مجلة البعث الأسبوعية

من حياة المجتمع ..؟! تخلي شبابي عن مشاريع الزواج  وحلم تكوين الأسرة والأسباب في عهدة الظرف الاقتصادي!

دمشق – بشير فرزان

يتساءل الجميع عن أسباب عزوف الشباب عن الزواج في الوقت الذي يسهم المجتمع باكمله في تعميق هذه الظاهرة ورفع نسب العنوسة التي وصلت لأرقام قياسية بعد تخلي الشباب عن حلم الزواج تحت ضغط التكاليف العالية التي من الصعب تأمينها في هذه الظروف الصعبة وفي المقابل نجد البعض يتمادون في الإنفاق على الأعراس وهناك أمثلة كثيرة عن أعراس كلفت عشرات الملايين وذلك في إطار البرستيج والسباق الاجتماعي في مضمار المظاهر والاستعراض فقط وبشكل ينعكس سلبياً على الآخرين ونذكر هنا أن أحد الشباب اضطر لبيع شقته بـ90 مليون ليرة وإنفاقها على عرسه إرضاء لأهل خطيبته واتقاءً لكلام الناس وانتقاداتهم .

أحلام وردية

لم تنته قصة الحب التي عاشها عمار كما يريد أو كما يفترض أن تنتهي مثل هذه القصص التي تبدأ بالجامعة في حضن الأحلام الوردية الراسمة للمستقبل المبني على الحب المتبادل والرضى “بالخبزة والزيتونة” كما يقال فهذا الحب يتلاشى في أول مواجهة مع الواقع الحياتي المر وتسقط تلك الصورة الوردية وتتبدد كماتبددت أحلام عمار وهو المهندس المدني الحالم بالمستقبل عند سماعه لطلبات أهل الفتاة التي سعى لتكون شريكة عمره خاصة أنه من أسرة فقيرة و في بداية مشواره الحياتي الذي يبدأه بآمال كبيرة وجيوب فارغة لاتقوى على تأمين تكاليف الزواج التي باتت عبئاً كبيراً على الشباب الذين يعيشون في هذه الظروف حالة من الضياع والتشتت وعدم القدرة على الخوض في غمار الحياة الزوجية نظراً للتحديات المالية الكبيرة التي تواجههم .

وصحيح أن عمار لم تكسره خسارة حبه  كما قال لكنه في المقابل لم يعد يفكر في الزواج واعتبر هذا المشروع مؤجل لأجل غير مسمى خاصة انه يعمل اليوم لتأمين حاجة أسرته والإنفاق على تعليم أخوته وخاصة في هذه الأيام التي ترتفع فيها تكاليف الحياة المعيشية إلى أرقام خيالية .

من المستحيلات

مشكلة تأمين متطلبات الزواج ليست وليدة الحرب فقط بل كانت موجودة وحاضرة دائماً في المجتمع ولكنها اليوم أكثر صعوبة من جميع النواحي وفي الوقت الذي يفرض فيه المنطق وأحوال الناس والواقع الاجتماعي تقديم التسهيلات ومساعدة الشباب على تخطي تحديات الزواج نجد أن الأمور تسير باتجاه التعقيد الذي يحبط ويفشل أهم القرارات المصيرية التي يتخذها الشاب في حياته (قرار الزواج) والذي يمضي الشاب عمره في تامين متطلباته وتحقيق شروطه وخاصة في هذه الأيام الصعبة التي أرهقت كاهل المقبلين على الزواج وبات تحقيق شروط الزواج من المستحيلات أمام الارتفاع الجنوني في الأسعار وقلة مصادر الرزق من جهة ومغالاة الأهل في طلباتهم وتحديدا المهور الكبيرة وهنانتوقف عند قصة أحد المعارف الذي طلب منه تسجيل 25 ليرة ذهبية كمتأخر بدلاً عن المهر وذلك لتمسك الاهل  بتقاليد الزواج  المتعارف عليها ومغالاتهم بالطلبات من العريس كالمنزل والذهب وحفلة الزفاف التي يتوجب على العريس إحياءها في صالة أفراح والتي تندرج في خانة البرستيج الاجتماعي  وهنا يتحدث خليل 40 سنة مستهجنا رفض أهل العروس له لكونه لايملك منزلاً و يسكن بالإيجار وكان تبرير الرفض من قبل والد العروس بأنه غير مستعد لاستقبال ابنته مع زوجها وطفلها إذا أنجبت في حال إخراجه من المنزل من قبل صاحب البيت أو عجزه عن دفع الإيجار فهو بالكاد يؤمن قوت يومه ويسد حاجة عائلته  وكذلك ممدوح الذي فسخ خطبته بعد أن طلب أهل الفتاة منه شراء ذهب بخمسة ملايين  ليرة سورية بحجة أنهم يريدون الاطمئنان على مستقبل ابنتهم والذهب لاخسارة فيه مما أثار جنون ممدوح وقال بأن الزواج اليوم أصبح كصفقة تجارية تهدف للربح على حساب العريس الذي لا حول له ولاقوة له .

تكاليف تصاعدية

تعج صفحات الفيسبوك بأخبار حفلات الزواج التي يشكل البذخ فيها حالة دائمة حيث تصرف الملايين في منافسة اجتماعية حيث يتباهى الناس بإقامة أفراحهم في أفخم الفنادق وبمصممي الفساتين ومصففي الشعر والمكياج وبالمطربين وغيرها من القضايا التي تطعن في حقيقة الواقع الاقتصادي المأزوم في حياة بعض الفئات الاجتماعية والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الفئات الشعبية الأخرى من حيث محاولة التقليد أو العمل على الاستمتاع بفرحة العمر دون  الانتباه إلى الفوارق التي باتت واضحة في المجتمع .

