إعادة تدوير القراءة الفعلية فن دار الوثائق الورقية
غالية خوجة
في حلب ترى العجب، ومنه انضمام مكتبة جديدة إلى مكتبات حلب، “مكتبة دار الوثائق الورقية”، لكن، بفنية مزدوجة، أولها انبناء هذه المكتبة غير الربحية على الكتب المستعملة التي اشتهرت بها دكاكين الباعة القديمة، وثانيها المزامنة مع الإصدارات الحديثة إضافة إلى مواكبة الفضاء الالكتروني سواء من خلال نسخ PDF “دار الوثائق الرقمية”، أو وسائل التواصل الاجتماعي.
أمّا ما الهدف من ذلك؟
أجابنا المحامي الباحث المؤلف علاء السيد أحد مؤسسي هذه المكتبة بأنها محاولة للتشبث بالكتاب وتوزيعه من خلال إعادة تدويره ليصل إلى أكبر عدد من القراء وتستفيد منه الغالبية، سواء من خلال الإعارة، أو البيع، أو الإهداء، أو الصدقة الجارية، أو بمقابل رمزي، أو التأجير، وللقارئ أن يدفع قيمة الكتاب المخفضة، وبعد 15 يوماً إن أعاده حصل على 70% مما دفعه كنسبة خصم، وإذا لم يعده فهذا يعني أنه اقتناه.
واسترسل: نستقبل الكتب ممن يريد أن يهدينا مكتبته، أو يبيعها بسعر رمزي، أو بمبلغ مناسب وذلك تبعاً لظرف الشخص.
4000 عنوان و150 سنة
وعن المكتبة وعدد العناوين والكتب، قال: نحن مجموعة شباب متطوعين قررنا أن نقيم هذه المكتبة كمشروع غير ربحي، ونشكّل حالة ثقافية مميزة، ونستقبل الجميع وكأننا في صالون ثقافي، وتزورنا شخصيات حلبية أدبية وتعليمية وعلمية وفنية وفكرية.
لكن، هل من الممكن أن تكون هذه المكتبة متحفاً للكتاب لا سيما وأننا نفتقد المتاحف الخاصة بالأعلام في حلب؟
أجاب: فعلاً، نحن بحاجة لمتاحف خاصة بأعلامنا مثل المتنبي، أبو فراس الحمداني، سيف الدولة، عمر أبو ريشة، مريانا مراش، ولدينا 4000 عنوان غير مكرر من الإصدارات الورقية المختلفة من كتب يصل عمر بعضها لأكثر من 150 سنة، ودوريات شهرية وفصلية ويومية فمثلاً هناك أعداد من المجلة الحقوقية تعود لعام 1929، ودوريات حلبية مختلفة مثل المسرة 1916، الورقاء 1910، المشرق 1900، مجلة الضاد وعددها الأول، الشهباء، الكلمة 1924، الوقت، وجريدة البعث والجماهير، وهناك الكثير من الوثائق الأصلية مثل النسخة الأصلية لإنذار غورو عند دخوله إلى سورية.
حينها، تساءلت: لماذا لا نجد دورية حلبية جديدة حتى لو كانت الكترونية؟ وما الذي فاجأك منذ افتتحت المكتبة؟
أجابني: نتمنى أن تكون لدينا دوريات حلبية جديدة، وتابع: فوجئت بالشباب واليافعين يطلبون كتباً وروايات لأرنست همنغواي، وشكسبير، وكتباً فلسفية، وموسوعات معرفية، ومنهم مما يسمّى بجيل الحرب!
يعرفون همنغواي وشكسبير ويجهلون حنا مينه
أمّا ما أهم الكتب والروايات العربية والسورية والحلبية التي يطلبها من يقصد المكتبة؟
أجاب: لا أحد! حتى الآن، لم يطلب أي قارئ أي كتاب أدبي أو علمي لأي كاتب محلي حلبي أو سوري أو عربي! رغم أني أعرض عليهم المتوافر لبعض أدبائنا مثل حنا مينه، لكنهم لا يعرفونه للأسف!
حتى لو قلت لهم بأنه مؤلف مسلسل نهاية رجل شجاع؟
أكد السيد: للأسف لا.
فسألته بدهشة: هل يقرأون الشعر؟ ويعرفون نزار قباني ومحمود درويش وأدونيس؟
استجمع ذاكرته والمشاهد التي مرت مع القراء، وقال: فقط، قارئ واحد وهو أستاذ طلب الأعمال الكاملة لدرويش، وقلة طلبت أعمال نزار قباني ولدينا مجموعة أعماله الكاملة.
