“الشؤون” تجمع معلومات سوق العمل.. هل تفلح أمام اقتصاد ظل مسيطراً بنسبة 60%؟
دمشق – ريم ربيع
“مشوه وفوضوي ومفكك” هي صفات يطلقها الخبراء اليوم على سوق العمل الذي يعاني اختلالات مزمنة بعضها تجاوز إمكانية الإصلاح والتنظيم، حيث أثقلت الحرب والتغيرات الاقتصادية المرافقة لها كاهل سوق العمل بأزمات جديدة، وعمقت أزماته الموجودة أساساً، ما انعكس سلباً بآثار اقتصادية واجتماعية على مستوى البطالة وتدني الأجور، وفوضوية العمل، وانتشار اقتصاد الظل.
ورغم شكوك الكثيرين بإمكانية نجاحها في ظل هذه الفوضى، تحاول وزارة الشؤون الاجتماعية تأمين بيانات دقيقة عن سوق العمل عبر سعيها لإنشاء منصة نظام معلومات سوق العمل بدعم من الحكومة ومنظمات دولية، حيث صرح معاون وزير الشؤون الاجتماعية فراس نبهان مؤخراً أن هذه المنصة ستكون من الأدوات الحكومية المهمة لإعادة تنظيم سوق العمل، كونها تسهم بتوفير البيانات اللازمة وتحليلها، للاستفادة منها باتخاذ القرارات ورسم السياسات التشغيلية الأنسب.
ومع مشروع وزارة الشؤون الاجتماعية الذي بدأ العمل به منذ أكثر من عام، يطرح المتابعون أسئلة عديدة في مقدمتها كيفية إيجاد بيانات دقيقة ومعظم سوق العمل متركز في اقتصاد الظل! حيث يوضح استاذ الاقتصاد الدكتور زكوان قريط أن اقتصاد الظل يشغل أكثر من 60% من حجم الاقتصاد، وعملياً هو من “يشغّل البلد” حالياً، ومن الصعب الحصول على بيانات دقيقة عنه، لذلك يعد أكبر عثرة في وجه هذه المنصة، وسط تشعبه بمعظم القطاعات، وتجنب بعض الجهات التعاون وتقديم المعلومات.
ويبيّن قريط في تصريح لـ “البعث” أن تنظيم سوق العمل يحتاج جهداً جباراً ومشتركاً من مختلف الجهات والوزارات الحكومية، والفعاليات الاقتصادية من غرف تجارة وصناعة وسياحة وزراعة لتقدم كل ما لديها من معلومات في هذه المجال، موضحاً أن هناك قطاعات أساساً غير منظمة، كالزراعة التي لا يوجد معلومات عن عدد العاملين فيها، وهنا عقدت اجتماعات عدة مؤخراً لتعريف المشروعات الصغيرة في كل القطاعات من بينها الزراعة، وتحديد العاملين فيها بدقة، مما يساهم بأحد أشكال تنظيم سوق العمل.
ويضيف قريط أن التغيرات الاقتصادية في الداخل والخارج أثرت بمتغيرات عديدة سلباً أو إيجاباً على سوق العمل، فأي تأثر اقتصادي يعني تأثراً بالعمل، ورغم أثر المتغيرات الاقتصادية الخارجية على سوق العمل المحلي، إلا أنها تعتبر بسيطة أمام العوامل الداخلية، كإغلاق مشاريع وتعطل منشآت وتغيرات سعر الصرف ومستوى الإقبال على الاستثمار والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وطبيعة هذه الأعمال ومدى حاجتها للأيدي العاملة.
وبحسب قريط، فإن التغيرات الاقتصادية في الأعوام الأخيرة أغلقت مهن عدة، وأنشأت مهن أخرى، واتجه الكثير من أصحاب الفعاليات للإغلاق والهجرة، فضلاً عن التغيرات الجندرية واتجاه الإناث للعمل بمهن لم يسبق لهن الانخراط بها، والاستقالات التي يشهدها القطاع العام بسبب تدني الأجور، وغيرها من المتغيرات التي تتطلب بيانات من مختلف الجهات بدلاً من التكتم، فالكشف عن نسب البطالة أو اختلالات سوق العمل ليس تهويلاً، بل تمهيداً لوضع سياسات واضحة ومنظمة، وعلى المكتب المركزي للإحصاء والوزارات المعنية أن يعلنوا البيانات المتوفرة لديهم “إن وجدت” بدلاً من التكتم عنها، والتضارب بالتصريحات بين جهة وأخرى.
وبالعودة إلى اقتصاد الظل، يؤكد قريط أنه ينتعش بالأزمات بشكل كبير عبر وجهين، أحدهما للتهرب من الضرائب والتراخيص، وهو ذو أثر إيجابي إلى حد ما كونه يشغل أيدي عاملة وينتج ما يحتاجه السوق، ووجه آخر سلبي يعتمد التجارة غير المشروعة، كالمخدرات وتجارة العملة مثلاً، معتبراً أن إلزام القسم الأول بموضوع الترخيص والتنظيم حالياً غير مجدٍ، فالأفضل السماح لهم بالعمل كونهم الفئة المشغلة الأكبر، ريثما يستقر واقع الاقتصاد ويعاود انتعاشه.