السوريون أم اللبنانيون.. من يهرّب الدولار إلى من؟ تسويق مزاعم عن شركات صرافة تهرّب “الأخضر” بين البلدين!
البعث الأسبوعية – علي عبود
في كل مرة تنخفض فيها قيمة الليرة اللبنانية، تعلو أصوات سياسية معارضة وموتورة، تتهم جهات لبنانية تناصبها العداء، بتهريب الدولارات إلى سورية!
وبما أن الإعلام اللبناني الأمريكي الهوى، ينخرط مباشرة بتسويق مزاعم عن قيام شركات صرافة، وأشخاص بتهريب كميات كبيرة من الدولارات إلى سورية، تؤدي إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، فإن الكثير من اللبنانيين المكتوين بنار غلاء الأسعار، وبانخفاض دخلهم، يصدقون أن السبب ليس مصرفهم المركزي، وسياسات حاكمه رياض سلامة، وإنما بسبب تهريب الدولارات من لبنان إلى سورية !
حسنا، لنكن موضوعيين ونطرح السؤال بحيادية: من يُهرّب الدولارات، أيّ من يُهرّب إلى من؟، ومثلما يتهم لبنانيون بتهريب الدولارات إلى سورية، فهناك أيضا في سورية، وبعيداَ عن أضواء الأعلام، من يتهم جهات لبنانية وسورية بتهريب الدولارات من سورية إلى لبنان!
نعم، السؤال الفعلي هو: من يهرب الدولارات إلى من؟
تقارير مفبركة
منذ عامين تتحفتنا بعض محطات التلفزة بتقارير مفبركة عنوانيها مثيرة ومستفزة للبنانيين مثل (هكذا تُهرّب دولارات ومحروقات اللبنانيين إلى سورية)!!
ولو عكسنا الكلمات لكان العنوان الأدقّ هو( هكذا كان يتم تهريب المحروقات والدولارات من سورية إلى لبنان)!
على مدى عقود كانت الكثير من المناطق اللبنانية تعتمد على المازوت السوري الرخيص، ولم يتبدل الوضع إلا بعد الحرب الإرهابية على سورية، في حين إن ثلث احتياطي البنك المركزي اللبناني يعود لدولارات السوريين التي هرّبها تجار ورجال أعمال، وعدد كبير من الفاسدين الذين استغلوا مناصبهم العامة للإثراء غير المشروع!
والسؤال: هل ما يستورده لبنان من محروقات يكفي احتياجات قطاعاته الإنتاجية والخدمية أساسا، كي يقوم البعض بتهريبها بكميات كبيرة إلى سورية؟
نعم، هناك تهريب للبنزين اللبناني، ويباع على الطرقات، ولكن ماذا يُشكل بالنسبة لسورية؟
ومن الملفت أن يُعلن مصرف لبنان مع كل تدهور لسعر الصرف بأن (ارتفاع سعر الصرف ناتج عن تهريب الدولار خارج الحدود)!
ماذا سيفعل المهربون؟
حسنا، لنفترض أن ما يزعمه مصرف لبنان، وما تُروج له بعض وسائل الإعلام اللبنانية صحيحاً فليجب بعضهم عن السؤال: ماذا سيفعل المهربون بالدولارات في سورية؟
قطعاً، لن يمنحونها مجانا للحكومة السورية، ولا للتجار، وبالتالي المنطق يقول أنهم سيتقاضون مقابلها إما ليرات سورية أو يشترون بها سلعا..الخ!
السؤال: هل سيعودون إلى لبنان بملايين الليرات السورية وسعرها غير المستقر.. وماذا سيستفيدون من هذا العمل اللامنطقي؟
ولنفترض أن المهربين يسعون لشراء سلع سورية بالدولارات اللبنانية، فما هي هذه المواد الفائضة في الأسواق السورية الأرخص من مثيلاتها اللبنانية، هذا في حال افترضنا أنهم تجارا وليسوا مهربين؟
أما أغرب المزاعم فهي ما أتحفنا به منذ فترة النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري بتصريح مضحك (أن المقصود بتهريب الدولار إلى سورية توجّه تجار سوريين إلى منطقة شتورا في البقاع القريبة من الحدود السورية محمّلين بكميات كبيرة من العملة السورية لتبديلها بالدولار)!!
ترى من سيصدق هذه الكذبة سوى السذج وأعداء سورية، تصوروا أن ملايين الليرات السورية أصبحت بأيدي اللبنانيين سواء في البقاع أو في قلب بيروت.. ماذا سيفعلون بها؟
هل سيعودون بها إلى دمشق أو حمص لشراء سلع ومواد أغلى من أسواقهم باستثناء الخبز الحكومي؟
الدولارات السورية لتمويل المستوردات
نعم، الصورة مقلوبة تماماً، عدد من شركات الصيرفة وخاصة القريبة من الحدود تقوم بتبديل الليرات السورية إلى دولارات، لكنها تعيد استبدالها سريعاً أي بيعها للسوريين المقيمين في لبنان الذين يتقاضون أجرهم أو يتلقون مساعدات بالدولار لتحويلها مباشرة إلى ذويهم في سورية!