وطبعاً قرار التخلي الكثير من المستلزمات هو أمر في غاية الصعوبة ولكنه الخيار الوحيد فلينا تنازلت عن حلم كل فتاة بارتداء الفستان الأبيض وتبددت الفرحة أمام غلاء أسعار الفساتين التي تصل قيمتها إلى أكثر من  5000000  وحتى استئجار الفستان أصبح مكلفاً وقد يصل إلى أكثر من مليونين ونصف ل.س حسب نوع القماش وتطريزه وهذا ماجعل لينا وهي الفتاة المعروفة برجاحة تفكيرها إلى التوجه نحو إنفاق أجرة الفستان على مستلزمات أخرى أساسية كفرش المنزل مع شريك عمرها  وكما فعلت لينا وجدت  هبة نفسها أمام ذات الخيار فقد اتفقت مع عريسها على إلغاء حفل الزفاف الذي كان من المقرر عقده في إحدى الصالات المتواضعة في دمشق بعد أن وصل الحجز فيها إلى ثلاثة ملايين ل.س بعد أن اقتنعا بأنه من المعيب في ظل الظروف إنفاق ذلك الرقم على المظاهر والشكليات والأجدى الاحتفاظ بالمبلغ ليوم أسود قد يختبرهما به القدر .

أزمة صالات الأفراح

لايتوانى أصحاب صالات الأفراح أو مستثمري الصالات في الفنادق في تقديم المبررات لرفع أسعار الحجوزات الخاصة بحفلات الأعراس وأكدوا أن عملهم يعاني من حالة ركود بسبب إحجام الكثيرين عن إقامة حفل زفافهم بصالة وتحمل تكاليفها الباهظة وعزا أبو نبيل مستثمر إحدى الصالات في مدينة دمشق ارتفاع تكاليف حجز الصالة إلى ارتفاع أسعار المواد وهذا ينسحب على الضيافة التي ستقدم في الحفل من مشروبات أو قوالب الكاتو أو البوظة ..المحلاية وغيرها من الحلويات التي تقدم في الأعراس وكذلك تكلفة التصوير تضاعفت بعد غلاء الأفلام وأجرة تحميض الفيلم وغيرها من التفاصيل المكلفة التي من إضاءة أجور العاملات اللواتي يشرفن على الخدمة في الحفل ولم يخف أبو نبيل رفع التكلفة لمحاولة تعويض الخسائر التي لحقت بالصالات بسبب انخفاض نسب الحجوزات وأضاف بأن النسبة الأكبر من الحجوزات أصبحت لمجالس العزاء التي كثرت خلال الأحداث والموالد النبوية التي استبدل الكثير الأعراس بها ممن لديه القدرة على الإنفاق وكان لها مردود جيد للصالة خلال الأحداث.

 

طقوس الزواج

لاشك بان الاستمرارية في الحياة تتطلب الزواج والإنجاب وتكوين أسرة وأثبت المواطن السوري كما عبرت الباحثة في علم الاجتماع هالة محمد خلال الحرب عن حبه للحياة وتشبثه بها وفي ذلك دفاع عن الوجود وإحباط للمؤامرات التي تهدف إلى نفي وجود الوطن والمواطن وتضيف بأن طقوس الزواج اختلفت والمراسم الاحتفالية أصبحت محدودة ومقتصرة على عائلة العروسين فيما بينهما وبينت محمد بان حفلات الزفاف والمناسبات التي تبالغ في التكاليف المادية والمظاهر تنم عن فئة من المجتمع مستهلكة وليست منتجة وهي فئة أنانية تفتقد الإحساس بمشاعر الآخرين والمسالة ليست مزايدة ومبارزة بين الأسر بأساليب فيها تهميش للمشاعر وتسطيح للعقل والزواج هو رابطة مقدسة وليست الطقوس من تعطي الحب والسعادة وإنما طبيعة العلاقة ومدى الانسجام والتفاهم بين الطرفين وبما أننا اليوم في مجتمع يعيش في ظروف صعبة  يجب أن نراعي الحالة الاقتصادية.

تحديات مالية

الاستقرار حاجة نفسية ملحة وتحقيقه يجب أن لا يتوقف على محبس برّاق أو زفاف مليء بالكماليات لإسكات أفواه الناس فالتحديات المادية كثيرة لذلك فان القناعة والرضى بين الشاب والفتاة هو الأساس وليس تفاصيل جزئية ليوم من العمر، وعلى كل فتاة أن تقدِّر ظروف كل شاب، خصوصاً في الضائقة الاقتصادية  التي  لاينجو أحد من تداعياتها ولذلك لابد من تعاون وتظافر الجهود لمساعدة الشباب وتسهيل الزواج وتبسيط تكاليفه والتقليل من طلبات الأهل وخاصة المهور إضافة إلى وتشجيع الإعراس الجماعية  وتفعيل حضور المجتمع المدني ونذكرهنا مبادرات الاعراس الجماعية والتي أقامها الاتحاد العام لنقابات العمال. ولاشك الأيام القادمة تتطلب استنفار جميع الجهات الرسمية والشعبية بمختلف تصنيفاتها وتسمياتها لإيجاد الحلول الاجتماعية قبل أن يفوت الأوان فحياة الشباب ومستقبلهم أمانة ومسؤولية على الجميع .

Basherf72@gmail.com