الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

عقليّة التّجْر.. لا.. المسؤوليّة

عبد الكريم النّاعم

*الذي لا يشكّ فيه عاقل أنّ ثمة فرقاً كبيراً بين عقليّة (التّجْر)، وعقليّة (المسؤول)، فالتّاجر، في الغالب لا يفكّر إلا بتحقيق الأرباح، ولو على حساب جوع الجوعى، فلا مسؤوليّة مباشرة بينه وبين المُشتري، إلاّ المسؤوليّة الوجدانيّة، فإذا انعدمتْ عنده فلا حضور إلاّ لمزيد من جمع الثروة، ليس مهمّاً أن يكون مشروعاً أو غير مشروع، أمّا المسؤول، فإنّه من خلال تسميته (مسؤولاً) فإنّه يحمل أعباء أخرى، فهو مسؤول عن وضع الأمور في نصابها، ونصابها تقتضيه مصلحة الأكثريّة في البلد الذي هو فيه، مصلحة شرائح الأكثريّة، دون إغفال لمصلحة مَن ليسوا في عداد تلك الشرائح، فالعدل والإنصاف مطلوب للجميع، ويأتي في رأس القائمة ألاّ تتغوّل فئة على حساب بقيّة الفئات.

– الذي استدعى هذه المقدّمة بعض العناوين التي تلفت الاهتمام.

– الجهات المسؤولة تحدّد أسعار الحبوب من قمح وشعير وبقيّة الحبوب بما يقلّ عن سعر كلفتها!!.

تُرى من أين يعيش هذا ما دام ما يُنتجه يُفْقره؟!!.

المساحات الواسعة التي كانت تسدّ كفافنا واقعة تحت الاحتلال، وليس بأيدينا إلاّ ما تبقّى، فإذا توقّف المُزارع، نتيجة تلك التسعيرات عن الزراعة، هل نستطيع الاستغناء عن تلك الحبوب التي تدخل في صميم حياتنا، أم المسؤول سيضطرّ لشرائها بالعملة الصعبة؟!!.

– أسعار الحمضيات في الساحل، في أوانها، تُسعّر بالطريقة نفسها، فمن الذي رسّخ هذا النّهج في التسعيرة ولماذا، ولاسيّما أنّها تخلو من أيّ نفع، ومن أيّ تشجيع؟!!.

في بعض السنوات، وأنا أعرف ذلك عن طريق الأصدقاء، اضطرّ زارعو البطاطا لفلْح الأرض بما فيها من بطاطا مُفضّلين ذلك على أن يبيعوها بالتسعيرة الرسميّة، قائلين إذا بقيت في الأرض قد تفيدنا في تسميدها، أمّا أن نبيعها بخسارة الجهد والمال.. فَـ .. لا.

– الآن ثمن (بدون) زيت الزيتون 450 ألف ليرة سوريّة، وهو سعة ثمانية عشر ليتراً، فمن يستطيع شراءه من شرائح مجتمعنا الذي أصبح معظمها دون خطّ الفقر؟!!.

فيما علمنا أنّه يُصدّر للخارج، والتصدير ينتج عنه دخول العملة الصعبة إلى خزينة الدولة، وهو منطق (يبدو) أنّه لا غبار عليه، بيد أنّه قول خادع، لأنّ تقديم وجود العملة الصعبة على حاجات معظم الشرائح الاجتماعية هو منطق تجْر لا منطق مسؤول.

– الخضار والفواكه يحصل على أرباحها الحقيقيّة الوسطاء، لا المزارعون، فإلى متى؟!!.

محاولات طرح المواد في المؤسسات، لمعالجة هذا كان كمن يعطي حبّة إسبرين لمريض يحتاج أن يكون في العناية المشدّدة.

أنا لا أريد أن أكافح مبدأ التجارة، فما من مجتمع من مجتمعات البشر على امتداد قرون كان خالياً منها، بصور المتاجرة المتنوّعة، ولكنّي أريد أن يكون ثمة حضوراً للمسؤول، يقدّر بالدرجة الأولى مصلحة الأكثريّة، لا أن يكون كلّ ما يصدر في صالح مَن يملك.

سأقتطف من كلام علي (ع) ما جاء في عهده للأشتر النّخعي، فيما يتعلّق بالتّجار، وقد جاء فيه: “واعلم أنّ في (كثير) منهم ضيقاً (فاحشاً)، وشُحّاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكّماً في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامّة، وعيب على الولاية -أي على المسؤول- فامنع الاحتكار، فإنّ رسول الله (ص) نهى عنه، ولْيكن البيع والشراء بيعاً سمْحاً بموازين عدْل، وأسعار لا تُجحف بالفريقين، البائع والمبتاع، فمَن قارفَ حكرة، بعد نهْيك، فَنكّل، وعاقب بغير إسراف”.

في الكلام السابق ما يوحي أنّ بعض التجار، ليسوا كذلك.

تُرى هل ثمّة أذن تُصغي لأصواتنا، أم أنّها ستذهب صرخة في وادٍ لا يعلم عمقه إلاّ الله؟!.

aaalnaem@gmail.com