الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أجدادنا.. والجلاء!

حسن حميد 

ها نحن، وفي هذا اليوم العظيم، نصرّ شدّاً وبالذراعين على ما أنجزه الأجداد الأباة في زمن التغوّل الاستعماري الغربي الحاقد، إبان القرن العشرين المنصرم، والاستفراد بالدول والشعوب والأمم التي أنهكتها الأطماع وسنوات الإماتة!

ها نحن في يوم النشور، والربيع، وتفتّح الحياة لتصير أحلام البلاد أحلام العمران، والبناء، والخصب.. إننا في يوم عيد الاستقلال، وطرد المستعمر الفرنسي الذي أغرق البلاد، وطوال ثلاثة عقود، في العجز، والتخلّف، والابتعاد عن الركب الحضاري.

ها نحن في يوم النصر، يوم النوّار، ويوم الاعتزاز بما فعله الأجداد الكرام الذي طووا حيواتهم من أجل حياة الوطن، ونحّوا أحلامهم الصغيرة من أجل الحلم الكبير: استقلال سورية، وطرد المحتل الفرنسي، والعودة إلى الحياة الوطنية، وبناء دولة الاستقلال العزيزة.

ها نحن، وفي يوم زهوة الوطن، نتذكر ونستعيد ما سطّره الأجداد أصحاب الهمم من بطولات صارت مآثر ومدونات ومدارس نعود إليها في كلّ وقت، لنرى بهرة الجمال، والإخلاص، والجسارة، وعشق البلاد العزيزة.

ها هم الأجداد جميعاً، وفي وقت المداحمة، في السنوات الأولى من القرن العشرين،وفي جميع أنحاء الأراضي السورية يتركون شواغل الحياة الأولية كي يفعّلوا شواغل الحياة الرئيسة في مقارعة المحتل الفرنسي، وفي كلّ الأمكنة لتصير ثورة عارمة تنادي بطرده وهزيمته، فلا كرامة والوطن محتل، ولا عزة، ولا جاه، والفرنسي يقتل ويسجن!

ها هو أمير من أمراء جبل العرب يترك شواغل الإمارة وأمكنتها، ويخرج إلى اللجاة، من أجل مقاومة الفرنسيين والقول بالصوت العالي: لا حياة لكم، أيها الفرنسيسن فوق أرضنا، إنه سلطان باشا الأطرش الذي ارتضى بالغربة، والمواجهة والمطاردة سنوات من أجل عزة البلاد واستقلالها!

وها هو الشيخ صالح العلي يتخلّى أيضاً عن نعيم الحياة، وعن الجاه الاجتماعي، ويسكن في المغاور والكهوف، حاملاً السلاح كيما يواجه الفرنسي المحتل، فكان الأمثولة في البطولة، والقيادة، والحزم.

وها هو أمير الجولان أحمد مريود، يترك شؤون الحياة اليومية، ويواجه الفرنسيين، في جبهة طويلة، من حدود لبنان إلى حدود الأردن، وهو الذي لم يعترف بالحدود أصلاً، فيثخن فيهم الجراح، وقد تصارخوا مرات ومرات طلباً للنجدة والإسناد.

وها هو المحامي رجل العلم والقانون إبراهيم هنانو، زعيم الشمال السوري، يمضي من مقاومة العثمانيين الذين رحلوا مهزومين إلى مقاومة الفرنسيين المحتلين الجدد، فيجمع الناس على قيادته، لتغدو جبهة الشمال السوري ناراً حارقة لكلّ ما يمتّ للمحتل الفرنسي بصلة.

وكذلك كانت حال الشيخ محمد الأشمر، صاحب الجاه في دمشق العزيزة، فقد خلّف وراءه، كلّ رغد الحياة وأمنياتها، وخرج إلى الغوطة ليقاتل الفرنسيين، وليصيبهم في مقتل كيفما تحرّكوا وكيفما سكنوا.

وها هو رمضان شلاش أحد وجهاء وادي الفرات العظيم ينهض فيرمي العباءة، والعقال، ويحلف الأيمان، بأن لا يُرى بهما إلا وقد طُرد الفرنسي مهزوماً، واستقلت سورية بكامل كرامتها الوطنية.

ومثل هذا، فعل ابن الشاغور الدمشقي حسن الخرّاط الذي ترك الحي ورفاقه، وعاش في غوطة دمشق ثائراً على الفرنسيين، فذاع صيته، وانتشرت أخبار جسارته، فخافته دبابات الفرنسيين وسياراتهم المصفّحة!

هؤلاء الأجداد، هم كتبنا التي نقرأ في مدوناتها معاني الهيبة الوطنية، والعشق الوطني، والقيم النبيلة السّامية. وهؤلاء الأجداد، هم نفر قليل، من أجدادنا العظام الذين هبّوا جميعاً في وجه الدخيل الفرنسي، من أجل حماية الأرض، وصون الكرامة، والحفاظ على الشرف.

هؤلاء الأجداد الآباة نتذكرهم اليوم، في عيد الجلاء، عيد الاستقلال، لأنهم هم من صنعوه، وهم من جعلوا المعاني الوطنية رايات خفّاقة فوق كلّ سارية، وهم من جعلوا البطولات كتباً نقرأ فيها ونعي صولة الحقّ، وجبروت المواجهة، وغنى الفداء والتضحية كي تظلّ البلاد تاريخاً للعزة والكبرياء.

Hasanhamid55@yahoo.com