العلاقة بين الكاتب والمخرج.. التوتر سيد الموقف
أمينة عباس
ما زالت العلاقة بين المخرج والمؤلف في جميع الفنون الدرامية، من مسرح وسينما وتلفزيون، يشوبها الكثير من التوتر، فنادراً ما يستكين المخرج لكلّ ما يكتبه الكاتب، وغالباً ما يستهجن الكاتب ما قد يطرأ على النص من تعديلات يُقدِم عليها المخرج، ودائماً ما يخرج هذا الخلاف إلى العلن بعد العرض نتيجة التعديلات التي يجريها بعض المخرجين على النصوص دون الرجوع إلى الكاتب، والأمثلة في هذا المجال كثيرة، كان آخرها ما حدث بين الكاتب رامي كوسا والمخرج محمد عبد العزيز في مسلسل “النار بالنار” وهو شبيه بالخلاف الذي حدث الموسم الماضي بين الكاتب فادي قوشقجي مؤلف مسلسل “على قيد الحب” والمخرج باسم السلكا، مع الإشارة إلى أن كلّ عمل ورقيّ يفقد 30% من قيمته الأدبية والفنية عند تحويله إلى عمل تلفزيوني، وفق ما سبق وأكد عليه الكاتب الراحل قمر الزمان علوش، تعليقاً على التغييرات التي قام بها المخرج وائل رمضان على نصه “كليوبترا”، حيث تفهّم ما قام به رمضان من تعديلات قبِل بها لأنها لم تخرج برأيه عن السياق الدرامي لنصه، وهكذا نرى أن ردّ فعل الكتّاب حول نصوصهم بعد العرض تكاد تكون متباينة، ولكل منهم أسبابه، ليبقى السؤال الأهم: “ما هي حدود كلّ من المخرج والكاتب في التعامل مع النص في الوقت الذي يُنظَر فيه إلى المخرج على أنه سيد العمل الفني في المسرح والسينما والتلفزيون؟”.
الرجوع إلى الكاتب
يقول محمد العاص كاتبُ مسلسل “زقاق الجن”: “قبل الحديث عن حدود الكاتب والمخرج، لابد من التأكيد على أن هناك شروطاً ليجتمع الكاتب مع المخرج، في مقدمتها الاحترام المتبادل والقناعة والإيمان ببعضهما وبأهمية ما يقدمانه من أعمال، وعندما تكون العلاقة مبنية على هذه الأسس يمكن الحديث عن حدود كلّ منهما، أما إذا كان اللقاءُ بينهما مفروضاً من قبل الجهة المنتجة فقد يتجاوز الطرفان الحدود، وخاصة المخرج لأن الكاتب ينتهي دوره بمجرد تقديم نصه لأنه لا يستطيع أن يفرض ما يريده بعد تسليم النص، وإن أراد أن يفرض بعض الشروط فهو يستطيع أن يفعل ذلك قبل تسليم النص لأن دوره ينتهي بمجرد تسليمه لنصه، إلا إذا كان في حالة انسجام فكري مع المخرج، حيث يمكن أن يتشاركا في كلّ شيء، ويبقى هذا رابطاً أدبياً بحتاً.
وأوضح العاص أن انتهاء دور الكاتب بعد تسليم نصه لا يعني أن للمخرج الحق في العبث به والتدخل بتغيير مسار العمل كما يشاء، بل تبقى حدوده في ألا يتجاوز فكرَ الكاتب إلا بما يفيد ويرفع من قيمة النص، وهو أمر مشروع للمخرج لأن نص الكاتب ليس كتاباً مقدساً ومن حقه إجراء تعديل عليه، شرط الرجوع للكاتب وذلك من باب الاحترام والمودة من خلال التشاور فيما بينهما، مؤكداً أن وجود انسجام وتوافق فكري بين الكاتب والمخرج، إلى جانب الاحترام المتبادل، يمنع أي إشكالية قد تحدث بينهما بعد العرض، مع إشارته إلى أن المخرج عادةً ما يتدخل في النص بناء على قناعة منه أن ما يقوم به صحيح نتيجة اختلاف القناعات بينهما وليس بهدف الإساءة، وهذا ما يؤكد أن الانسجام والتوافق الفكري بين الكاتب والمخرج يمنعان العديد من الخلافات التي قد تحدث بينهما، واصفاً علاقته ككاتب مع المخرج تامر إسحاق بأنها كانت ناجحة بسبب وجود الاحترام المتبادل، خاصة وأن إسحاق شخص دمث وأنيق في تعامله، وحين إنجازه لمسلسل “زقاق الجن” اجتمعا وتحاورا كثيراً للوصول إلى النتائج الجيدة التي توّجت بنجاح العمل والذي ما كان ليتحقق لولا وجود الانسجام والتقاطع الفكري بينهما.
