شريك الانتصار وإعادة الإعمار.. رئيسي ضيفاً في دمشق
البعث – المحرر السياسي
حديث السياسة والاقتصاد واضح الخطوط والتوجهات في زيارة ضيف سورية، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وخاصة مع ظهور الأوراق الأولى للملفات الاقتصادية التي طُرحت على مدى يومين من أعمال اللجنة الاقتصادية السورية الإيرانية المشتركة في دمشق الأسبوع الماضي.
يرافق الرئيس الإيراني وفد سياسي واقتصادي، في زيارة استثنائية وغير تقليدية، فإيران الحليف الذي شارك سورية في النصر على الإرهاب، ووقف إلى جانبها خلال سنوات الحرب الإرهابية، تعلن وقوفها اليوم أيضاً إلى جانب سورية أيضاً للمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار.
وهناك ملفات اقتصادية وتنموية وخدمية ومشاريع ضخمة وسط أجواء انتصار العقلانية الدبلوماسية للقوى المؤثرة في المنطقة، حيث فُتحت أبواب الدبلوماسية المتزنة على مصراعيها، فالأحداث متسارعة في أجواء ربيعية تهب على المنطقة بعد احتراق “الربيع الصهيوني”.
فالتحولات الاستراتيجية باتت واقعاً، وللزيارة أبعاد سياسية أعمق من العلاقات الثنائية بين بلدين حليفين مترابطين، ففي الجانب السياسي هي الأولى منذ 13 عاماً – بدء الحرب الإرهابية على سورية – وبلا شك ستكون منعطفاً على الصعيد الإقليمي، وكذلك خارج المنطقة، كما ستسهم في تطوير العلاقات بين إيران وسورية في المجالات كافة، وستحقق إنجازات ليس فقط لطهران ودمشق، بل هي حدث جيد للغاية يمكن أن تستفيد منه دول أخرى في المنطقة.
البلدان اللذان تحمّلا ويتحملان تكاليف باهظة لمقاومة الكيان الصهيوني حققا نصراً تشاركا فيه الدماء، ويكملان ما أنجزا بمزيد من التناغم والتعاون والاستفادة القصوى من الإمكانات، لتحقيق توازن كفتي الميزان بتعزيز قدرات المقاومة من جهة، والعمل على ازدهار المنطقة بأيدي دولها عبر نزع ألغام الفتن والحروب التي زرعتها الصهيونية، وتحاول زرع المزيد منها بمخططات عدوانية لم تتوقف عنها يوماً.
إن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سورية اليوم هي استمرار لسياسة حسن الجوار، مع التركيز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين طهران ودمشق ودول محور المقاومة. لذلك، وبالاضافة إلى كافة الملفات، فإن أهم محور للزيارة هو التركيز على المجالات الاقتصادية، بعدما حقق البلدان تعاوناً ناجحاً في مختلف المجالات، مثل الأمن ومكافحة الإرهاب.
أبعاد إستراتيجية
لطالما کانت العلاقات السورية الإيرانية محط اهتمام ومتابعة من القيادتين السورية والإيرانية. ومن هنا، فإن زيارة الرئيس الإيراني إلى سورية استراتيجية وتاريخية، لأن المنطقة شهدت تطورات جيوسياسية متوترة في العقد الماضي. وفي هذا الصدد، نشر وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي سيرافق رئيسي في هذه الزيارة، صورة الرئيس بشار الأسد وقاسم سليماني في تغريدة وكتب: “سأغادر قريباً إلى سورية مع الدكتور رئيسي”، حيث تدل أهمية هذه الزيارة، إلى جانب الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، على انتصار الإرادة السياسية للمقاومة، ونجاح الدبلوماسية في استكمال سياسة التقارب الإقليمي. وقال المتحدث باسم الحكومة الايرانية علي بهادري جهرمي في مؤتمره الصحفي الثلاثاء الماضي: “إن هدف هذه الزيارة هو تطوير دبلوماسية الجوار مع التركيز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين إيران وسورية ومحور المقاومة”.
