“التوجهات والخطة”.. خارطة طريق بانتظار النتائج العملية!
قسيم دحدل
لم يكن إقرار الحكومة للتوجهات الأساسية للسياسة الحكومية للتعاطي مع أثار الزلزال من جميع النواحي، وكذلك إقرارها لخطة العمل الوطنية للتعاطي مع تداعيات الكارثة، مجرد عناوين ومحاور وتفاصيل إنشائية، بل أن إقرارهما جاء نتيجة لجهود كبيرة مضنية تعاونت العديد من الجهات العامة والخاصة على إعدادهما، ولعل هذا ما تبدى من كثافة التفاصيل التي شملتها التوجهات والخطة، والتي تتصل بكيفية معالجة تداعيات الكارثة، وأهمها تداعياتها على الإنسان المنكوب، وما تعرض له من ضرر ومعاناة معنوية نفسية ومادية مالية كبرى، بشكل مباشر، من لحظة وقع الكارثة الأولى في السادس من شباط المنصرم، ناهيك عن الأثار غير المباشرة المتتابعة الظهور كفقدان العمل ومصادر الرزق وصعوبة إعالة الذات، والتي لا تقل خطورة عن الأثار المباشرة كانهيار المساكن التي تمثل عامل الاستقرار والاطمئنان، وبالتالي القدرة على امتلاك إرادة الحياة ومقومات العيش والاستمرار بالحياة الطبيعية وتأمين متطلباتها.
نعم، كارثة الزلزال كانت كبيرة، وبالتالي تحديات الخروج منها أكبر، نظرا لضخامة ما خلفته من خسائر شملت كل أوجه النشاط البشري، كما شملت كل مستلزمات استدامة هذا النشاط، من بنى تحتية وفوقية وعلى كافة المجالات والأصعدة، لكن ما يدعو للتفاؤل أن الحكومة، وبما أنجزته ضمن وقت قياسي نسبيا (التوجهات الأساسية، وخطة العمل..)، يجعلنا نطمئن إلى أن الحكومة والمجتمع الأهلي الشريك في مواجهة تداعيات هذه الكارثة، استطاعا وضع خارطة طريق واضحة المعالم والأعمال والأهداف، والأهم أنها خارطة محددة في تنفيذها ببرامج زمنية، وهذا أمر غاية في الحساسية والأهمية، لأنه يعكس وضوح الرؤية والرؤى لمراحل واستراتيجية استيعاب مخلفات الكارثة والخروج من أثارها؛ وليس هذا فحسب، وإنما بوجود المعالجات والحلول المحددة لكل أثر، سواء كان سكانيا إسكانياً، أو مالياً تمويليا، أو صحيا رعويا، وغير ذلك.
كما لم يغب عن “التوجهات” و”الخطة” تحديد الأولويات المستعجلة واللاحقة، وتحديد المرجعيات والمسؤوليات وتصنيفها بكل وضوح، الأمر الذي يمكن من خلاله قيام كل جهة (وعلى الصعيدين العام والخاص) بدورها على أكمل وجه، بحيث يكون التكامل والتعاون في العمل والإنجاز هو الموجه ومؤشر القياس لكل عمل يتم..
كذلك لم يغب عنهما الجانب التشريعي والقانوني، كونه الأساس الذي يبنى عليه أي عمل، وبدونه لا يمكن أن يكون هناك معالجات صحيحة وسليمة كـ “المادة 24 من الدستور السوري، وتنصّ على أن الدولة تكفل بالتضامن مع المجتمع الأعباء الناجمة من الكوارث الطبيعية، والمرسوم التشريعي رقم 3 العام 2023 القاضي بمنح القروض للمتضررين بدون فوائد ولمدة 13 سنه، وتقديم التسهيلات للمشاريع الصغيرة”، لذلك فليس مستغربا أن كل ما ذُكر قد تم استنادا لقاعدة معلومات شاملة، وهذا في حد ذاته يمثل إنجازاً وأساساً لكل عمل يُراد له النجاح والإنجاز..
ولعل ما كشفه رئيس مجلس الوزراء من إحصائيات رقمية لجهة (أن هناك 4500 أسرة حتى تاريخه بإمكانها المباشرة بأخذ القروض المخصّصة للتعامل مع تداعيات الزلزال بموجب المرسوم رقم 3، وأن هناك ما يزيد على 59 ألف بناء يحتاج إلى تدعيم، والمباشرة بإعادة بناء عشرات الأبنية في حلب واللاذقية كخطوة أولى لتأمين سكن مستدام للمتضرّرين من الزلزال، إضافة إلى الكشف عن مئات الآلاف من الشقق السكنية في طور العمل على بنائها، وأن هناك نحو 52 ألف طفل يتيم الوالدين..)، يبشر بأن الحكومة استطاعت أن ترسم وتحدد خطواتها بكل دقة وثقة بالقدرة على إنجاز المطلوب في المكان والزمان المناسبين والمحددين، انطلاقاً من التحديد الواضح لأنواع الضرر الواقع على الإنسان بكل أشكاله: الجسدية والنفسية والمعنوية والمادية، ليتم إسقاط هذه التصنيفات على قاعدة البيانات الخاصة بالمتضررين، وليُصار إلى مساعدتهم وفقا لكل نوع من الضرر..
هذا وغيره مما حفلت به “التوجهات” و”الخطة”، واستنادا للعمل في ضوء المؤشرات التأشيرية التي تعمل بموجبها الحكومة والتي بموجها تتحدد القدرات المالية والتمويلية اللازمة للتدخل في أية لحظة بمجريات الخروج من تداعيات الكارثة، يؤكد أن الكارثة ليست قدراً دائماً، وهذا يتطلب تضافر جهود الكل دون استثناء (الحكومة والقطاع الأهلي والخاص والجمعيات والمنظمات المحلية والدولية والأفراد..)، وما لا يجب المراهن على الفشل فيه، هو أن يكون “الإنسان ” هو الهدف الأسمى وجوهر التوجهات والخطة.. كما أعلن رئيس الحكومة.
Qassim1965@gmail.com