التناغم بين الكاتب والمخرج
ويبيّن الكاتب عثمان جحى أن المخرج ليس مخوّلاً بنسف النص أو تعديله دون الرجوع للكاتب، وليس له الحق في تغيير مصائر الشخصيات إلا بالاتفاق مع الكاتب، وفي الوقت ذاته يرى أنه ليس للكاتب الحق في الاعتراض على المنتَج الفني بصورته الأخيرة حين يرفض القيام بالتعديل، مع تأكيده أن حالة التناغم بين المخرج والكاتب ضرورية لنجاح أي عمل، لذلك فهو من الكتّاب الذين يتناقشون كثيراً في النص مع المخرج.
الكلمة الفصل للفكرة الأجمل
ويؤمن المخرج سامي جنادي أن الكاتب شريك أساسي، وهو من المخرجين الذين يتمنون أن يشارك الكاتب التجربة كاملة من البداية حتى نهاية التصوير، وفي الوقت ذاته يشير إلى أن هناك بعض التفاصيل التي يراها مهمّة لسير العمل وانسجامه والتي من الضروري توضيحها، لذلك يبيّن أنه في اللقاءات الأولى وفي مرحلة التحضير الأولى وهي مرحلة الاشتغال على النص ومعالجته يكون الكاتب شريكاً فعلياً وأساسياً، أما في المراحل التي تليها فهو شريك استشاري يحق له أن يرشح بعض الممثلين الذين يراهم مناسبين للعب شخصيات عمله دون أن يفرضهم لأن هذا خيار المخرج أولاً وأخيراً، وهذا ينطبق على بقية التفاصيل التي هي من مكونات العمل، مبيناً أن العلاقة المتوترة بين الطرفين أمرٌ طبيعي وصحي حين يتمّ الأمر بالحوار والنقاش البنّاء، أما حين تصل الأمور إلى مرحلة النزاع فهذا يكون نتيجة الاختلاف الكبير في الفهم والوعي وعدم الثقة بينهما كشريكين، إضافة إلى اختلاف الذائقتين الجمالية والفكرية، وهذا أمر وارد. وبيّن جنادي أنه ما من نص مقدّس، ولكن هذا لايعني الاستسهال والاستهتار بجهود وعمل الكاتب، حيث الهدف الأساس هو الوصول بالتجربة كاملةً إلى مرحلة النجاح والقبول عند المتلقي الذي هو الهدف الأخير والمشترك الذي يلتقي عليه كلّ القائمين على العملية الإبداعية بعيداً عن الصراع على من له الكلمة الفصل التي يجب أن تكون للفكرة الأجمل التي تخدم العمل والتي مقرها الأخير عند المخرج إن كان مؤهلاً ويمتلك الوعي والمعرفة التي تمكّنه من قيادة المركب من خلال قدرته على الدفاع والإقناع بخياراته، مؤكداً أن النص ببنيته الحكائية هو الأساس المتين لعملية البناء كلها، وهو الضمان الأول للنجاح إن تضافرت العناصر الأخرى بكل مكوناتها لخدمته، مشيراً من خلال تجربته إلى أنه كمخرج أعجبته فكرة ومقولة مسلسل “دفا” للكاتب بسام مخلوف، وخلال لقائه به أعلمه أن النص يحتاج لمعالجة درامية، وبسبب انشغاله بأعمال أخرى تمت الاستعانة بورشة للكتابة بإشراف ومتابعة سامي جنادي، وأُنجز العمل دون إشكاليات، أما في مسلسل “فرسان الظلام” للكاتب هاني السعدي (وهو نص قام بكتابته السعدي منذ ما يقارب العشرين عاماً) ونتيجة لظروف الكاتب الصحية اضطر جنادي إلى أن يقوم بالمعالجة الدرامية مع الحفاظ على كل القيم الفكرية والجمالية التي يزخر بها النص. من هنا يرى سامي جنادي أنه يجب على المخرج أن يكون أميناً على الفكر والفكرة والمقولة في النص مادام قد قَبل به، أما الخوض في التفاصيل فيقع على عاتق المخرج، مع استمرار الحوار بين الشريكين الأساسيين في العمل.