ثقافةصحيفة البعث

إيلي شويري أيقونة في معبد الرحابنة

أمينة عباس

رحل إيلي شويري أحد كبار فناني لبنان والوطن العربي بعد أن أغنى المكتبة الموسيقية العربية بأعماله الموسيقية والغنائية ومشاركاته المسرحية، وقد غنى عشرات الأغاني بصوته، ولحَّن لكبار مطربي الوطن العربي، وكان يفتخر أنه ولِدَ في العصر الذهبي للفن مع محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ورياض السنباطي وعبد الحليم حافظ وكارم محمود ومحمد عبد المطلب وفايزة أحمد وغيرهم من عمالقة الفن الذين رسموا خريطة الأغنية العربية، وكان له موعد دائم مع دمشق، حيث اعتاد على زيارتها في كل المناسبات الوطنيّة، فلحن وغنى لها مع مجموعة من الفنانين السوريين من كلمات عيسى أيوب كنشيد “أنتِ الأساس، أنتِ الأساس، أنتِ الكرامة ورافعة الراس، يا بلادي يا سورية يا حبيبة كل الناس”.

مسحور بالفن

حين كان يصف حلمه الذي كبر لاحقاً وجعله أحد روّاد الأغنية العرب كان يقول: “لقد كنتُ مسحوراً بالفن بالفطرة ولم أكن أنوي يوماً أن أتحول إلى فنان” ويذكر أنه بدأ يكتشف قدراته الصوتيّة مبكراً، فكان يغنّي ويسمِعُ الناس صوته، وكانت الراهبات في المدرسة القريبة من بيته يشتكين للشرطة من تشويشه على الصفوف، لكن رجال الشرطة الذين كانوا يأتون مسرعين لإسكاته كانوا سرعان ما يأنسون إلى مواويله فيتركونه، وفي عمر الخامسة عشرة أسس مع رفاقه جوقة غنائية وكان يردّد فيها المواويل العراقية التي حفظها عن والده، وفي عمر العشرين تعرض لحادث سقوط من على دراجته النارية فدعاه أحد رفاقه لقضاء فترة نقاهة في الكويت، وهناك قادته الصدفة إلى الإذاعة الكويتية التي كانت في مرحلتها التجريبية الجديدة مطلع الستينيات، فانتسب إليها مؤدّياً في فرقتها الغنائية بعد أن خضع لاختبار أشرف عليه موسيقيّون من فرقة أم كلثوم، وقد شجّعه حينها المطرب الراحل عوض الدوخي، إلى جانب الملحن المصري مرسي الحريري على تعلّم العزف على العود، وحين وصلت إلى الكويت فرقة الأنوار اللبنانية مع توفيق الباشا وزكي ناصيف ووديع الصافي لتقديم إحدى حفلاتها في الكويت حضرت الإذاعة الكويتية لتسجيل الأغاني وسمع شويري ما سمع، ورأى المرحلة التي وصل إليها لبنان في المستوى الموسيقي، فقرَّر العودة إلى بلده حاملاً رسالة من أحد الأصدقاء في الكويت تطلب من الموسيقي اللبناني جوزيف شمعة أن يدعم موهبة إيلي شويري الذي أصبح عضواً في فرقة الكورال وكان من ضمن الفريق المرافق لعدد من الفنانين، منهم فهد بلان ونزهة يونس، وحين علم بالتحضيرات التي تقام لإحياء مهرجان بعلبك بإشراف الموسيقي روميو لحود عام 1963 قصده في مكتبه، فوعد لحود بدور صغير في مسرحية “الشلال” فكان له ما أراد حين حصل على دور شاب يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة.

