مجلة البعث الأسبوعية

أيهما أجدى زيادة الرواتب أم ضبط الأسعار؟ السيطرة على اندفاعات الأسواق لا تقل أهمية.. ومخاوف من تضخم تفرضه السيولة الجديدة!

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار

ألقى البيان الحكومي، الذي تضمن بنداً حول الرواتب، حجراً في مياه راكدة، إذ سرت أخبار وتعليقات وتحليلات حول زيادة الرواتب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سريان النار في الهشيم، فمن قائل بأن نسبة هذه الزيادة ستكون بهذا المقدار أو ذاك، إلى قائل بأنها لن تترافق بارتفاعات جديدة في الأسعار، إلى قائل كذا.. وكذا. باختصار: استحوذ هذا الموضوع على اهتمام رجل الشارع، مثلما تصدر اهتمامات وسائل الإعلام، وقبل هذا وذاك استبشرت الأسواق بقرب الزيادة، التي تعني أول ما تعني ضخاً لسيولة جديدة، و”تسميناً” لقوة شرائية تكاد لا تقوى على شيء..!

على نحو بسيط ورمزي، حاولت “البعث الأسبوعية” جس نبض الشارع واستطلاع آراء الناس، في موضوع يتصف بقدر كبير من الأهمية والسخونة، من خلال استبيان مبسط في “فيسبوك”، طلبت عبره من المتفاعلين إبداء الرأي حول زيادة الرواتب وانعكاسها على اﻷسعار، بطرح ثلاثة أسئلة وفق الأتي:

– أيهما أجدى زيادة الرواتب أم الحد من ارتفاع اﻷسعار؟

– أي القطاعات أو اﻷسواق هي اﻷكثر انفلاتا في أسعارها؟

– رتب أول خمس سلع أو خدمات كانت اﻷكثر ارتفاعاً في أسعارها خلال السنوات اﻷخيرة.

 

.. وكان التفاعل!

طبيب:

أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً.. زيادة الدخل، ثم زيادة الدخل، ثم زيادة الدخل، وتخفيض رسوم الخدمات الحكومية، وأسعار السلع التي ينتجها القطاع العام، والتي بدورها تقود الكثير من السلع الأخرى، ومنح قروض طويلة الأمد بلا فوائد؛ وفي موازاة ذلك، إلغاء أشكال ما يسمى بالبطاقة الذكية والقسائم والبونات، التي وسعت رقعة الفساد والمحسوبيات، حيث يجب القضاء عليها بأشكالها وألوانها ونكهاتها كلها..

صحفي:

برأيي أن زيادة الرواتب ستعود بخير وحيد على الموظف، وهو التمكن من دفع الفواتير، إن لم تزد الدولة قيمة خدماتها. أما التضخم، فسيحصل كون أكثر من نصف دخولنا تأتي من وظائف عامة، وستزيد الكتل النقدية الوطنية، مقابل الانخفاض الذي تشهده منطقتنا عموماً من القطع النادر والذهب، كما ستزيد الأسعار، أو سيخرج عدد كبير من التجار من قطاعات الأعمال، وستقل الجودة على مستوى المنتجات جميعا.. كان الله في عوننا في هذه الاحتمالات كلها!!

صاحب منشأة صغيرة:

زيادة الرواتب أجدى من تخفيض الأسعار، لأن الأخيرة فيها صعوبة، ولكن المطلوب زيادة حقيقية تتناسب ومعيشة الأفراد على أقل تقدير.

غير معروف:

إن انخفاض المشتقات النفطية سيقود إلى انخفاض السلع والخدمات، وإلى تحسن القوة الشرائية.. طبعاً مع مكافحة تهريب هذه المشتقات.

صحفي:

من الأفضل زيادة الرواتب والأجور زيادة معقولة، بما يوازي ارتفاع الأسعار. أما قضية الحد من ارتفاع هذه الأسعار أو تخفيضها، فأعتقد أن الحكومة ليست لديها القدرة على ذلك، وطرحت هذا الموضوع كثيراً، ولم تستطع تنفيذه لأن المتحكم الحقيقي بالأسعار هم التجار.

