطاعات الحكومية، رغم الخطوات المتقدمة التي قامت بها وزارة التنمية الإدارية في تأسيس بنية جديدة داعمة للإصلاح الإداري.
أولوية في المرحلة القادمة
إن التطورات السريعة التي يشهدها عالمنا تتطلب منّا أن نكون مبادرين وجريئين، فيما يخص ريادة الأعمال وإدارة الأعمال، فبحسب الدكتور سامر المصطفى عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق أن التأخير بهذا الخصوص سيجعلنا على الهامش، مؤكداً على أهمية دعم رواد الأعمال الشباب ووضع ذلك كأولوية في استراتيجيات وخطط عمل الحكومة خلال المرحلة القادمة من خلال نشر ثقافة الريادة ليتعلم الشباب أسسها ومعاييرها وتبني مشاريعهم كتسهيل الحصول على التمويل، وتوفير التدريب اللازم الذي ينمي مهاراتهم ويصقل خبراتهم.
صعوبات كثيرة!
وحول الصعوبات التي تعرقل دعم رواد الأعمال الشباب، بيّن عميد المعهد أن الصعوبات كثيرة، أولها غياب البحث العلمي وعدم الاعتماد عليه بشكل جيد فيما يخص دعم أصحاب البحوث المميزة التي تطرح أفكاراً غير مطروقة سابقة وذات جدوى اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى عدم وجود رأس مال جريء يثق بقدرات الرواد الشباب وجدوى مشاريعهم، وما يزيد الأمور تعقيداً برأي الدكتور مصطفى هو غياب البيئة التشريعية والقانونية غير مشجعة للانطلاق بالمشاريع التنموية.
أسف على الغياب!
وأبدى عميد المعهد أسفه بخصوص غياب الجهات الداعمة التي تتكلم كثيراً عن الدعم لكن فعلها يبقى قليلاً لا يلبي طموحات رواد الأعمال، لذا لا عجب أن يصابوا بالإحباط، رغم أن رائد الأعمال لو تم دعمه مادياً ومعنوياً بشكل صحيح لديه قدرة على العمل تفوق قدرات الآخرين بأربعة أضعاف، فشخصية رائد الأعمال تتسم بروح المبادرة والمخاطرة، وتتحلى بالصبر أي تتحمل أعباء العمل.
ولفت الدكتور مصطفى إلى أن مناهج المعهد ودوراته التدريبية تُعنى بتدريس خصائص المنظومة الريادية حتى يكون لدى الطلبة والمتدربين فكرة واضحة عن المشروع الذي سيقدمونه، كما يعمل المعهد على إطلاع الطلبة الرواد على الصعوبات التي يمكن أن تعترض طريقهم، وذلك بهدف التعرف عليها ومعرفة كيفية مواجهتها، من خلال تزويدهم بالمهارات الريادية وزرع الثقة فيهم، والتأكيد عليهم أن يكونوا مبادرين وخلاقين ومبدعين للمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية لهم وللمجتمع.
وفي الجانب السلوكي بيّن أن المعهد يدرّب الطلبة على كيفية التعامل مع التقنيات الجديدة اللازمة لانجاز العمل والتي باتت تستخدم في كل مفاصل العمل، وكيفية التفاعل والتواصل مع الآخرين نظراً لأهمية ذلك في إنجاح المشاريع، ودعا الدكتور مصطفى إلى ضرورة بناء فرق عمل لأننا على صعيد الواقع نعاني من غيابها، مشيراً إلى أن المعهد يعمل على هذا الشيء.
شخصية رائد الأعمال
واتفق قيدبان ومصطفى في الرأي بخصوص أهمية التأهيل والتدريب العالي المستوى للخريجين في الجامعات، وخاصة للمتفوقين منهم بهدف بناء الشخصية الريادية كونها تلعب دوراً كبيراً في نجاح المشروع، مؤكدان أن ريادة الأعمال أصبحت من المفاهيم السائدة والرائدة في العالم في قطاع الأعمال وإدارة الأعمال وعلى كل الصعد نظراً لأهميتها ودورها في دعم النمو الاقتصادي، فهي تمثل الرافعة الحقيقية في تحسين نموه.
بالمختصر، الشباب السوري وخاصة الرواد منهم لديهم الشغف والطموح، في العمل بمشاريع نوعية تحتاج لدعم حقيقي معنوي ومادي، فهل نوفر لهم بيئة العمل المناسبة ونحن في مرحلة نحتاج فيها لجهودهم وقدراتهم وإبداعاتهم قبل أن تغريهم الهجرة؟