متوسط نصيب الفرد عالمياً من المياه 6750 م3 سنوياً.. وحصة المواطن في سورية 600 م3 سنوياً
دمشق – لينا عدره
تكشف المقارنة بين حصة الفرد من المياه عالمياً وما يحصل عليه المواطن في بلدنا عن فارق كبير، حيث بلغ خط فقر المياه المتعارف عليه 1000 م3 للفرد سنوياً، فيما قُدِّرَ المتوسط العالمي للفرد 6750 م3 سنوياً، في حين بلغت الكمية المتاحة للمواطن السوري قبل الحرب 700 م3 سنوياً، وتعتبر تحت خط الفقر، لتنخفض بعد الحرب إلى 600 م3، أي ما يُعادِل عشر النسب العالمية فقط!.
الدكتور المهندس محمد بشار المفتي، عضو الهيئة التدريسية في جامعة دمشق، أكد أن قضية المياه في سورية مركبة نظراً للمعاناة من مشكلات عديدة، أولها شحّ المياه وتدمير جزء كبير من أنظمة التغذية بالمياه في فترة الحرب، وبالأرقام فقد بلغت قيمة الفاقد نحو 74 مليار ليرة، أي 150 مليون دولار، حسب المعلومات الواردة من وزارة الموارد المائية والمؤسسات التابعة لها، في حين كان طول الشبكات يبلغ 65 ألف كم (قبل الحرب)، ما ساهم بتأمين وصول مياه الشرب لـ 98% من السكان في المناطق الحضرية و92% في الأرياف، وفي ترجمةٍ حرفية لهذه النسب على أرض الواقع فإن 95% من السكان وسطياً كان لديهم مياه شرب، لتنخفض إلى النصف خلال الحرب، بينما وصل الفاقد في الكوادر المؤهلة إلى أكثر من 40%، “وقد تكون أكبر بكثير”، حسب قوله!
أزمة مركبة!
وأشار المفتي إلى أن المفارقة تكمن في المناطق التي تتوفر فيها المياه ويعاني سكانها من نقص حاد، كالمناطق الساحلية، هذا إلى جانب عدم توفر الطاقة الضرورية (مازوت وكهرباء) لتأمين المياه، ما يجعل المشكلة مركبة ومعقدة، خاصة وأن مؤسسات المياه غير قادرة حالياً – بسبب نقص مواردها المالية – على إعادة تأهيل شبكاتها التي تعرّضت للتخريب خلال فترة الحرب، حيث يتمّ استجرار وسرقة كميات كبيرة من المياه غير مخطّط لها.. وطبعاً كل ذلك من دون أي عائد مادي لمؤسسات المياه.
كما أشار المفتي إلى الجهود التي تبذلها اليوم مؤسسات المياه لتأهيل كوادر جديدة، والتي تعرقلها خطط التوظيف المحدودة جداً بشكل يمنع تعويض النقص الحاصل، والذي بلغ أكثر من 40% بعد أن كانت مؤسسات المياه تتميز بامتلاكها أكثر الكوادر كفاءةً وتأهيلاً، كون معظمهم خضع لدورات خارجية، ما يُظهر حجم المشكلة الحقيقي، مضيفاً أنه وعلى الرغم من تطبيق نظام تقنينٍ للمياه إلا أن الافتقار للتجهيزات والآليات والمخابر أثَّر على كمية المياه التي تحاول المؤسسات توفيرها، خاصة وأن تخريب شبكات الصرف الصحي في أجزاء كبيرة منها أدى بدوره لوصول تلك المياه إلى المصدر المائي، ما تسبّب بخروج مصادر مائية من الخدمة إضافةً لشح المياه.
