مجلة البعث الأسبوعية

هل لدى المصارف الخاصة ودائع دولارية بأجل طويل؟ ولماذا رغم التضخم ترفض زيادة رأسمالها؟

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

لا ندري على ماذا استند البعض بالتأكيد أن قرار مجلس النقد رقم 169“سيشجع المستثمرين المحليين والأجانب على تسهيل وتسريع إجراءاتهم في التعامل مع البنوك وتحويل العملات من وإلى البنوك بالقطع الأجنبي”.

المسألة ليست أبدا في تشجيع المستثمرين ومنحهم القدرة على استجرار القروض بالعملات الأجنبية، وإنما في الإجابة على السؤال: هل المصارف الخاصة قادرة على إقراض المستثمرين؟

كما نعرف فإن قانون الاستثمار يجيز للمستثمرين استيراد الآلات والتجهيزات والمعدات الصناعية إضافة إلى المواد الأولية اللازمة للاستثمار الصناعي، ولكن المشكلة كانت دائما فيما إذا كان المستثمر سيمول مستلزمات المشروع من دولارات المركزي أو من ودائعه في المصارف الخارجية، وإذا كان القرار الجديد أتاح للمستثمر الاقتراض من المصارف الخاصة فإن السؤال: هل من ودائع دولارية بأجل طويل كي يتمكن المصرف من استخدامها بمنح قروض للمستثمرين؟

نعم، الكثير من أصحاب المشاريع يسعون إلى قروض دولارية، ليس لأنهم بحاجة لها ، وإنما لأنهم غير مستعدين لتمويل مستلزمات مشاريعهم من ودائعهم في الخارج، بدليل أن مليارات الدولارات كانت في مصارف لبنانية، أي كان بإمكان أي مستثمر أو مستورد استخدامها لمشاريعه أو مستورداته لكنه لم يفعلها إلى أن تبخرت!!

لماذا لا يفعلها المؤسسون؟

وإذا كان  قرار مجلس النقد  سمح للمصارف أن تبيع وتشتري العملة الأجنبية، وتمول المستوردات والصادرات من خلال ما تملك من قطع أجنبي، فإن السؤال: ما مصادر تغذية المصارف من القطع الأجنبي؟

بما أن الودائع طويلة الأجل هي العنصر الأهم بزيادة موجودات المصرف من القطع الأجنبي كي يتمكن من إقراضها للمستثمرين، فهل سيتمكن أصحاب المصارف وهم من كبار رجال المال والأعمال إقناع نظرائهم في الكار بإيداع دولاراتهم في مصارفهم بدلا من تهريبها للخارج؟

قد يستطيعون فعلها في حال كانوا القدوة والمثال، أي قاموا هم أولا بإيداع دولاراتهم في مصارفهم الخاصة، وبتقديم حوافز وإغراءات لصغار المودعين بوضع مدخراتهم الدولارية في المصارف بدلا من تخزينها في منازلهم، والسؤال: لماذا لم يفعلوها حتى الآن؟

هل توضيح المركزي كاف؟

هناك فارق كبير بين موجودات المصرف من الدولارات على ورق الميزانيات والتقارير المالية، وبين موجوداته الفعلية في خزائنه الحديدية والفولاذية!

والتوضيح الذي نشره المركزي بتاريخ 13/4/2023 حول القرار (رقم 169/م.ن بتاريخ 4/4/2023) الصادر عن مجلس النقد والتسليف والقاضي بالسماح للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بمنح القروض بالعملات الأجنبية لتمويل مشاريع استثمارية تنموية.. ليس كافيا لأنه لم يجب على السؤال: هل لدى المصارف الخاصة موجودات كبيرة لإقراضها للمستثمرين؟

لقد أوضح المصرف أن تنفيذ قراره الجديد سيكون “ضمن الموارد المتاحة للمصارف”، وبما انه يصعب معرفة هذه الموارد الفعلية، لأن كل المؤشرات تؤكد ان معظمها  في مصارف خارجية فهذا يعني إن تفعيل القرار غير وارد إلا في حدود ضيقة جدا، وربما ستقتصر عمليات الإقراض على التجاري السوري فقط.

لا نشك برغبة المصرف المركزي بتحفيز المصارف الخاصة “على تمويل المشروعات لاسيما في المرحلة القادمة لإعادة الإعمار، بما يخلق في الوقت نفسه للمصارف فرص استثمارية مناسبة محلياً وتمارس دورها في التنمية الاقتصادية وفق الأدوار المنوطة بالمؤسسات المالية المصرفية العاملة”، لكن الرغبة شيء والواقع مختلف تماما!

ورطتا المصارف الخاصة

لقد تورطت المصارف الخاصة في سورية في مشكلتين على الأقل من الصعب حلهما سواء في الأمد القريب أم البعيد وهما:

ـ تهريب 50% من موجودات المصارف إلى الخارج بعد تحويلها لدولارات في السوق السوداء.