العلاقات الإيرانية السورية
أثبتت العقود الماضية أن إيران وسورية حليفتين استراتيجيتين، فقد شهدت العلاقات بين البلدين تغييراً جذرياً بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979. وكانت سورية هي الدولة العربية الأولى، والثالثة عالمياً، بعد الاتحاد السوفييتي السابق وباكستان، التي اعترفت بالجمهورية الإسلامية الإیرانیة التي تأسست في شباط 1979.
اتخذت العلاقات السورية الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية بعدها الاستراتيجي من خلال تلاقي إرادتي البلدين وحرصهما على تعزيز التعاون في جميع المجالات، ورفض الإملاءات الخارجية والتدخلات الأجنبية، وتطابق الرؤى والتشاور المستمر لإيجاد الحلول لقضايا المنطقة، والتأكيد على الحقوق العربية الثابتة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، واستعادة سورية للجولان المحتل.
ودأب البلدان على استمرار التشاور والتنسيق بما يعزز الأهداف المشتركة، ويفّعل مسيرة التعاون الثنائية انطلاقاً من الرغبة في العمل الجاد لتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة، وإرساء أسس تخدم مصلحة الشعبين، وشعوب المنطقة بشكل عام. ولقد أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار ثورتها قبل خمسة وثلاثين عاماً دعمها للحقوق العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأكدت دائماً دعمها لحق سورية في استعادة الجولان المحتل. وقدمت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين مؤشراً على أن العلاقات السورية الإيرانية إستراتيجية. كما جاءت اجتماعات اللجنة العليا السورية الإيرانية المشتركة في دوراتها المتعددة استكمالاً للخطوات التي قطعها البلدان سابقاً في مجال تعاونهما الاقتصادي والتي أسهمت في زيادة حجم الاستثمارات المشتركة في سورية.
لا يمكن الحديث عن العلاقات السورية – الإيرانية دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الاقليمية والدولية، والتي ساهمت بشكل كبير في بناء هذه العلاقات، وأهمها المشاريع الأمريكية وهيمنتها على منطقة الشرق الأوسط، وتواجد الكيان الصهيوني الذي يعمل على تحقيق هذه المشاريع في المنطقة، على حساب دولها ومصالح شعوبها، وهذا ما دفع بالدولتين الإيرانية – والسورية إلى إقامة علاقات أساسها النظرة الاستراتيجية الموحدة الرافضة للهيمنة الأمريكية وذراعها الكيان الصهيوني المحتل.
والتعاون بين إيران وسورية لم يكن وليد الحرب الإرهابية على سورية، فهناك مواقف وتطلعات مشتركة سبقت بسنوات مرحلة الحرب على سورية، ومنها فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، ومواقف الدولتين من هذا الاحتلال، والتنسيق والتعاون الكبير بينهما لدعم حركات المقاومة وطرد الاحتلال الأمريكي، إلا أن كل مرحلة لها تحدياتها وظروفها التي ترسم شكل التعاون ونوعه لتأتي الحرب الكونية على سورية، واشتراك عدد كبير من دول إقليمية ودولية بالعدوان عليها ساهم بشكل كبير في التعبير عن هذه العلاقات، وترجمتها بشكل ملموس على أرض الواقع لتصل بشكلها الحقيقي إلى شعبي البلدين، بالإضافة الى كل الدول التي تراهن على مدى عمق هذه العلاقات.
كان موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من هذه الحرب، وما نتج عن هذا الموقف الإيراني من دعم للدولة السورية والشعب السوري، انعكس بشكل إيجابي على تعميق العلاقات بين البلدين وتطورها لترسم الخطوط العريضة لمراحل مستقبلية ساهمت في ترجمة هذه العلاقات السياسية والدبلوماسية على أرض الواقع من خلال دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للدولة السورية والشعب السوري في الحرب على الإرهاب الدولي، وامتزاج الدم السوري بالدم الإيراني على التراب السوري، وتوقيع عدة اتفاقيات منها اقتصادية جعل من هذه العلاقات علاقات استراتيجية.