مع الرحابنة

انتسب الراحل إلى كورس إذاعة الشرق الأدنى والإذاعة اللبنانية، وتعرّف على الياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه الأخير على أخوَيه اللذين أجريا له اختبارات وأسندا إليه دور فضلو في مسرحيّة “بياع الخواتم” عام 1964 وفي فيلم سينمائي أخرجه يوسف شاهين في العام التالي، ليعمل بعد ذلك في كلّ مسرحيات الرحابنة كـ “هالة والملك” و”الشخص” وصولاً إلى “ميس الريم” وقد وصفه حينها الإعلامي سعيد فريحة مؤسس دار الصياد بأنه أيقونة في معبد الرحابنة الذين لازمهم لسنوات طويلة وكان يقول: “لا أعتقد أن أحداً من أولاد عاصي ومنصور عاش معهما أكثر مما عشت معهما أنا” وقد وصف شويري تلك المرحلة بأنها حلم من قصص الأساطير خوّلتْه خوضَ أجمل التجارب الفنية مع عباقرة زمن النبلاء، وفي العام 1975 دب خلاف بينه وبين الأخوين رحباني جعله يغادر مسرحهما بالتزامن مع اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان، وقدم برنامجاً إذاعياً في إذاعة صوت لبنان، ثم التقى الفنانة صباح في مسرحية “ست الكل” وكانت فاتحة جديدة لمسيرته الفنية، فكتب ولحن لها “تعلا وتتعمر يا دار”.

كتب ولحَّن

لم يكتف إيلي شويري بوقوفه إلى جانب الكبار، فأطلق العنان لأعماله وكتب ولحّن لوديع الصافي “بلدي، أنت وأنا يا ليل، زرعنا تلالك يا بلادي، من يوم من يومين، يا بحر يا دوار” كما ساهم في شهرة أكثر من فنان، منهم داليدا رحمة، فكتب لها مسرحية “قاووش الأفراح” وغنت له “يا بلح زغلولي” التي انتشرت بشكل واسع، كما غنت له ماجدة الرومي “سقط القناع، مين النا غيرك، ما زال العمر حرامي” وتنافس كل من صباح وسميرة توفيق على أداء أغنيته “أيام اللولو” التي راجت بشكل لافت لدى المطربين.

مبدع الأناشيد الوطنية

اشتهر الفنان الراحل بأنّه مبدع الأناشيد الوطنية في لبنان، فمنذ بداياته الفنية عبّر عن حبه لوطنه بالأناشيد، ومنها “بكتب اسمك يا بلادي” التي ألّفها ولحّنها عام 1973 والتي صارت على كل لسان، وغنّاها لأول مرة المطرب اللبناني جوزف عازار، ومن ثم ترددت على لسان العديد من الفنانين العرب ومنهم الفنان دريد لحام في مسرحيته ” كاسك يا وطن” إلى جانب “صف العسكر” و”يا أهل الأرض” وأغنية “تعلا وتتعمر يا دار”.

وصف الراحل نفسه في حوار له مع صحيفة “البعث” عام 2002 فقال: “لم يغرِني المال ولم تكن الشهرة هدفي.. تعبتُ واجتهدتُ ولم أستعجل الوصول”.

وعن تجربته التي لم تكتمل مع فيروز قال: “تجمعني بفيروز صداقة قديمة، فنحنُ رفاق درب، وكنتُ أغنّي معها ضمن الكورس في بداياتي ومن ثم اشتركتُ معها في المسرح الغنائي ولعبتُ دور البطولة أمامها في بعض الأحيان، ولكن شاءت الظروف ألا أجتمع فيها بلحن، فهي لم تطلب مني، وأنا لم أعرض عليها، وكغيري أحلم بأن تغنّي لي، وقد لا أضيف شيئاً لرصيدها لأنها في حالة كمال، ولكن أنا من سيستفيد من هذا التعاون.. صوت فيروز يعلّم الغناء لكل من يريد أن يكون مغنياً، ويعلّم التلحين لكل من يريد أن يكون ملحناً، حتى لو لم يتعامل معها”.

منحه الرئيس اللبناني ميشال عون وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور عام 2017 تقديراً لعطاءاته الفنية والاجتماعية والوطنية.