مجلة البعث الأسبوعية

لم نصل بعد إلى درجة متقدمة في تعليم ذوي الإعاقة! غياب واضح لبرامج الإعداد الأكاديمي للمعلمين والأخصائيين في تكنولوجيا التعليم

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

أصبح تعليم ذوي الإعاقة من ضمن أولويات واهتمامات المجتمعات في كل أنحاء العالم، بل هو واحد من أهم المواضيع الاجتماعية متعددة الأبعاد.

محلياً لم نصل بعد إلى درجة متقدمة في تعليم ذوي الإعاقة بالرغم من بعض التقدم الذي حققناه في مجال التربية والتعليم، وخاصة ما يتعلق بتوظيف تقنيات التعليم الحديثة التي باتت اليوم من أفضل الطرق المستخدمة في مساعدة المعلم في إيصال المعلومات وتنمية المهارات عند المتعلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، كونها ترفع من مقدرتهم ليس فقط في استيعاب المنهاج، وإنما في تطبيق مهارات الحياة اليومية.

وتشير الأبحاث والدراسات إلى أن “توظيف التقنيات ينبغي أن يتناسب مع طبيعة كل إعاقة، فالإعاقة البصرية تتطلب أدوات قراءة خاصة مصممة بطريقة برايل ومطبوعة بأحرف كبيرة، والإعاقة السمعية تتطلب توظيف مُعينات سمعية واستخدام لغة الإشارة ، بينما الإعاقة الجسمية تتطلب استخدام معدات خاصة، في حين فئة الاضطرابات الانفعالية تتطلب صفوفا صغيرة ذات تنظيم عالٍ “، وبذلك يستخدم كثير من المعلمين هذه التقنيات الحديثة كعامل  إيجابي يساهم في تعديل سلوكهم.

جزء أساسي وهام

في هذا الإطار يؤكد الدكتور ماهر محمود آغا مدير مركز صدى التخصصي لتأهيل الكلام واللغة أمين سر الجمعية السورية للعلوم النفسية والتربوية، ورئيس مجلس إدارة جمعية شآم للطفولة أن استخدام تكنولوجيا التعليم وتوظيفها بات جزءاً أساسياً من العملية التعليمية الخاصة بذوي الإعاقة كونها تسهل أداء المعلم والمعالج والمدرب داخل الصف، مشيراً إلى أن مهارات المعلم الكفء تلعب دوراً كبيراً في توظيف هذه التقنيات لتكون أكثر فعالية مع الطفل المعاق، حيث تساعد تكنولوجيا التعليم على توضيح المعنى أو المفهوم في المناهج الدراسية.

وبيّن الدكتور آغا أن الأداء يتحدد بنوع الإعاقة وبالتالي التقنية التي يجب أن يستخدمها المعلم يجب أن تكون متناسبة مع الإعاقة التي يتعامل معها لضمان سهولة وصول المعلومة وترسيخها في ذهن التلميذ المعاق.

مهارات التواصل

وحتى تنجح عملية تعليم وتأهيل ذوي الإعاقة بحسب الدكتور آغا يجب أن تتوافر لدى المعلمين مهارات التواصل العالية كي يساعدوا التلاميذ على تنمية مهاراتهم وقدرتهم على استخدام وسائل التواصل المختلفة، وكذلك على المعلم أن يكون متمكناً من مهارات استخدام تكنولوجيا التعليم، والأهم توفير بيئة تعليمية هادفة تهتم ببناء اتجاهات إيجابية نحو استخدام تكنولوجيا التعليم للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة.

وأيضاً على المعلم أن يكون صبوراً وإيجابياً وقادراً على التكيف مع حالة الطفل المعاق، لأن ذلك  يساعد على بناء الثقة بينهما، مع ملاحظة نقطة هامة وهي التواصل الدائم من قبل المعلم مع الأهل حتى يفهم بشكل جيد حالة الطفل وكيفية التعامل معها.

أهم الخطوات

بناء على ما سبق هنا ثمة سؤال يطرح نفسه: ما هي أهم خطوات تربية وتعليم الطفل من ذوي الإعاقة التي تحقق له التكيُّف داخل الأسرة والمجتمع، وما مدى توفر ذلك في مدارسنا ومراكزنا التدريبية الخاصة بالأفراد المعاقين وخاصة الأطفال منهم؟.