مدرس:

الحقيقة أن كل أسعار السلع مرتفعة نتيجة تذبذب سعر الصرف، مع أن معظم هذه السلع منتج محلياً!

متقاعد:

لن ينفع شيء: لا زيادة رواتب ولا تخفيض أسعار.. راح تبقى عوجة حتى قيام الساعة!

موظف:

برأيي.. السؤال الأهم هو: هل تستطيع أية زيادة أن تستوعب غلاء الأسعار؟! إن كان الجواب بـ “لا”، فلا داعي لها!!

باحث ومحلل:

زيادة الرواتب هي الحل الأمثل، لأن إمكانية تخفيض الأسعار تكاد تكون معدومة، كما أن الزيادة يجب أن تحدث صدمة إيجابية تنعكس على مستوى الدخل والحركة الاقتصادية، أي أن تكون هذه الزيادة عالية، أما التخوف من التضخم فإنه – مهما تكن نسبته – لن يكون بمستوى ما ستقدمه هذه الزيادة من آثار.

 

الأكثر ارتفاعاً..

تركزت إحدى المشاركات على تصنيف السلع والخدمات الأكثر ارتفاعاً وانفلاتاً في أسعارها تبعاً للترتيب التالي:

– العقارات وبدل إيجارها.

– اللحوم والفروج والأسماك.

– الزيوت والسمون.

– الحليب ومشتقاته.

– المنظفات.

– المحروقات بأنواعها.

– الحبوب والدقيق ومشتقاتها.

– سيارات الأجرة ووسائل النقل بين المحافظات.

– الدواء وكشفية الأطباء وتكاليف العلاج في المشافي العامة والخاصة.

– الكتب المدرسية وحاجات الطالب حتى الجامعة.

– ارتفاع أجور اليد العاملة في القطاع الخاص.

– تصدير المنتج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ما يسهم في رفع الأسعار.

– أسعار الملابس والأحذية.

– أسعار الحلويات.

-هل يعقل أن أجرة فستان العرس ليوم واحد مليون ليرة سورية، كل ذلك بسبب ضعف الرواتب، وغياب الضمير، وجشع التجار، والموظفين غير النزيهين.

 

زيادة معدلات التشغيل

يستطيع قطاع الأعمال أن يسهم في زيادة معدلات التشغيل، التي تخلق مزيداً من فرص العمل، ووفرة في السلع والخدمات، وهذه بدورها تساعد على تخفيض الأسعار، وفقاً لما تقول سيدة الأعمال الدكتورة الصيدلانية منال الخياط، مع تقديم الدعم الاقتصادي والاجتماعي لمناطق ريف دمشق، الذي أصبح خزاناً بشرياً محيطاً بالعاصمة، وتمكين المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ما يولد فرص عمل، ويحسّن مداخيل الناس هناك.

وتضيف الخياط: إن تنمية الريف باتت أمراً ملحاً، مع التركيز في ذلك كله على المرأة، التي لا مناص من أن تنخرط في إقامة المشاريع وإدارتها وتسويق منتجاتها.. لذا لا تكفي زيادة الرواتب لوحدها، إن لم تؤخذ في سياق تنموي استثماري شامل.

 

ثمان فقرات..

يحلو للاستشاري الإداري الدكتور سعد بساطة، المعروف بأسلوبه المرح، تشبيه زيادة الرواتب بعمود فقري يتألف من ثماني فقرات:

الأولى: بث إشاعة عن زيادة الرواتب، فيتلهى الناس بها..

الثانية: التطبيل للإشاعة والتهويل لها..

الثالثة: ترتفع الأسعار قبل الزيادة..

الرابعة: تصدر الزيادة..

الخامسة: يفرح الناس بالزيادة، ويكررون الحديث نفسه عن محاسنها..

السادسة: يقول الإعلام للناس إن الحكومة غير مقصرة، لكن المشكلة في كثرة “النق”..

