لأن مؤسسيها هرّبوا نصف موجوداتها واقترضوا معظمها المصارف الخاصة لن تمنح قروضاً دولارية للمستثمرين!
البعث الأسبوعية – علي عبود
دون أي جدل “بيزنطي”، فإن قرار مجلس النقد والتسليف رقم (169) الذي يسمح للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بمنح قروض بالعملات الأجنبية لتمويل مشروعات استثمارية تنموية، مهم جدا، بل صدر بوقت متأخر، لكن السؤال: كم عدد المصارف التي تملك كماً كبيراً من القطع الأجنبي كي تتمكّن من إقراض بعضه، سواء كان بحجوم صغيرة أو كبيرة للمستثمرين؟
نعم، الأهم من القرار هو إمكانات المصارف المالية على تنفيذه، فهل لديها فائض كبير من القطع كي تقرضه لمن يرغب من المستثمرين؟
نظرياً، يفترض أن مجلس النقد والتسليف، ومن خلال اطلاعه على ميزانيات المصارف السورية، وتحديداً الخاصة، على اطلاع وافٍ وكافٍ بموجداتها من العملات الأجنبية، قبل أن يصدر قراراً يجيز لها الإقراض للمستثمرين، وإلا ما جدوى تصدير قرار لن يُنفّذ؟
وبما أن الآراء تضاربت حول ملاءة المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، باستثناء المصرف التجاري السوري، فإننا نسأل: هل أصدر مجلس النقد والتسليف القرار رقم (169) دون رأي أصحاب المصارف الخاصة؟
وفي حال صدر القرار بالتشاور مع المصارف الخاصة فهل هي جاهزة فعلاً للتنفيذ أم ستقوم بالتسويف لأن ما لديها من دولارات بالكاد تفي باحتياجات مؤسسيها؟
هل لديها القدرة على الإقراض؟
أكثر من ذلك، هل المصارف الخاصة التي بالكاد تمارس أي نشاط إقراضي في العشر سنوات الماضية، باستثناء مصرف أو اثنين ، ستقوم فجأة بمنح قروض دولارية للمستثمرين، إلا إذا كانون من مؤسسيها؟
لقد طرحت الخبيرة الاقتصادية والعميد السابق لكلية الاقتصاد في القنيطرة الدكتورة رشا سيروب سؤالا مهما جداً: هل لدى المصارف المرخصة القدرة على الإقراض بالقطع الأجنبي؟
وقد طرحت الدكتورة سيروب سؤالها بعد قراءة مفصّلة للقرار، وبعد الاطلاع على التقارير المالية للمصارف التي سمح لها القرار بالإقراض (حتى نهاية 2022 والبعض الآخر لغاية أيلول 2022).
وتبيّن للدكتورة سيروب أن القطع الأجنبي المتوافر لدى المصارف يتراوح بين 2 و2.5 مليار دولار، نصفه موجود في المصرف التجاري السوري، “تقريباً بحدود 1.5 مليار دولار” في حين ما تملكه المصارف الخاصة من قطع أجنبي، إما موجود في مصارف لبنانية غير قادرة على سحبه، أو في مصارف خارجية خاضع للعقوبات، وهذا يعني إن هذه المصارف ولو كانت تملك القطع الأجنبي، إلا أنه غير قابل للإقراض!
وأشارت الدكتورة سيروب إلى جانب في غاية الأهمية وهو “أن 9 من أصل 14 من مصارفنا الخاصة لم يحققوا لغاية اللحظة شروط الحد الأدنى من رأس المال الذي حدده القانون رقم 3 لعام 2010، والذي هو 10 مليارات ليرة للمصارف التقليدية الخاصة، و15 مليار ليرة للمصارف الإسلامية”، أي إنهم غير قادرين على الإقراض أساساً، فكيف سنعوّل عليهم لتنفيذ القرار؟
ألا يعلم المركزي؟
ما طرحته الدكتورة سيروب يجعلنا نسأل: ألا يعلم المصرف المركزي بواقع موجودات المصارف الخاصة من القطع الأجنبي؟
لقد سبق وأشار بعض الخبراء إلى أن المصارف الخاصة ليس لديها موجودات فعلية من العملات الأجنبية، لأن ما من مصادر دائمة لتوريدها إلى خزائنها، وهذا ما تكشفه ميزانياتها السنوية، وحتى الموجود منها لم يقم المصرف المركزي بالتدقيق فيما إذا كان موجودا فعلا في المصارف أم على الورق فقط!
