عن تفاؤل “بيدرسون” ..وغيره أيضاً
أحمد حسن
غير بيدرسون، المبعوث الأممي إلى سورية، متفائل لأن سورية، كما قال في إطلالته الأممية الأخيرة، “مقبلة على نقطة فارقة ومهمّة في ظلّ الاهتمام المتزايد من دول المنطقة”، مضيفاً إن “تواصل مسار أستانا، والحراك الدبلوماسي القائم حالياً، من شأنهما أن يساهما في الدفع نحو الحلّ الأممي وفق القرار 2254”.
وبالطبع هذا “التفاؤل” أمر جيد وممتاز، لكن أسبابه – المعلنة للدقة – تبدو قاصرة، كي لا نقول منحازة لحقائق دون أخرى، لأنها حاولت، قصداً أو سهواً، التعتيم على الأسباب الحقيقية لما يجب أن يكون عليه “التفاؤل” الفاعل، لا المنفعل، حول سورية، وهذا “النقص” أو “الانحياز” تبدّى أكثر ما تبدّى باستمرار الرجل، وهو الدبلوماسي المحنّك، في محاولة “اللعب” في الملعب الدولي والإقليمي الجديد بأدواتٍ قديمة، وذلك ما يمثّله محاولة العودة إلى إنعاش اطروحات قديمة – للأمانة ليس الرجل وحده من يقف خلفها فهو ممثل لآخرين – بما يجعله، ومعه هؤلاء أيضاً، يبدو وكأنه يقف عند مرحلة زمنية معيّنة من الحرب انقضت بكل توازناتها وقضاياها ومخطّطاتها و”حلولها”، بل وتبّدلت مواقف بعض أطرافها أيضاً، فيما نحن اليوم في مكان آخر يحتاج بالتأكيد إلى أدوات أخرى لمقاربته بصورة فاعلة ومفيدة.
بهذا المعنى، وكي يكون “تفاؤلنا” كاملاً ومفيداً في الآن ذاته، يجب أن نربط، بوضوح كامل، وعلناً، هذا “التفاؤل” النافع بحقيقتين اثنتين: أولهما قناعة محور كامل – مع استثناء دول وكيانات وظيفية محدّدة – بفشل مشروع الحرب على سورية، والأهم بانعكاسات هذا الفشل، بصورة أو بأخرى، على موقع هذا المحور بأكمله في الصراع العالمي، كما على تماسك مكوّناته أيضاً، وهذا ما يقودنا إلى الأمر الثاني، وهو الدخول الهادئ والحازم لدول المحور المقابل والصاعد ليتبوأ مكانه الطبيعي بخلفية قناعة راسخة بضرورة العمل على خط تهدئة الزلازل في العالم، والمنطقة ضمنه حكماً.
وبالتأكيد كانت زيارة المبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط، تشاي جون، إلى سورية، إحدى أهم الدلائل على “المكان الآخر” الذي أصبحت به الحرب على سورية، بالدرجة ذاتها التي دلّت به على “المكان الآخر” الذي أصبح فيه العالم بأسره بعد تغيّرات دراماتيكية إيجابية تمثّلت – كما قال السيد الرئيس بشار الأسد خلال استقباله للمبعوث الصيني – بدور بكين “الذي يتصاعد بشكل هادئ ومتوازن”، مقدِّماً “أنموذجاً جديداً في السياسة والاقتصاد والثقافة، ولا سيما أنه يقوم على مبدأ تحقيق الاستقرار والسلام والربح للجميع”، ما يعني أن العالم كله يحتاج اليوم، كما أضاف الرئيس الأسد، “للحضور الصيني سياسياً واقتصادياً لإعادة التوازن للوضع العالمي، وخاصةً في ظل العلاقات الروسية الصينية وما يمثله تحالف دول البريكس من مساحة دولية قوية قادرة على صناعة نظام دولي متعدد الأقطاب”.
من هنا، يصبح لكلام المبعوث الصيني عن “ارتياح بلاده للانتصار الذي حققه الشعب السوري في معركته ضدّ الإرهاب”، لأنه “انتصار لكل الدول التي تدافع عن سيادتها وكرامتها”، أبعاد أخرى تتجاوز الآني لتصبح “قولاً” “وكشفاً” عن واقع مقبل ستتابع فيه بكين – كما فعلت سابقاً – الوقوف “مع سورية في المحافل الدولية قولاً وفعلاً دفاعاً عن الحق والعدالة، وستدعم معركتها ضد الهيمنة والإرهاب والتدخل الخارجي”، فيما كان تعبيره عن “دعم الصين للتطورات الإيجابية الحاصلة في مسار التقارب بين سورية والدول العربية” “قولاً” آخر يناقض، في كل معانيه و”حمولاته” الدلالية المنطوقة والمسكوت عنها، المشروع الغربي، الأمريكي تحديداً، القائم على الفرقة وإدامة النزاعات ودعم الإرهاب واستخدامه لا محاربته في كل مكان.
هنا تحديداً تتجلّى الأسس الحقيقية للتفاؤل التي يجب إبرازها والبناء عليها وفيها، وهذا ما يحتاج من الجميع إلى ابتكار أدوات جديدة لمقاربة مختلفة وجديدة أيضاً للأزمة السورية، ولغيرها أيضاً، وذلك هو مسار المستقبل بالتأكيد.