السابعة: “كأنك يا أبا زيد ما غزيت”، لأن الزيادة لن تكون ذات تأثير قياساً بالأسعار..

الثامنة: يعاد كل ما ذكر في السنة المقبلة..

 

علاقة معقدة ومركبة

يرى الباحث والأكاديمي الدكتور شادي أحمد أن العلاقة بين الرواتب والأجور والأسعار علاقة معقدة ومركبة، بسبب الفارق بين الأسباب المعيشية والاقتصادية، فالأسعار المرتفعة عادة تشجع الاستثمار والإنتاج، لأنها تعزز الكفاية الاقتصادية، مع انعكاس سالب على الأوضاع المعيشية، كما أن تخفيض أسعار المنتجات سيؤدي إلى انكماش اقتصادي، لذا لا بد من توافر قوة شرائية مناسبة للناس!!

ويشير أحمد إلى أنه لا يمكن النظر إلى زيادة الرواتب والأجور بشكل أحادي، بل لا بد من وجود معادلة تضمن مستوى عاماً للأسعار، يمكّن الناس من الوصول إلى الاحتياجات الضرورية، ويشجع المنتجين على مضاعفة أعمالهم. ولفت إلى أن الأسعار تزيد، عادة، بناء على ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، لكن واقع الحال يقول بأن النمو في البلاد هو سالب أو قريب من الصفر، ما يخلق فجوة بين العرض والطلب.

أما بالنسبة للأسعار الأكثر انفلاتاً، فهي – طبقاً لأحمد – أسعار كل السلع، باستثناء تلك التي تنتجها الدولة، وبالتالي فإن الأسعار قابلة للتغير السريع في أي وقت، ومثال ذلك السوق الموازية لكل من الخبز والبنزين وغيرها.. كما أن السلع المستوردة كانت الأكثر ارتفاعاً: السكر، الرز، الزيت، وغيرها..

 

الترقب سيد الموقف

يترقب العاملون في القطاع العام، ومعهم نظراؤهم في الخاص، مثل هذه الزيادة، التي قد تصبح واقعاً ملموساً في أية لحظة، ولكن ثمة أسئلة ومخاوف تدور في أوساط هؤلاء، ليس حول نسبة الزيادة وحسب، بل حول الاندفاعات غير المتوقعة التي قد تصيب الأسعار. ولن تجيب على هذه الأسئلة، أو تهدئ هذه المخاوف، التطمينات التي ذكرها رئيس الوزراء، أمام أعضاء مجلس الشعب، قبل أيام، لأن ثمة شكوكاً تساور الناس حول قدرة الحكومة على ضبط الأسواق، بعد أية زيادة، وبالتالي الخشية من أن تمتص فورة الأسعار أية مبالغ قد تضاف لرواتب وأجور ذوي الدخل المحدود، علماً بأنه أكد حرص الدولة على “تحسين الوضع المعيشي” للناس، والعمل على تحسين واقع العمل وزيادة الدخل.

 

تضخم مرتقب

ثمة من يرى أن واقعية الزيادة، وحاجة ذوي الدخل المحدود إليها، لا تكبح مخاطر تضخم قد ينجم عن هذه الزيادة، التي ستؤدي لضخ كتلة نقدية كبيرة في الأسواق، ما يصعّب معها إمكانية السيطرة على الأسعار والتحكم بمساراتها، خلافاً للقروض التي يجري عادة ضبطها عبر معدلات سعر الفائدة، والضوابط الخاصة بالسياسة النقدية..

فريق آخر لا يرى جدوى من أية زيادة لا تأتي أضعاف الراتب الحالي، مستندين في ذلك إلى تنامي الاحتياجات الاستهلاكية للأسرة، وإلى أرقام الإنفاق الشهري، والتي باتت تتراوح، لعائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، بين 200 – 300 ألف ليرة شهرياً، وهو أمر يصعّب مهمة وجدوى أية زيادة مقبلة..

فماذا بعد..؟!