من وجهة نظر الدكتورة نسرين موشلي أستاذة أصول التربية في كلية التربية بجامعة دمشق، أن الأسرة هي القوة الأساسية لاندماج وتكيّف الطفل المعاق في المجتمع، ولأنها كذلك، طالبت “موشلي” الأسرة التي فيها طفل معاق أن تقبل طفلها ولا تنكر أو تخجل من إعاقته لأن تعاونها وتواصلها مع المعلم هو الأساس في نجاح عملية تعليمه وتأهيله، مؤكدة على كل أسرة أن تفهم تفاصيل الإعاقة، فكل إعاقة لها خصوصية، وعلى الأسرة أن تدرك تلك الخصوصية حتى تتعامل بالشكل الصحيح مع طفلها المعاق.

وشددت الدكتور موشلي على ضرورة أن تعتني الأسرة بتعليم طفلها المعاق كيف يعتمد على نفسه كالقيام بعمل بعض الاحتياجات الشخصية لأن هذا العمل يقوي ويعزز ثقته بنفسه، ويسهل عليه عملية إدماجه من خلال المدارس الخاصة بذوي الإعاقة أو المدارس الحكومية التي بدأت تهتم بذلك.

غياب الجهة الأكاديمية

ولم تخفِ الدكتورة موشلي ما تعانيه برامج تربية وتعليم ذوي الإعاقة من معوقات في مدارسنا ومراكزنا، حيث لا يوجد عندنا جهة أكاديمية تعمل على إعداد متخصصين يشتغلون على هذه البرامج الموجهة لذوي الإعاقة، مشيرة إلى أن ما يحصل من تدريب هو اجتهادات شخصية لمعلمين ومدربين ومعالجين عن طريق جمعيات أو مراكز متخصصة، لذلك –والكلام للدكتورة موشلي- نحن بأمس الحاجة ليكون عندنا بنية تحتية لتطوير البرامج التعليمية والتدريبية الخاصة بذوي الإعاقة ومن أهمها: البناء المخصص ودعمه في كل ما يحتاجه الطفل المعاق، إضافة إلى ضرورة توفر المعدات اللازمة التي تساعده على الحركة، والعمل بشكل جاد على الإعداد الأكاديمي للمعلمين والأخصائيين في تكنولوجيا التعليم الذين يتعاملون مع الأشخاص ذوي الإعاقة، ولفتت إلى أن كليات التربية في جامعاتنا قادرة اليوم على تأهيل هؤلاء المعلمين والأخصائيين وحتى أولياء أمور ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن تم افتتاح قسم خاص بذلك كما في كلية التربية بجامعة دمشق.

معوقات أخرى

بدوره أشار الدكتور آغا إلى وجود معوقات أخرى تعيق المعلمين والمدربين وتمنعهم من أداء عملهم، وأهمها: عدم توفر متطلبات العمل كالمواصلات والأجر المناسب لقاء التعب الذي يبذله المعلم، إضافة لغياب التعاون من قبل أهل الطفل أو التلميذ المعاق، ورغم ذلك يبذل المعلمون جهداً كبيراً ويحاولون التكيف مع هذه الصعوبات لإيمانهم بعملهم وأهمية تحقيق هدفهم، علماً أنه في بعض الأحيان تكون استجابة الطفل صعبة جداً نتيجة لخصوصية حالته.

كلنا أمل

نؤكد أخيراً على أهمية دور الإعلام في توعية الأسرة خاصة والمجتمع عامة للتعامل بشكل جيد مع الأطفال ذوي الإعاقة، فهم بحسب الاختصاصيين والباحثين التربويين يحتاجون إلى “تصميم وتطوير مصادر ووسائل تعلم ومنظومات تعليمية مناسبة لهم، وتلبي احتياجاتهم وتحل مشكلات تعلمهم، وتنقل إليهم التعلم المطلوب بكفاءة وفاعلية خاصة في ظل تطور وتقدم تقنيات التعليم الحديثة”، وكلنا أمل أن تتصدى وزارة التربية لذلك وتعد العدة المناسبة بالتعاون والتكاتف الاجتماعي بين جميع الفئات في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لأن العملية مكلفة، وذلك بدءاُ من دراسة وتحليل مشكلات ذوي الإعاقة ومعرفة احتياجاتهم التعليمية، مروراً بتحليل البرامج والمقررات الدراسية، وصولاً لتأمين البيئية التعليمية بالمكان المناسب الذي يتوفر فيه الوسائل التعليمية الخاصة في المعاهد والبرامج الخاصة بذوي الإعاقة، مع التركيز على توفير التقنيات الحديثة التي تراعي سهولة الاستخدام وفعالية الأداء عن المعلم والتلميذ.