مجلة البعث الأسبوعية

بعد أن أضحى المخلص..الجهات الحكومية تحاصر اقتصاد الظل بدلاً من تنظيمه..!.

البعث الأسبوعية – المحرر الاقتصادي

في الوقت الذي نؤكد فيه بدايةً على أننا لا نحابي أي شكل من أشكال الاقتصاد غير المنظم،نجزم أن جذرأي خلل في المشهد الاقتصادي، يعود إما لارتكابات حكومية مباشرة أو غير مباشرة، أو لعدم المرونة بمعالجة هذا الخلل وتحديداً لجهة تبسيط الإجراءات ومنح مزايا مشجعة تدرأ استفحاله “أي الخلل”.. وبالتالي فإن الحكومة في نهاية المطاف هي المسؤول الأول عن هذا الخلل.. لعل الطامة الكبرى هنا تكمن بسعي الحكومة من خلال جهاتها العامة -بعد اتساع رقعة الأخير-للتعاطي مع النتائج دون أدنى اعتبار لأسباب هذا الخلل، وهذا الأمر بالطبع مرفوض جملة وتفصيلاً..!.

حملات

مقصدنا هنا عن ما بات يعرف بـ”اقتصاد الظل”، والتي لا تدخر الجهات الحكومية المعنية هذه الأيام أي جهد لسحقه لا لمعالجته، وما حملات وزارات المالية حيناً، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك حيناً آخر، والإدارة المحلية عبر بلدياتها بين الحين والآخر، لتقاضي جبايات ورسوم تارة، وإغلاقات تارة أخرى، إلا دليل دامغ على ذلك، وتعبير لا يحتمل الشك عن “عقلية جباية حكومية” لا تصلح في هذه المرحلة بالذات، والتي أحوج ما نكون فيها إلى الإنتاج من جهة، وتحريك العجلة الاقتصادية والتجارية من جهة أخرى، ولاسيما إذا ما علمنا أن اقتصاد الظل الذي عجزت الحكومة الحالية ونظيراتها المتعاقبة عن معالجتهإلا سبيلاً من سبل الإنتاج بشكل أو بآخر، وما يحتاجه بالضبط هو التظهير ومنحه الصبغة القانونية والشرعية، حتى يخرج من الأقبية والدهاليز المظلمة، إلى الفضاء الاقتصادي الرحب المرخص أصولاً، علماً أنه كان ولا يزال بمنزلة “المخلص النسبي” للمستهلك لاسيما في ظل الارتفاع المريب للأسعار..!.

مبرر قانوني

لعل ما أعطاه المبرر القانوني غير المعلن لانتشاره الواسع هو أنه يندرج تحت ما يسمى في أغلب دول العالم بـ”الاقتصاد الشريف” كونه لا يمت بصلة للمتاجرة بالممنوعات كالمخدرات وما شابه، إضافة إلى أنه يلعب دوراً مهما بتقليص نسبة البطالة وتأمين مستلزمات وحاجيات أسر كثيرة، ويرفد بعض قطاعات الاقتصاد الوطني بالدرجة الثانية.

واقع

واقع يضع الجهات المعنية على محك العمل الفعلي لتبسيط إجراءات تنظيمه ووضع شروط تشجيعية تدفع القائمين عليه للمبادرة والإقبال على العمل برعاية وظل القانون، حتى لا يستغل بعض ضعاف النفوس عملهم بالخفاء ويتاجروا بمنتجات تتنافى مع صحة المواطن، فطالما أكد بعض أصحاب الورش والفعاليات الاقتصادية الصغيرة والمتناهية في الصغر أن عملهم خارج الإطار القانوني يقيهم شر زيارات موظفي الدوائر الحكومية خاصة المالية والبلدية منهم – على حد وصفهم – وبالتالي يتخلصوا من ابتزازهم شبه اليومي بحجة تطبيق القانون، إلى جانب الروتين المقيت المرافق لعملية الترخيص وما يكتنفها من إجراءات وشروط صعبة لا تناسب البعض منهم، ناهيكم عن أن الضرائب والرسوم الواجب تسديدها تشكل عبئا إضافيا على تكاليف إنتاجهم، لذلك فإن منتجاتهم غالبا ما تكون منافسة من ناحية السعر للمنتجات الأخرى.

بعين المسؤول

وعلى اعتبار أن السوق بشكل عام، وسوق اقتصاد الظل بشكل خاص يدرس العرض والطلب بآلية تجارية بحتة، فعلى الدولة أن تنظر بعين مسؤول وراعي لهذه السوق التي تعمل حالياً وفق مبدأ (دعه يعمل دعه يمر) وأن تراقب هذا الأمر وتعي حيثياته والاجتهاد باتجاه تنظيمه من ألفه إلى ياءه نظراً لكونه يخفض الضغط عنها.

فمثل هذه العمل يُسيّر بلا شك تدفقات المال بين طرفي الدورة الاقتصادية (الإنتاج والاستهلاك)، لكن الخشية الأكبر التي تعتري مثل هذه العملية تكمن في تسريب تدفقات المستهلك السوري خارج القنوات الاقتصادية التي تفيد وتغذي الاقتصاد السوري، بمعنى الخشية من تجميع تدفقات المستهلكين السوريين ثم تحويلها إلى عملة أجنبية والهرب بها خارج الحدود..!.

سؤال مشروع

ففي الوقت الذي لا ننكر فيه أن الأزمة شرعنت بشكل كبير مسألة اقتصاد الظل وما ينتجه من مواد وسلع أساسية استهلاكية، كون أن الطلب عليها زاد بشكل كبير على كمية المتوفر منها في السوق، في ظل خروج كثير من المنشآت المنتجة المرخصة نظامياً، وعجز ما تبقى منها عن تلبية الطلب المتزايد لها، ومع تفهمنا لهذا الأمر إلى حدٍ ما، إلا أن السؤال المشروع هنا ما هي تداعيات هذا الأمر في حال استمراره، وتأثيرها على اقتصادنا الوطني؟.

سؤال نضعه برسم وزارت الصناعة، والإدارة المحلية والبيئة، والمالية، لجهة تنظيم هذا القطاع من خلال ترخيص ورشه ومنشآته الصغيرة وربما متناهية الصغر أيضاً، وتكليفه ضريبياً، بشروط تشجيعية، فبذلك نضمن جودة ما ينتجه من سلع –ولو نسبياً- على أقل تقدير.

 

أخيراً

يذكر أن وزارة المالية تصدت لهذا الموضوع من خلال قيامها بمسح جغرافي لمكلفي الدخل المقطوع عام 2007، وكانت النتيجة كشف كثير من الفعاليات غير المكلفة وغير المعروفة، إذ تم كشف نسبة تجاوزت الـ20% من مجموع المكلفين على المستوى القطر، في حين تفيد مصادر في الهيئة العامة للضرائب والرسوم أن لدى الهيئة معلومات تشير أن النسبة أكبر من ذلك، فهناك قطاع غير منظم على مستوى عال وخطير لدرجة أن هناك مصانع برادات غير معروفة تشتري مواد أولية وتبيعها في السوق وهي غير مكلفة، والاستعلام الضريبي لعب دورا كبيرا في كشفها  وكشف مطارح ضريبية أخرى، وجاءت الأزمة لتزيد “الطين بِلّة” نظراً لتعثر المتابعة.