صحيح أن المصارف الخاصة تصدر تقارير دورية عن أوضاعها المالية، لكن ما من مرة سمعنا أو قرأنا أن المصرف المركزي تأكد من دقتها، أي فيما إذا كانت موجودة فعليا أم على الورق فقط، وتحديدا ما يتعلق منها بالقطع الأجنبي!
وما قالته الدكتورة سيروب حول وجود القطع الأجنبي للمصارف الخاصة في الخارج سبق وتحدثنا عنه بالتفصيل وفي عدة زوايا ومقالات منذ عدة أعوام، ولكن لم تتحرك أي جهة سواء في وزارة المالية أو في المصرف المركزي للتدقيق في موجودات المصارف الخاصة والتأكد هل هي نقدية أم ورقية؟
أكثر من ذلك لم يسأل المصرف المركزي أصحاب المصارف الخاصة عن أسباب تحويل 50% من رؤوس أموالها إلى دولارات وتهريبها للخارج؟
إما تبخرت أو مجمدة في الخارج
تساءلنا في مقالتنا المنشورة في “البعث الأسبوعية” بالعدد 18 تاريخ 9/12/2020: ماذا فعلت المصارف الخاصة برؤوس أموالها وبودائع السوريين؟
وطرحنا السؤال حينها بعد اندلاع الأزمتين النقدية والمالية في لبنان إلى حد لم تعد الدولة تملك سيولة لتسديد أقساط دينها العام، وتأمين احتياجاتها من المستوردات والخدمات، وبعد عجز المصارف اللبنانية عن تلبية طلبات مودعيها، وإلزامهم بسقف سحوبات أسبوعه وشهرية لا تكفي احتياجاتهم اليومية!
وتساءلنا أيضا: هل تورطت المصارف الخاصة السورية في الأزمتين المالية والنقدية اللتين تعصفان بلبنان منذ عدة أشهر؟، وإذا كانت قد تورطت، فـبأموال مؤسسيها..أم بودائع السوريين؟
وكشفنا بأن المصارف الخاصة السورية أودعت ما قبل عام 2015، أيّ“هرّبت“ 350 مليار ليرة بالقطع الأجنبي لدى المصارف الخارجية دون إذن من الحكومة أو من المصرف المركزي، وكان هذا المبلغ يشكّل بحدود 50 % من إجمالي موجوداتها النقدية آنذاك.
وتوقعنا أن يكون الجزء الأكبر من القطع الأجنبي ذهب إلى المصارف اللبنانية ، وقد تسبّب “ترحيل” المصارف الخاصة لدولاراتها إلى الخارج، وتحديداً إلى لبنان بخروج كتل كبيرة من القطع الأجنبي من التداول في السوق، ما زاد الطلب على الدولار بفعل تقليص العرض منه على مدى السنوات الماضية.
وكان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يتأرجح بين 150 و 200 ليرة سورية، وقد طالب اتحاد العمال الحكومة أن تلزم المصارف الخاصة بإعادة دولاراتها المهربة إلى سورية، ولكن لم يتخذ أي إجراء كان من شأنه تخفيض الضغط على المضاربة على الليرة وإضعاف قدرتها الشرائية.
وإذا كان المصرف المركزي جاد بتفعيل قراره كي لا يبقى حبراً على ورق يجب أن يطلب من المصارف الخاصة العمل على إعادة الدولارات التي هرّبها عبر مؤسسيها إلى المصارف الأجنبية سواء في لبنان أو الخارج وتحديدا سويسرا “جنة الأموال المهربة”!!
ونجزم أن المصارف الخاصة لن تعيد الدولارات كي تستثمرها بمنح القروض للمستثمرين بموجب قرار المركزي، لأن أصحابها من رجال المال والتجار ومعهم نظرائهم اللبنانيين تفضّل استثمارها بالخارج، وفي حال فعلوها في المصارف اللبنانية أو بشراء سندات خزينة لبنانية، ولم يهربوها إلى مصارف أوروبية وأمريكية، فهذا يعني أنها تبخّرت، وحتى في حال كانت موجودة في مصارف أجنبية فهي في حكم المجمدة بفعل العقوبات وقانون قيصر!
الخلاصة:
نستبعد أن تكون المصارف الخاصة متحمسة لصدور القرار رقم 169 بدليل لم يصدر عنها أي تعليق أو ترحيب أو توضيح، أو المطالبة بتوفير مستلزمات التنفيذ..الخ.
ونستبعد أيضاً أن يكون مجلس النقد والتسليف قد أجاب على السؤال قبل أن يصدر القرار 169: هل موجودات المصارف الخاصة من القطع الأجنبي كافية لمنح القروض للمستثمرين؟