ـ إقراض مؤسسي المصارف الخاصة ما يفوق نسبة مساهمتهم بها باسم شركات وهمية.

وهذا يعني إن الوضع المالي للمصارف الخاصة باستثناء قلة منها ليس قويا بما يتيح لها منح المستثمرين القروض بالقطع الأجنبي لتمويل مشاريعهم، وليست بوارد تغذية موجوداتها من القطع بآليات متبعة في كل مصارف العالم.

وكما أوضح المركزي أن ضوابط منح التسهيلات الائتمانية بالقطع الأجنبي كانت سارية وفق أحكام قرارين سابقين من مجلس النقد والتسليف ولغاية صدور القرار الجديد رقم 169/م الذي صدر برؤية وضوابط مختلفة عن القرارين السابقين وبما يتلاءم مع الواقع الحالي، وكأنّه يُعول على قدرة المصارف الخاصة على المساهمة بمنح القروض في حين يجب أن يكون الأدرى بقوتها أو ضعفها في حال افترضنا أنها راغبة بممارسة دورها التمويلي.

شروط نظرية لتسديد أقساط القروض

وقد وضع المركزي الشروط التي تضمن للمصارف الخاصة استرداد قروضها في آجالها الزمنية دون تأجيل أوعجز مقترضيها عن السداد فاشترط “أن يكون للمشروع الاستثماري محل التمويل أنشطة وخدمات اقتصادية تصديرية أو خدمية تؤدي إلى تحصيل تدفقات نقدية بالعملات الأجنبية، وأن تكون التدفقات النقدية المتوقعة بالعملة الأجنبية للمشروع لا تقل عن قيمة أقساط وفوائد التسهيلات الائتمانية الممنوحة، سواء كان مصدر هذه التدفقات من الخارج بعد أن يتم إثبات العلاقة بين المقترض والشركة الخارجية، أو من الداخل بالنسبة للمشاريع التي من المسموح لها التعامل بالقطع الأجنبي حسب أنظمة القطع النافذة”.

وهذا الشرط جيد جدا لكنه نظري جدا لأن المصارف الخاصة ليست في وارد تنفيذ قرار مجلس النقد رقم 169 فدولاراتها في الخارج أما تبخرت أو تجمدت، وإمكانية زيادة موجوداتها من القطع متاحة في حالة واحدة فقط وهي أن  يقوم مؤسسوها بوضع دولاراتهم  فيها ويقنعوا نظرائهم بأن يقتدوا بهم، ويقدموا حوافز مغرية لصغار ومتوسطي المودعين كي يودعوا مدخراتهم لآجال متوسطة وطويلة أي لأكثر من عام، وكل هذا غير وارد لا في اهتمامات ولا في خطط المصارف الخاصة.

واقع المصارف الخاصة غير مشجع

من يطلع على واقع المصارف الخاصة ويتابع نشاطاتها سيكتشف بسهولة أنها تعمل بأقل من الحد الأدنى من الأعمال المصرفية التقليدية باستثناء اثنين أو ثلاثة مصارف، وما يؤكد ضعف هذه المصارف إن مؤسسيها حققوا الهدف من تأسيسها وخاصة ما يتعلق بتحويل نصف موجوداتها النقدية إلى المصارف الخارجية، واقتراض ما يفوق نسبة مساهمتهم بتأسيسها دون أن يعرف أحد من المتابعين في المركزي إن كانوا سددوها أم لا!!

ومع ذلك نسأل: هل المصارف التي رفضت أن ترفع رأسمالها مستعدة أو بالأحرى قادرة على منح القروض بالقطع الأجنبي للمستثمرين؟

كشفت الدكتورة رشا سيروب أنه من أصل 14 مصرفا خاصا في سورية، التزمت فقط خمسة مصارف “3 تقليدية و2 إسلامية” بمعايير الحد الأدنى لرأس المال “10 مليار ل. س للتقليدي، و15 مليار ل. س للإسلامي”.

وأضافت انه يوجد أربعة مصارف رأسمالها بحدود 5 مليار “وهو الحد الأدنى لمصارف التمويل الأصغر”، وجميعها خاسرة!!

الخلاصة:

قيمة ودائع جميع المصارف الخاصة في الخارج بحدود  4.7 تريليون ل. س، لا يمكن تحريكها كونها مودعة في المصارف اللبنانية، وجزء آجر بسبب العقوبات الدولية، وهذه المعلومات الموثقة والتي يعرفها جيدا المصرف المركزي تطرح السؤال: هل مجلس النقد والتسليف مقتنع فعلا أن المصارف الخاصة ستبادر إلى تنفيذ قراره رقم 168 وبأيّ آليات، وبأيّ إمكانيات؟!.