أين جماعة “أبو حلب”؟
وماذا عن فئات القراء الأخرى؟
قال: يرتاد المكتبة طلاب جامعيون أغلبهم من المحافظات الأخرى مثل مصياف والشريط الساحلي، أمّا جماعة “أبو حلب” فهي قليلة جداً، ويبدو أنهم لا يسألون عن الكتب ولا يرتادون المكتبات.
وأكمل: وفاجأتني صبايا صغيرات تطلبن روايات تجارية منتشرة بينهن وبنات جيلهن، وكذلك هناك من يهتم بكتب البرمجة اللغوية العصبية، إضافة للكثير من الكتب الاستهلاكية التي يجري تداولها بلا رقيب ولا حسيب.
وأضاف: بالمقابل، فاجأتني بعض الأمهات الحريصات على أن يستبدل أولادهن “الموبايل” بالكتاب، فمنهن من دخلت المكتبة، وأخذت الهاتف المتحرك من يد ابنها، لتقنعه بالكتب كبديل معرفي مفيد.
بين 7 و77
ولفت إلى شعار المكتبة: من 7 إلى 77، لكن، لماذا؟
أجاب: شعارنا هو شعار مجلة “تان تان” القديمة، لأن كتبنا موجهة لأعمار تبدأ من 7 سنوات وتمتد إلى أكثر من 77 سنة، وبهذه المناسبة، يزورني الكثير من الكبار من أجيال هذه المجلة الموجهة للأطفال ليطلبوها مع مجلات أخرى مستعيدين ذكرياتهم وطفولتهم الجميلة، مثل أسامة ولدينا عددها الأول الصادر عام 1969، وسمير، وميكي، وسوبرمان، وبساط الريح.
وبينما أشرد مع ذكريات قراءتي لأعداد مجلة المعرفة الكويتية، والكتب القانونية، وسلسلة المجلدات المتباهية بتجليدها العربي الأصيل وعراقتها وما قدمته لكثير من العقول، سألته عن كتب المتصوفة؟
فردّ: كما ترين هناك مكان خاص بين هذه الأرفف والمساحات لأقسام الكتب المصنفة تبعاً لموضوعها، وعلى هذا الرف توجد كتب العديد من المتصوفة، مثل الأعمال الكاملة للحلاج، وكتب ابن عربي، والسهروردي.
شيخ وصيدلة وكتب
وخلف الطاولة، كان الشيخ صلاح محفوظ يجلس بهدوء، ويبدو أنه أحد المتطوعين، فسألته عن أسباب حضوره بين هذه الكتب، ليجيب: دراستي الصيدلة، لكن، منذ أيام الدراسة وأنا مرتبط بعالم الكتب، وها أنا مع هذا العالم أتابع حلمي، وأقرأ، كما أني أطّلع على المشهد الثقافي والفني ومجمل الأفكار حتى المتناقضة منها، وأتقبّل الاختلاف ووعيي منفتح على العقول المتنوعة.
مرتاد مدمن
وأمام أحد جدران المكتبة المكتظة بالكتب القديمة كان يتصفح العناوين، فسألته عن نفسه، ليجيب: المهندس كرم الزيبق، أكتب الشعر، ومن مرتادي المكتبة ومريديها، وأراها تشكّل إضافة نوعية وملتقى ثقافياً في عصر يتداعى فيه الكتاب.
أين مكتبات باب النصر؟
كلمة التداعي أعادتني إلى تداعيات تتحرك في أعماق جيلنا العاشق للدراسة والعلم والثقافة، وكيف كنا، ومنذ الصف الثاني الابتدائي، نتفق مع زملائنا وأبناء منطقتنا على الذهاب إلى “باب النصر” لنشتري بمدخراتنا وعيدياتنا كتباً مختلفة للقراءة منها كتاب الأناشيد الذي يضم جميع الأناشيد الوطنية للبلاد العربية، والقصص ومنها ليتني كنت قطة، وسلسلة قصص الغابة الخضراء، وسندريلا، وغيرها، متسائلين: هل تتخلى لهفة القراءة والمعرفة عن هذا الجيل وما يليه رغم أن الكتب متوفرة ورقياً والكترونياً؟ وأين مكتبات باب النصر الأثري؟ ومتى ستعود؟.