الغرب يفشل في التموضع بآسيا الوسطى
تقرير إخباري
اعتادت القوى الغربية التمدّد من منطقة إلى أخرى وإيجاد موطئ قدمٍ لها خوفاً من أيّ خطر يهدّد مشروع الهيمنة الذي تقوده، وخاصة بعد أن أصبح مهدّداً بفعل الصعود والتنامي غير المسبوق للعالم المتعدّد الأقطاب وكياناته الاقتصادية والتكنولوجية والمالية، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا نلحظ مدى سرعة الغرب في تسخين وإشعال صراعات وإنشاء مستنقعات حروب ينخرط بها حتى وإن كان مصيرها الخسارة، فالنتيجة الأهم هي زيادة حجم المستنقع لا زواله لمصلحة طرف، ناهيك عن مشاريع تسليح جديدة قلبت دولاً من مسالمة أو دفاعية إلى هجومية وربما نووية.
وتجتهد هذه القوى الآن خلف قيادة الإدارة الأمريكية بالانخراط في التمدّد الآسيوي عموماً، وفي دول وسط آسيا خصوصاً، بهدف تطويق روسيا بالدرجة الأولى وزيادة تهديد الصين وإيران، عبر حجج قديمة متجدّدة مثل وضع قواعد عسكرية بحجة مكافحة الإرهاب في أفغانستان وربما بحجج جديدة مثل “حقوق الإنسان، الديمقراطية..”، أو عبر محاولة إغراء تلك الدول كما فعل وزير الخارجية تلك الإدارة، أنتوني بلينكن، الذي زار بعض الدول في وسط آسيا منذ قرابة شهرين واعداً بمنحها هبة مالية تقدّر بـ25 مليون دولار لكل دولة، ومن جهةٍ أخرى تكتسب هذه الدول أهمية خاصة على اعتبار أنها موطن مهم للثروات المعدنية واليورانيوم والنفط والغاز، ومن الممكن أن تشكّل تنوّعاً لمصادر المواد الخام الغربية.
لكن بالمقابل، روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي حيث أعلنت تعزيز قواعدها العسكرية في المنطقة للتصدّي لمحاولات واشنطن وحلفائها تعزيز حضورها على تخوم موسكو، كما أنها عزّزت على الصعيد السياسي الحوار مع زعماء وحكومات تلك الدول لتطويق أي خلاف معها أو فيما بينها، وتعزيز التعاون الثنائي، بالإضافة إلى ذلك أن تلك الدول ترتبط مع روسيا بصفتهم جميعاً دولاً سابقة في الاتحاد السوفييتي بمعاهدة “الأمن الجماعي”، التي تحتم عليها التعامل كجبهة واحدة ضدّ أي خطر عسكري قد يتهدّد أيّ دولة عضو.
ويمكننا أن نضيف على أسباب الفشل المسبق لهذا المشروع الغربي في المنطقة، أن هذه الدول لا تمتلك موانئ أو طرقاً مفتوحة للتجارة مع الغرب أو العالم الخارجي، فلا بدّ أن تمر تجارتها عبر روسيا أو الصين أو عبر السكك الحديدية مع إيران وصولاً إلى موانئها البحرية.
وأمام المحاولات الفاشلة لأمريكا والغرب، نلحظ بوادر القوة تصبّ جميعها في المقلب الآخر، فروسيا ما زالت ترتبط سياسياً واقتصادياً مع هذه الدول باتفاقيات جديدة تعزّز حالة كسر القطبية، والشراكة والتعامل بالعملات الوطنية، كما أن تلك الدول تعزّز صلاتها السياسية مع حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي التي توصّف أساساً بأنها متجذّرة وتاريخية، تتكلل باتفاقيات جديدة آخرها اتفاق مع طاجيكستان لبناء مصانع عسكرية ومصنع للمسيّرات فيها وغيرها من المصانع الأخرى، ناهيك عن ارتباط تلك الدول مع إيران كأعضاء في منظمة “شنغهاي”، ولا ننسى الدور المتعاظم للصين التي قدّمت وعوداً جدية بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع تلك الدول، في سياق التحضير لقمّة دول آسيا والصين،كل ذلك يؤكد عدم واقعية المشروع الغربي وفشله المسبق في هذه المنطقة، فهل سيسعى لمشاريع أخرى سبق أن فشلت كـ”الثورات الملوّنة” مثلاً؟.
بشار محي الدين المحمد