الحرب.. ثم الزلزال
وبيّن المفتي أن الزلزال أدى لمفاقمة نقاط الضعف الموجودة أصلاً، وحلب مثالٌ واضحٌ، وخاصةً بعد تقسيمها لمنطقتين: شرقية وغريبة خلال الحرب ومحاولة الجماعات الإرهابية المتواجدة آنذاك قطع المياه عن المنطقة الغربية -كون الجزء الأكبر المغذي لها من محطات الضخ والخزانات يوجد في الشرقية- عبر محاولتهم العبث بالشبكة التي ولتداخلها انهارت بشكلٍ كامل ما استدعى تأهيلها، والتي قد تكون السبب في ظهور مشكلة الكوليرا نتيجة استخدام شبكات الصرف الصحي من قبل المسلحين كأنفاق في وقتها، والنتيجة خروجها عن الخدمة ووصول مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية، إضافةً لعدم صيانة شبكات مياه الشرب والعبث فيها، ما أدى لحدوث مشكلة رشح مياه الصرف الصحي لشبكات المياه، لتأتي بعدها كارثة الزلزال، لافتاً إلى أمرٍ آخر مهمّ لم ينتبه إليه أحد في الوقت الحالي، يتعلق بشبكات الصرف الصحي التي ولكونها من النوع الصلب “أنابيب بيتونية” قد تكون فواصلها التي تربطها ببعض تعرّضت للكسر نتيجة الزلزال، فيما لم يخفِ قلقه من أن تكون الأنابيب نفسها تكسرت وخرجت مياه الصرف الصحي منها، إضافةً إلى أمر لم يتضح بعد يتعلق بتعرّض وصلات أنابيب شبكة مياه الشرب للتفكك عن بعضها نتيجة الحركة.
وفي سياقٍ متصل، أكد المفتي تعرّض المياه الجوفية أيضاً للكثير من التعديات، التي لا شك أن لمياه الأمطار تأثيراً واضحاً على منسوبها، إلا أن عدم إمكانية – أو لنقل “صعوبة” – صيانتها لأسبابٍ تمّ ذكرها يعرقل ويمنع مؤسسات المياه من القيام بواجبها بالشكل الأمثل، فيما تبرز الحاجة لاستيراد معدات ومواد تمنعها المؤسسات الدولية التي تسمح فقط بتصليح وليس إعادة التأهيل، من دون إغفال عدم تطبيق القوانين. ومَردُّ الأمر – من وجهة نظر المفتي – الفساد الإداري وما سبّبه من استنزاف جائر للمياه الجوفية عبر منح موافقات لحفر آبار غير مُخطّط لها، مع الإشارة لوجود وجهٍ آخر للمشكلة يتعلق بتقصير الحكومة وعدم تأمينها المياه للمزارع، ما يدفعه لحفر الآبار لتزويد نفسه بها، خاصةً وأن الزراعة تعتبر المورد الأساسي لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي للفلاح.
وأكد المفتي أن نسبة هدر المياه المستخدمة في الزراعة تعتبر من النسب المرتفعة، بسبب استخدام أساليب الري التقليدية وعدم استخدام الأساليب الحديثة، ما نتج عنه ضياع وهدر كميات كبيرة جداً وخاصةً لري محاصيل غير مجدية اقتصادياً وتتطلب كميات كبيرة من المياه، لافتاً إلى أن نسبة توزع استخدامات المياه للاستهلاكات المنزلية تصل إلى 7،2% فيما تستهلك الصناعة 2،7% وتحصل الزراعة على الحصة الأكبر بنسبة تصل إلى 79% مع 11% تبخر، وبالتالي فإننا ومهما هدرنا من المياه في استخدامات مختلفة فإنها لا تُعادل 1% مما يُهدر في الزراعة، مشيراً إلى عدم وجود خطة مدروسة في استهلاك المياه، واعتبر أن توفير 10% من المياه المستخدمة في الزراعة يُعادل كل ما يستخدمه السكان.
وأبدى المفتي أسفه لعدم الاستفادة من الأبحاث الموجودة، وخاصةً مع إنجاز عشرات الأبحاث المهمّة جداً، كالبحث الذي تم إنجازه في عام 2008 عن تلوث بحيرة قطينة، وآخر وهو أطروحة دكتوراه عن تلوث نهر الكبير الشمالي والعديد من أطروحات الدكتوراه والماجستير التي بقيت حبيسة الأدراج، منوهاً بأن المورد الأساسي لجامعات العالم مصدره الأبحاث، إلا أن الأمر لدينا مختلف، فالطالب يعمل في ظروف سيئة ويتكلف مادياً ولكن من دون أية فائدة على أرض الواقع، معتبراً ذلك جزءاً من الفساد الإداري!.