دراساتصحيفة البعث

الحل بدفن الأحقاد

علي اليوسف

أحيا إعلان إعادة العلاقات بين السعودية وإيران الأمل بإحلال السلام في اليمن، إذ لا شك أن الفضل في النجاح الدبلوماسي في حل الصراع اليمني يعود إلى التوقيع في آذار الماضي على اتفاقية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، بوساطة الصين.

وبالفعل، بدأت ملامح انعكاس الاتفاق السعودي الإيراني مباشرة على الوضع في اليمن، فقد أجرى وفدان من السعودية وسلطنة عُمان محادثاتٍ مع رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن مهدي المشاط في العاصمة صنعاء، وناقش الطرفان المقترحات التي أعدّها مسؤولون سعوديون بشأن شروط إبرام اتفاق سلام لإنهاء الحرب في اليمن. وقد سُلّمت المسودة “شبه النهائية” لهذه الوثيقة، التي تنص، من حيث المبدأ، على هدنة مدّتها ستة أشهر لتمهيد الطريق لمفاوضات سوف تستمرّ ثلاثة أشهر بشأن تحديد فترة انتقالية مدّتها عامان.

منذ أكثر من 4 سنوات توظّف سلطنة عُمان حيادها السياسي ودبلوماسيتها الخفية من أجل إنهاء الحرب على اليمن، وإيجاد مخرج مقبول للطرفين ينهي العنف الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين، بينما جعل 20 مليون يمني يعتمدون على المساعدات الإنسانية في حياتهم اليومية. لقد برز دور سلطنة عُمان في الملفّ اليمني بشكل ملحوظ قبل عام، وبحكم العلاقة مع إيران ومع الدول الخليجية، استطاعت مسقط أن تقف على مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع. وما زاد من صدقية سلطنة عُمان في الملف اليمني، هو حيادها التام في كل الملفات الخلافية.

إضافة إلى ذلك، إن تموضع سلطنة عُمان الجغرافي الذي يطل على مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تشرف عليه إيران جعل منها لاعباً دبلوماسياً محايداً في حل المشكلات التي تعاني منها الدول المجاورة، كما أن هناك عاملاً جغرافياً آخر مهمّاً يتمثل في مشاركة سلطنة عُمان مع اليمن حدوداً جغرافية تمتدّ على مسافة تقدّر بحوالي 300 كلم شرقاً.

لذلك تملك سلطنة عمان مقوّمات إنهاء الحرب في اليمن، حيث يعوّل المجتمع الدولي- الشريك في كل الحروب العبثية- كثيراً على مسقط لإيقاف نزيف الدم اليمني، والتوصّل إلى حل سياسي يزرع الأمل في قلوب اليمنيين.

ومن هذا المنطلق، وفي زيارة نادرة، أجرى الوفدان السعودي والعماني محادثاتٍ مع حركة أنصار الله في صنعاء في إطار مسعى لإحياء عملية السلام في اليمن. هذه المحادثات تهدف بالدرجة الأولى إلى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بشكل دائم، وإنهاء الحرب المستمرة منذ عدة سنوات. وتشير الزيارة إلى إحراز تقدم في المشاورات بالتوازي مع جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة. صحيح أن وفوداً سعودية زارت العاصمة صنعاء سابقاً لإجراء محادثات حول عمليات تبادل للأسرى مع حركة أنصار الله، لكن هذه الزيارة الرفيعة المستوى تأتي في خضمّ مساعٍ إقليمية ودولية للدفع باتجاه حل سياسي يفتح الباب أمام خروج السعودية من الحرب، ثم إسدال الستار على النزاع بين حركة أنصار الله والحكومة المدعومة من قوات التحالف الذي أودى بحياة مئات آلاف الأشخاص.

التسريبات التي رشحت من نتائج المحادثات في صنعاء، تشير إلى أن هناك اختراقاً في الأزمة، صحيح أنها ربما لا تسفر عن اتفاق سلام كامل، لكن على الأقل هناك فرصة كبيرة لاتفاق مبدئي قد يتضمّن مؤشراتٍ إيجابية على المدى المتوسط والطويل لإنهاء الحرب، ستكون أولى ملامحه انفراجة متوقعة في شأن الهدنة الإنسانية التي تحقق للشعب اليمني الاستقرار، وتمهّد للسلام الشامل والعادل، وإنهاء العدوان والحصار.

بغضّ النظر عمّا ستسفر عنه جهود الوساطة العُمانية، ومع مراعاة التعقيدات الأخرى، فإن زيارة وفدي السعودية وعُمان تكاد تكون الأمل لكثير من أبناء الشعب اليمني، الذين أرهقتهم الحرب وما تسبّبت فيه من فقدان للأرواح ودمار وجوع وتشريد، وخاصةً أنه بعد 8 سنوات من الحرب المدمّرة، لم يحقق أيّ من الأطراف مكاسب تُذكر.