بداية تململ أوروبي من دعم أوكرانيا.. هل أزِفت ساعة الحقيقة؟
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:
لو كان بالإمكان الاستمرار بتعليل الشعوب الأوروبية بنصر وشيك تنجزه أوكرانيا على روسيا في ميدان الحرب، لوجدنا مبرّراً ربّما للدفع بفرضية استمرار الشعوب الأوروبية بالموافقة على استمرار الحرب في أوكرانيا، ولكن الأنباء الواردة من ساحة القتال تؤكّد تقهقر الجيش الأوكراني في عدّة جبهات، وبالتالي يشعر المواطن الأوروبي أن كل التضحيات التي قدّمها في سبيل تحقيق هذه الغاية تبخّرت ولم تعُد مجدية.
فالجيش الأوكراني على جبهة باخموت بات ينتظر خيارين لا ثالث لهما، إما الإبادة وإما الاستسلام، وهذا ما أكّده أكثر المتابعين لأخبار الجبهات بشكل مهني بعيداً عن الأخبار الكاذبة التي يسوّقها الإعلام الغربي لإقناع جمهوره باستمرار تقديم الدعم للنظام الأوكراني، ومعلوم أن هذه الجبهة تشكّل حاجز الصدّ الأخير في مواجهة القوات الروسية المتقدّمة وسقوطها سيؤدّي إلى خسارة أوكرانيا الحرب بالكامل، ومن ورائها حلف شمال الأطلسي الذي يستخدمها.
وإذا كان من المستحيل مثلاً على حلف شمال الأطلسي “ناتو” الوفاء بوعوده التي قطعها للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي بقبول عضوية أوكرانيا في الحلف لأنه أصلاً استخدم ذلك لإغراء هذا النظام بالاستمرار في مسار الحرب، فإن الشعوب الأوروبية بدأت تدرك جيّداً مخاطر هذه الأكاذيب، بعد أن شعرت أن كل ما يتم الحديث عنه في هذا السياق غير قابل للتحقّق مع عدم إمكانية الانتصار على روسيا أوّلاً، ثم مع تأكد فرضية الدور الوظيفي الذي يؤدّيه النظام الأوكراني وهو استفزاز روسيا وإيجاد الذرائع للحلف الأطلسي لنشر قواته على حدودها، لأن الحلف ذاته يدرك أنه في غير وارد الاصطدام مع روسيا مباشرة، وهو السبب ذاته الذي دفعه لاستخدام أوكرانيا رأس حربة لذلك.
وقد بدأت الإشارات تصل تباعاً حول عدم إمكانية هذا الانضمام، حيث قال الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا إن أوكرانيا لا يمكنها الانضمام إلى الناتو قبل انتهاء النزاع المسلّح على أراضيها، بمعنى أن عليها الاستمرار في القتال ضدّ روسيا نيابة عنهم، فإذا انتصرت كان ذلك مقدّمة لانضمامها، أو للدخول في إجراءات عملية لانضمام كييف على حدّ زعمه.
الرئيس الليتواني الذي ستُعقد قمة الناتو المقبلة في بلاده أعرب عن أمله في أن تساهم القمة في تطوير خريطة طريق لانضمام كييف إلى الحلف، ولكنه أشار في الوقت ذاته إلى وجود معارضة شديدة بين دول الحلف للموافقة على طلب أوكرانيا.
