ثقافةصحيفة البعث

ملتقى “أرض”.. الشباب يرسمون أمام نافذة بلا ستائر

أكسم طلاع 

تتعدّد عناوين الملتقيات الفنية والتشكيلية بتعدّد مواضيعها وتقاناتها، لكن الأهم أن تصادف ورشة حقيقية بين أكثر من طرف تحت سقف تيمة أثيرة وأبدية كالأرض، فضاء من حوار جديد في فن الشباب التشكيلي، خاصة وأن اختلاف المواد الحاملة للألوان واختلاف اللوحة عن مفهومها التقليدي يوازيه أيضاً تنوع في الآراء والأفكار الفنية بين مجموعة من الفنانين الموهوبين الذين يحاولون تقديم ما هو جديد يتجاوز الكساد في الفن التشكيلي الذي ما زال يرابط في مراسم العزلة والماضي.

كوكبة من الفنانين الشباب المتحمسين لخلق شيء جديد يترافق فيه الخزف والخط واللون والشعر والصورة بحثاً عن تعبير مشترك بين هذه الأفئدة التي ضمتها الورشة المستمرة حالياً والتي سيعرض نتاجها يوم السبت الواقع في 6 أيار في صالة زوايا.

ضمّ الملتقى خمسة فنانين شباب اجتمعوا في صالة زوايا للفنون الجميلة بدمشق يتشاركون أرضية موحدة ليقدموا تجربة ذات طابع خاص، الهدف منها تقديم مجموعة من الأعمال المتنوعة بين خزف ونحت وتصوير وخامات وتقنيات متنوعة بمقاصد محدّدة حول فكرة الأرض كعنوان رئيسي للملتقى الذي بدأت ملامح نتاجه تظهر مادياً من خلال مجموعة من الأعمال الصغيرة التي حملت طابع كلّ فنان ينتجها محملاً بقصدية الوصول إلى الفكرة المنشودة، وقد تألفت المجموعة من الفنانين الشباب: بتول خوندة، مهند السريع، حسن الماغوط، رنيم اللحام، شانتال كبابة.

تقول الفنانة بتول خوندة، الأستاذة في قسم النحت في كلية الفنون الجميلة: ولدت على هذه الأرض وسأعيش وأموت عليها.. هذه الأرض لي.. وعنوان الفكرة التي أقدّمها ضمن هذا المفهوم هو “عود على بدء”، وتجربتي في هذه الورشة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكوكب الأرض من جهة وبطبيعته المتجدّدة من جهة أخرى، الدوران والاستمرارية والانسيابية، الصعود والهبوط، التوازن والتنوع والاختلاف، كل هذه العناصر تشكل دافعاً لخوض هذه التجربة الفنية ليكون الصلصال المشوي، الخزف وتقانات صناعته أساساً لأعمالي، ولما لهذه المادة النبيلة من أهمية على الصعيد الشخصي وقيمة تاريخية وفنية بشكل عام، وقد تنوّعت أحجام الأعمال وتعدّدت طرائق تقديمها وكان توظيف اللون والملمس أساسياً فيها، وتمّ التأكيد على عفوية الطرح والمضمون ليسيطر النحت العضوي عليها بشكل وثيق وليترك للمتلقي حرية التفكير والتفاعل.

في تفصيل آخر تقول الفنانة رنيم اللحام، وهي من خريجي قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق: الانتماء أساس وجودنا على هذه الأرض، مضيفة عن مساهمتها في هذا الملتقى: بدأت فكرة الأرض منذ صرت أبحث عن الجمال في مدينة باتت قبيحة ببؤسها، وانتمائي لهذه الأرض الموجوعة استنزف قوتي فتجاهلت ألمها وسرقت بقع الجمال الصغيرة فيها وبدأت أصوّر، ولكن لم تنجُ تلك البقع من ذلك الوجع وراحت تتلاشى في تكوينات تسحب إلى القاع، أعمالي الصغيرة التي تتراوح بين 15 و10 سم و30 بـ 30 سم وجميعها تحتوي على مشاهد من الأرض وقد استخدمنا الخزف لأنه جزء من تكوين تلك الأرض.

أما المصور الزيتي حسن الماغوط، وهو من خريجي قسم التصوير المميزين في جامعة دمشق وقدم مجموعة من الأعمال الملونة بعنوان “لون”، فيقول: استهواني أن ألتقط مساحات ومقاطع من الأرض كونها منبع اللون واللون روح الشكل ومتعة العين، لذلك حاولت معالجة هذه المقاطع والتفاصيل عبر لوحات قماشية من أحجام مختلفة قدمت من خلالها تصوري عن هذه التفاصيل بتقنيات مختلفة من اللون، وقد جاءت الورشة كإضافة لتجربتي بإنجاز بعض المقاطع على خامة الخزف لما لها من علاقة وثيقة بالأرض وتبادل لوجهات النظر بين الفنانين المشاركين بغية بناء ما هو جديد وإبداعي، وتطويراً لتجاربنا في العموم.

وتضيف الفنانة شانتال كبابة المتخصّصة في العمارة الداخلية: قدّمت تجربتي لأولئك الذين تركوا فينا أثراً ورحلوا.. هذا الأثر هو عنوان لما قدّمته ضمن هذه الورشة، وهي محاولة لمعالجة الأثر المتبادل بين الأرض والإنسان، كعلاقة جدلية، فحينما يرحل الإنسان يترك أثره الذي يغيّر فينا لكن الأرض تبقى وتتجدّد، وهذه الورشة لا تخلو من التحدي بالنسبة لنا كفنانين، ولا تخلو من قيمة مضافة لنا كمشاركين نملك أفكاراً مختلفة ويجمعنا البحث في الجمال وعن أدوات تعبير جديدة.

الفنان مهند السريع المشارك الخامس والحائز على شهادة الماجستير في فن التصوير من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق لم ينجُ من ذاكرته الشاهدة عما حصل فوق هذه الأرض من قسوة ودمار، فكانت خطوطه القاسية وألوانه الرمادية الصورة الأكثر لياقة بالمشهد الراسخ.. إلا أن الأمل ينبت صغيراً ويكبر مثل نبات يتجه نحو الضوء والشمس، فكانت اللوحة والفن لصناعة شيء من الأمل لعلنا ننجو من الخراب وننتصر للحياة.