الصين تهز عرش الدولار
عناية ناصر
كان على روسيا في أعقاب الاستبعاد المالي العالمي إجراء بعض التعديلات الاستراتيجية، وذلك بعد فرض الغرب عقوبات اقتصادية عليها، إلا أن تلك العقوبات ارتدت على الغرب وكانت العواقب وخيمة مع مسارعة الكرملين لإيجاد بدائل.
في ضوء هذه التطورات، أصبحت الصين حليفاً مهماً، ولعب اليوان الصيني دوراً بارزاً، وكان الأمر المثير للاهتمام هو تجاوز اليوان في روسيا للدولار الأمريكي في حجم التداول، وهو إنجاز تحقق بعد عام من الصراع في أوكرانيا، والذي أدى إلى سلسلة من العقوبات ضد موسكو. والسؤال الذي يثار في ظل التحالف الصيني الروسي هو ما هي التحولات التي ستحدث وكيف ستشكل المستقبل؟.
إن التغيير جار على قدم وساق، والسوق الروسي يشهد على ذلك، حيث كان شهر شباط الماضي لحظة فاصلة مع تجاوز اليوان الدولار في حجم التداول الشهري للمرة الأولى، و استمر الزخم حتى شهر آذار، حيث اتسعت الفجوة بين العملتين، مما أظهر التأثير المتزايد لليوان، وهو انجاز مثير للإعجاب، بالنظر إلى أن حجم تداول اليوان في السوق الروسية كان في يوم من الأيام ضئيلاً جداً.
تأثر النظام المالي الروسي مع مرور العام، حيث أثرت العقوبات الإضافية على البنوك القليلة المتبقية التي لا تزال تحتفظ بالسلطة لإجراء معاملات عبر الحدود بعملات دول اعتبرها الكرملين “غير ودية”. وكان أحد هذه البنوك بنك “رايفايزن” الدولي الذي لعب فرعه الروسي دوراً مهماً في تسهيل المدفوعات الدولية داخل البلاد. مع ذلك، وجد المُقرض نفسه تحت المراقبة المستمرة من قبل السلطات الأوروبية والأمريكية، الأمر الذي زاد من الضغط، حيث دفعت هذه الأحداث الكرملين والشركات الروسية إلى تحويل تعاملاتها التجارية الخارجية إلى عملات الدول التي لم تفرض عقوبات.
تحالفات متقاربة
إن العلاقة بين روسيا والصين تزداد قوة، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز مواقفهما على المسرح العالمي، وقد تجلى تحالفهما في مختلف المجالات، العسكرية والاقتصادية والسياسية، ونتيجة لانهيار العلاقات بين روسيا والغرب، برزت الصين كشريك رئيسي لروسيا، حيث زودتها بالدعم اللازم لمواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية. ومن ناحية أخرى، تحرص الصين على توسيع انتشارها العالمي، خاصة في منطقة أوراسيا، وتعتبر روسيا حليفاً مهماً في هذا الصدد. ومن المقرر أن تنمو العلاقات التجارية والاستثمارية بشكل أقوى، حيث تسعى الدولتان إلى تقليل اعتمادهما على الاقتصادات الغربية. كما أنه من المرجح أيضاً أن يستفيد تركيز روسياعلى تطوير البنية التحتية والمشاريع الضخمة من خبرة الصين في هذه المجالات.
وفي سياق آخر تعد الطاقة مجالاً مهماً آخر للتعاون، حيث تعد روسيا مصدراً رئيسياً للنفط والغاز، وتعتبر الصين أكبر مستورد في العالم لهذه الموارد. إضافة إلى ذلك تعد التكنولوجيا أيضاً مجالاً أساسياً، حيث يستثمر كلا البلدين بكثافة في البحث والتطوير ليظلوا قادرين على المنافسة في الاقتصاد العالمي، في حين أنه من المرجح أن يكون للتحالف بين روسيا والصين عواقب جيوسياسية بعيدة المدى، بالنسبة للدولتين اللتين تسعيان لتحقيق مصالحهما حتى أثناء عملهما لتحقيق أهداف مشتركة.
حولت روسيا، نتيجة العقوبات الغربية، معاملاتها التجارية الخارجية بعيداً عن الدولار واليورو إلى عملات الدول التي لم تُفرض عليها قيوداً، ومن خلال القيام بذلك، يأمل الكرملين والشركات الروسية في تقليل اعتمادهم على النظام المالي الغربي، واستكشاف سبل جديدة لممارسة أنشطتهم التجارية والاقتصادية، ويعكس هذا التحول في الاستراتيجية تصميم روسيا على الحفاظ على استقرارها الاقتصادي على الرغم من القيود المفروضة على وصولها إلى النظام المالي العالمي، كما أنه يؤكد على الأهمية المتزايدة للعملات البديلة في التجارة العالمية، حيث تسعى الدول جاهدة لتقليل تأثير العقوبات وحماية مصالحها الاقتصادية.
إصلاحات هيكلية
لم تكن وزارة المالية الروسية بمنأى أيضاً عن رياح التغيير، ففي وقت سابق من العام الحالي، قامت بتبديل عمليات السوق من الدولار إلى اليوان، كما أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال ابتكار هيكل جديد لصندوق الثروة الوطني، خصص 60 في المائة من أصوله لليوان. انضم بنك روسيا إلى الجوقة، وحث أفراده وشركاته على التفكير في نقل أصولهم إلى الروبل أو العملات الأخرى التي تعتبر “صديقة”، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في التخفيف من مخاطر إيقاف أموالهم أو تجميدها.
وبينما يمر العالم بتحول زلزالي جيوسياسي، تقوم روسيا بالتحرك جنباً إلى جنب بحثاً عن طرق لتأمين مستقبلها الاقتصادي. وفي ظل التغييرات والتطورات التي تحدث في المشهد العالمي المالي إلى متى سيظل الدولار العملة المهيمنة، أم أنه سيتنازل عن عرشه لليوان.