القمح لايزال خارج الحسابات الحكومية.. والفلاح يعود كل موسم “بخفي حنين”
دمشق – مادلين جليس
مرة أخرى يتصدّر سعر القمح اهتمام الجانب الحكومي على الأقل في الاجتماعات والقرارات التي لا تنصفه أبداً، ولا تنصف المزارعين الذين لم يتوقفوا عن تقديم الشكوى بخساراتهم السنوية تحت طائلة التهديد بالعزوف عن زراعة القمح واستثمار أراضيهم في جوانب أخرى، أولها بيع هذه الأراضي والانتفاع بثمنها من الفوائد البنكية التي تتحصّل جراء إيداعه في أحد البنوك.
وإن كانت الحكومة قد “جارت على نفسها” – كما يقول المثل – برفع السعر إلى 2800 ليرة للكيلو غرام الواحد، إلا أن الفلاح قد “جار” على محصوله كله، وعلى تعب عام كامل بشهوره وأيامه في بيع هذا المحصول للحكومة، والرجوع بعد كل هذا العمل “إيد من ورا وإيد من قدام”.
دعم قاصر
لكن السعر أقرّ من اللجنة الاقتصادية المكونة من 12 جهة، ولا يمكن لأي أحد أن يغيره، كما يؤكد نضال شاهين عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الفلاحين.
مع ذلك، لم يخفِ شاهين استنكاره للدعم الحكومي الذي وصفه بأنه لا يرقى للمستوى المطلوب بما يشجع الفلاح للاستمرار بهذه الزراعة للمواسم القادمة
ولا يتوقف الأمر عند قلة أو نقص الدعم الحكومي، بل يتعداه إلى عدم وصول هذه “القلة” لمستحقيها وهو ما يؤكده كثير من الفلاحين في كل من اللاذقية وحمص وحماه على حد سواء، مشيرين إلى أن أغلبهم لم يستلم مخصصاته المقررة له من المازوت والأسمدة، ما اضطره لشرائها من الأسواق بأسعار مرتفعة زادت أعبائه.
تصل نسبة ممن لم يحصلوا على مخصصاتهم إلى أكثر من 60% من العدد الإجمالي للفلاحين، وهو برأي شاهين غير مقبول أبداً خاصة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة، الأمر الذي يزيد الأعباء على الفلاح الذي أصبح خاسراً في كل الأحوال، والذي لم يشعر بالرضى حتى لو تجاوزت تسعيرة القمح 3000 ليرة.
عضو مجلس الشعبي عن قطاع العمال والفلاحين حكمت العزب، ورئيس اتحاد الفلاحين سابقاً، أكد أن مبررات الحكومة في تحديد سعر القمح بمبلغ ٢٨٠٠ ليرة سورية غير منطقية، خاصة بعد المطالبات الكثيرة وعلى رأسها مطالبة أعضاء مجلس الشعب بزيادة هذه التسعيرة.
وتساءل العزب: كيف يمكن أن يكون سعر البرغل في الأسواق بـ 6000 أو 7000 ليرة، مع العلم أنه من محصول القمح في العام السابق، والذي اشترته الحكومة من الفلاحين بسعر 1900 ليرة للكيلو الواحد؟ وأضاف: هل من المعقول أن تكون كلفة تحويل القمح لبرغل تتجاوز ثمن القمح بثلاثة أضعاف؟ هل ترى الحكومة أن هذا السعر من وجهة نظرها سيشجع الفلاح على زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، والذي هو قوت الشعب اليومي، في العام المقبل؟
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لأعضاء مجلس الشعب عامة ولفئة العمال والفلاحين منهم على وجه الخصوص بعدم سماع أصواتهم للدفاع عن الفلاحين، إلا أن العزب أكد أن المجلس طرح في اجتماع يوم الأحد مسألة تسعير القمح وأن أغلبية الأعضاء طالبوا برفع التسعيرة لكن لم تتم الاستجابة لذلك، بل وجاء التأكيد من الحكومة أنها شكّلت عدة لجان لدراسة أسعار القمح وأخذت السعر المتوسط مع إضافة نسبة تتراوح بين 25% إلى 30%هامش ربح للفلاح.
وبما أن التسعيرة قد أقرّت بعد إجراء دراسات حكومية متعددة، بحسب التصريحات الحكومية، فلم يكون الفرق بين التسعيرة السابقة والحالية أقل من شهر؟ هل اعتمدت الحكومة أيضاً على دراسة؟ وما المتغيرات التي طرأت، والتي جعلت رفع السعر أمراً واجباً أقرته الحكومة منذ أيام بمبلغ 2800 ليرة؟ والكلام للعزب.
اعتكاف الزراعة
وعلى الرغم من أن المواضيع السعرية والاقتصادية غالباً ما تأخذ منحى تضارب الآراء بين صحتها أو عدمه، إلا أن تسعيرة القمح استطاعت أن تجمع كل الآراء حول وجوب أن تكون أعلى ومنصفة للفلاح الذي باتت الحكومة قاب قوسين أو أدنى من خسارته وخسارة محصوله من القمح للأبد.
يتوافق الخبراء والاقتصاديون والفلاحون على حد سواء في أن تكاليف إنتاج القمح أعلى من التسعيرة، وكما يؤكد الخبير التنموي أكرم عفيف فإن الحكومة بررت أنها سعّرت القمح في العام السابق بناء على السعر العالمي له، لكنها في المقابل تناسب سعر المحروقات في الأسواق، وسعر الأسمدة كذلك، خاصة أن الدعم الذي وعدت به للفلاحين لم يصل ولا نصفعه لهم.
ورأى عفيف أن ما يتكبّده الفلاح من تكاليف في سبيل إنتاج هذا المحصول الهام يجب أن يحظى بتقدير حكومي أقله في دعمه بالمحروقات والأسمدة، وتقديم السعر المناسب له.
وأشار عفيف أن الفلاح على استعداد ألا يكون ربحه وفيراً أو يكون قليلاً لكن الخسارة المتتالية على سنوات تجعله مضطرا لوقف الزراعة وبيع أرضه والاستفادة من ثمنها في إيداعه في البنكوك وانتظار الفوائد المتحصلة منه.