ولا ننسى أن القادمين إلى لبنان من السوريين سواء بقصد السياحة والعمل والتسوق، أو حتى من التجار، تأتي بالدولارات السورية لتبيعها في لبنان وليس العكس.
وما يحصل فعلياً وعلى عكس ما قاله النائب السابق لحاكم المصرف، فإن التجار السوريين يأتون إلى لبنان منذ أكثر من عشر سنوات محمّلين بالدولارات المهربة من سورية، لتمويل مستورداتهم القادمة عبر لبنان بالتنسيق مع نظرائهم اللبنانيين، وهم قطعا لا يأتون بأكياس معبأة بملايين الليرات السورية لاستبدالها بدولارات لبنانية!!
وعندما تأتي الاتهامات بتهريب الدولار إلى سورية من نواب كوليد جنبلاط أو سمير جعجع، أو إعلاميين مأجورين، فهذا يعني إننا أمام حملة سياسية تخدم أعداء سورية، أكثر منها اتهامات تحرص على مصالح اللبنانيين!
إشغال اللبنانيين عن السرقة!
ولا يمكن فصل الحملات المغرضة والمفبركة حول تهريب الدولارات من لبنان إلى سورية عن عمليات تهريب المصارف اللبنانية، بالتواطؤ مع مصرف لبنان المركزي، بتهريب مليارات الدولارات العائدة للبنانين إلى الخارج من جهة، أو التفريط بها من قبل الحاكم لتمويل عمليات وصفقات مشبوهة وفاسدة لزعماء الأحزاب الطائفية في لبنان!
إن إشغال اللبنانيين بأن دولاراتهم يتم تهريبها إلى سورية، هو بهدف تصويب الاتهامات إلى وجهة أخرى، كالقول أن لبنان أهدر 20 مليار دولار في السنوات الثلاث الأخيرة من احتياطي مصرف لبنان لدعم سلع وبضائع تم تهريبها إلى سورية!!
تصوروا مدى سذاجة هذه الكذبة: مصرف لبنان يموّل مستوردات سورية، ويرفض تمويل المحروقات الضرورية لتأمين الكهرباء للبنانيين!
الحقيقة أن التجار السوريين هرّبوا الدولارات من سورية لتمويل مستورداتهم عن طريق لبنان، فأضعفوا الليرة السورية وخفضوا قيمتها الشرائية، ولا دخل لدولارات المصرف المركزي اللبناني بالمستوردات السورية!
وفي حال كان الأمر صحيحاً، أي أن التجار السوريين حصلوا على دولارات من المركزي اللبناني لتمويل مستورداتهم ، وهو احتمال غير مستبعد، فهم يستجرونها من ملياراتهم المودعة في المصارف اللبنانية، فلا المصرف المركزي، ولا المصارف اللبنانية مخولة بتمويل المستوردات السورية، فهذه دعابة سمجة جدا، وإن صدقها السذج من اللبنانيين والسوريين!!
أما بالنسبة إلى تهريب المحروقات من لبنان إلى سورية، فإنها لا تغطي سوى نسبة ضئيلة جدا من حاجة السوريين، وهي حكر على قلة من المقتدرين ماليا، يقابلها تهريب مواد أكثر أهمية من سورية إلى لبنان كالأغنام واللحوم والأدوية..الخ.
وكان اللبنانيون في المناطق الحدودية يقولون جهراً على مدى عقود أن مازوتهم وأدويتهم وخبزهم من سورية، ومع ذلك لم نسمع في سورية أي أصوات منددة ومتهمة اللبنانيين بتهريب احتياجاتهم الأساسية إلى لبنان!
التهريب بين البلدين لم ولن يتوقف
ما يثير الريبة والشكوك حول التركيز مراراً وتكراراً على تهريب الدولارات والمحروقات إلى سورية أنها ليست سوى تحريض ضد سورية خدمة للأمريكان، ولتوجيه أصابع الاتهام إلى أن سبب معاناة اللبنانيين هو سورية وليس الحصار الأمريكي!
لبنان وسورية مثل أي بلدان حدودية لم ولن يتوقف التهريب فيهما بالاتجاهين معاَ، وليس باتجاه واحد أي من لبنان إلى سورية فقط، فطالما هناك سلعة أرخص فستُهرب إلى أسواق البلد الآخر، وليس بمقدور السلطات في البلدين التحكم بحدود مشتركة تبلغ 375 كيلو مترا، والمهربات تشمل الكثير من السلع (محروقات وخضراوات وماشية وسجائر وخبز وطحين وأدوية وأدوات كهربائية وزيوت..الخ.