ولكن الحقيقة التي يتهرّب الجميع من الإعلان عنها هي أن الحلف ذاته لا يمكنه قبول انضمام أوكرانيا حالياً إلى صفوفه لأنه سيضع نفسه في مواجهة مباشرة مع روسيا، في الوقت الذي يقوم هو نفسه بدعم أوكرانيا لمحاربة روسيا بالوكالة عنه، ومن هنا أشار جيك سوليفان، مساعد الرئيس الأمريكي للأمن القومي، إلى أن تنفيذ هذه الخطوة أصبح الآن غير مناسب، بينما أقر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في تعليقه على بيان الرئيس الأوكراني بشأن طلب الانضمام، بموقف الاتحاد الذي لم يتغيّر بشأن حق كل دولة في تحديد مسارها، لكنه شدّد على أن الحلف سيركّز جهوده على مساعدة كييف في الدفاع عن النفس، وصرّح السكرتير الصحفي لرئيس الاتحاد الروسي ديمتري بيسكوف بأن الكرملين تابع طلب زيلينسكي انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وكذلك ردود الأفعال المختلفة عليه. ووفقاً له، موسكو تراقب الوضع عن كثب وتعيد التذكير بأن جهود ضمّ كييف إلى حلف الناتو كانت أحد أسباب بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وبالتالي يمكن أن يكون ضمّها سبباً مباشراً لدخول الحلف في حرب مباشرة مع روسيا.
هذا على الصعيد السياسي الأوروبي، أما على الصعيد الشعبي فقد بدأ التململ الشعبي يظهر من غزو اللاجئين الأوكرانيين الدول الأوروبية بعد أن تبيّن أن الحرب في أوكرانيا ستطول، وأن اللاجئ الأوكراني يقاسم المواطن الأوروبي الذي يعاني حالياً أزمة اقتصادية معيشته، فضلاً عن المنتجات الأوكرانية التي تدفّقت على الأسواق الأوروبية وراحت تنافس نظيرتها في هذه الدول، حيث وجّهت جمعية “قوة المزارعين” في مولدوفا نداء إلى السلطات مطالبة بفرض حظر مؤقت على استيراد القمح والذرة وبذور اللفت وعباد الشمس من أوكرانيا.
وحسب بيان الجمعية: “إذا لم تتخذ سلطاتنا إجراءات مماثلة على الفور، فإن كارثة حتمية بالنسبة للمزارعين الصغار والمتوسطين الذين يتأثرون في الوقت نفسه بالعديد من الأزمات الأخرى”.
ويصرّ المزارعون على إنشاء آلية صارمة لمراقبة عبور المنتجات من أوكرانيا لمنع التهريب، بعد أن اتفقت المفوّضية الأوروبية مع بلغاريا وهنغاريا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا على استيراد المنتجات الزراعية من أوكرانيا، وتنص الاتفاقية على إلغاء الإجراءات الأحادية الجانب من الدول وفرض حظر مؤقت على استيراد القمح، والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس لهذه البلدان.
وبعد أن بدأ اليأس يتسلّل إلى بولندا من إمكانية الاستفادة من نتائج الحرب في أوكرانيا على صعيد تحقيق أطماعها الإمبراطورية في أوكرانيا وضمّ الجزء الغربي منها إلى أراضيها، قال وزير الزراعة البولندي روبرت تيليوس: إن بلاده تريد توزيع المواد الغذائية الأوكرانية المعفاة من الرسوم الجمركية في كل الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الوزير: “بدأت المشكلات عندما أعفى الاتحاد الأوروبي المنتجات الأوكرانية من الرسوم. لقد سمح الاتحاد الأوروبي بإغراق بولندا بالحبوب. وحتى الآن، لم يكن لأي شيء أن يتغيّر لولا مبادراتنا وتدخّلاتنا، ومن بينها تحالف وزراء الزراعة في بلغاريا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وهنغاريا”.
ولكن الحقيقة الوحيدة الماثلة التي بات على الدول الأوروبية التسليم بها، أن كل المؤشّرات بدأت تتحدّث عن يأس عام لدى الحكومات والشعوب الأوروبية من إمكانية تحقيق نصر على روسيا في الحرب، بل بدأ الجميع يفكر فيما بعد الحرب، حيث ذهب جزء كبير من هؤلاء إلى البحث في إمكانية مراجعة العلاقات مع روسيا ليس حبّاً بها وإنما إنقاذاً لما تبقى من اقتصاد أوروبي.