مجلة البعث الأسبوعية

في خضم فوضى الأسواق.. تجار تائهون ومستهلك يدفع الثمن! لكل طرف مبرراته.. التاجر يلقي اللوم على القرارات غير المدروسة، والوزارة تصفهم بضعاف النفوس!

البعث الأسبوعية – محمد العمر

لا تزال الارتفاعات المتتالية للأسعار تلقي بظلالها وانعكاساتها السلبية على الأسواق، في وقت تخرج أصوات من هنا وهناك من تجار ومنتجين وصناعيين  بضرورة الإسراع في معالجة خلل مكامن إصدار القرارات المتعلقة بالتسعير وتمويل المنصة وتثبيت سعر الصرف، وغيرها من الأمور التي تحقق الاستقرار بالاقتصاد، مع الإشارة هنا إلى أن مسألة إخضاع السوق للعرض والطلب وتحرير الأسعار كان مصيرها الفشل في خطواتها الأولى، إذ كانت مجرد تصريحات فُهمت  بشكل خاطئ ليأتي الرد الحكومي سريعا بأن الأمور باقية على حالها دون تغيير!.

عاملان

مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية نضال مقصود أشار إلى أن الوزارة تتدخل بالأسعار عبر عاملين رئيسيين، نشراتها السعرية في تحديد الأسعار، والرقابة الموجودة على مدار اليوم والتي يتم من خلالها ضبط الأسواق في المحافظات، حيث تقوم اللجان المختصة في اجتماعاتها المستمرة مع كبار المنتجين والمستورين بدراسة التكاليف وإخضاعها لنسب الأرباح المحددة، مشيراً إلى عدم إصدار أي نشرة بدون حضور ممثلين عن اتحاد غرف التجارة أو الصناعة أو الزراعة، وبين  أنه لا يوجد أي مبرر لأية جهة كانت مهما تعددت أن تقول إن وزارة التجارة الداخلية لا تأخذ بعين الاعتبار التكاليف الفعلية الحقيقية والتي يتحملها أصحاب الفعاليات.

هذا المطلوب!

نوه مقصود بأن المطلوب من المنتجين والمستوردين وتجار الجملة تقديم بيان للكلفة والإعلان عن الأسعار وفق الفواتير التداولية التي تحرر من قبلهم واعتماد الفاتورة التي تعتبر هوية السلعة كأساس في تحديد أسعار الأرباح المحددة، والتي باتت ملزمة لجميع الفعاليات للتداول لمعرفة مصدر المادة وسعرها وتكاليفها وتحديد الجهة المسؤولة عن التلاعب بالسعر، معتبراً أن التعميم الذي صدر الخاص بتحرير الأسعار بالأسواق وربطها بالفواتير أنه تم فهمه بشكل خاطئء من قبل  التاجر، فالربط الالكتروني والفوترة المطبقة لاحقاً ستلزم الجميع بمعرفة التكاليف الحقيقية، خاصة أن المرسوم رقم 8 جاء ليحافظ على المستوردين والمنتجين الذين يعملون وفق الأنظمة القوانين ويكون رادعاً بنفس الوقت لضعاف النفوس المتلاعبة بلقمة عيش المواطن.

استقرار نسبي!

وحول ارتفاع التكاليف أوضح مقصود أن الفترة الحالية تشهد استقراراً نسبياً بكلف المواد تختلف عن المرحلة السابقة، مما يفسح المجال للجنة التسعير لأن تجمع البيانات وتدرسها وتصدر الصكوك لكل سلعة أو مادة على حدة، لتعمم على جميع المديريات بهذا الشأن، أما عن نسب الأرباح فتعد ثابتة لكل البائعين في جميع الأماكن محلات كانت صغيرة أو كبيرة، رغم أن هناك جهود ومحاولات تبذل لتخفيض التكاليف، متحدثا عن انفراجات بالأسعار خلال المرحلة المقبلة نتيجة القرارات التي ستساهم في ضبط السوق.

غموض!

يرى محمد الحلاق عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن كل شيء بات غامضاً فيما يحدث بالأسواق، حتى غدا التاجر تائهاً بين قانون التسعير المتخذ من قبل وزارة التجارة الداخلية وتطبيق تحرير الأسعار المعتمد على الفاتورة المعطاة حسب التكاليف، لتكون النشرة السعرية والتي هي خارج حسابات التكاليف الحقيقية  بمثابة أبرة مخدر للمواطن، فالأسعار المقدمة حسب هذه اللوائح السعرية غير حقيقية ، والمواطن حين يراها يجد أن هناك شرخاً كبيراً بين أسعار النشرة  التموينية وأسعار السوق، وكأن دوائر التسعير لا تعرف القيم الحقيقية للمنتجات أو السلع!

عوائق

وبين الحلاق أن المواطن يضع كل الحق على التاجر، ولكن لا يعرف أن الأسعار تختلف كل ساعة ولحظة، وأن هناك عوائق أمام التاجر ليأتي ببضاعة جديدة من خلال منغصات تمويل المنصة  التي تحتاج إلى فترة تمتد ما بين 4 إلى 5 أشهر لتحرر البضاعة، موضحاً أن القرارات الموجودة أدت إلى زعزعة الثقة في الأسواق، بعدما أدخلت المنصة مفاهيم جديدة وتعقيدات لها أول وليس لها آخر، حتى صارت المنتجات بهذا الارتفاعات أغلى بأسعارها من الدول الأخرى.

مجرد كلام

ويجد ياسر اكريم عضو غرفة تجارة دمشق أن تحرير الأسعار كان مجرد كلام بالبداية حين صدر التعميم من وزارة التجارة بتداول الفواتير وفق بيانات تكلفة المنتج، إذ لا يوجد هناك تحرير أسعار بالأصل خاصة أن التسعيرة الوزارية لا زالت تصدر حسب التكاليف التي تراها مناسبة، وهي تسعيرة لا تتوافق مع الواقع نهائياً، وهي أقل من التكلفة، الأمر الذي يسبب إرباكاً بالأسواق ويجعل هناك فجوة شاسعة بين السعر الحقيقي والتسعيرة الرسمية، مبينا أن أسعار المواد والمنتجات الغذائية التي ترتفع بالأسواق لا تتناسب مع الواقع، وارتفاع معظمها يعتمد على عدة عوامل منها قلة التوريد وعدم الاستيراد بالقدر الكافي كمادة الزيت مثلاً، والتي باتت بأسعارها أغلى من الدول المجاورة، لتبدو الندرة باستيراد المادة واضحاً بعد الحرب الأوكرانية، أما ارتفاع البضائع الأخرى فيعود سببه إلى عملية تمويل المنصة التي أوجدت نوعاً من المشاكل والتحديات أمام المستورد الذي يحتاج إلى فترة من الوقت تمتد الى 3 أشهر وأكثر ليحصل على ما يريد، فما يطلبه المستورد اليوم هو إلغاء المنصة عن كل المواد الأولية الأساسية الاستراتيجية التي تدخل في تصنيع المواد الغذائية، سيما أن المنصة تشكل عائقاً أساسياً في نقص المواد بالأسواق، ناهيك عن إبطاء رأس المال لفترة زمنية طويلة، وهذا ما يؤدي كله بالنهاية لعدم انتظام عمليات الاستيراد.

وأشار اكريم إلى أن دخل المواطن يعتبر منخفضاً، وهو لا يتماشى مع واقع الأسعار الحالية، مما سبب ضعفاً بالقدرة الشرائية أثر على حركة الأسواق وجعل الزبون تائهاً في ظل الارتفاعات، داعيا إلى ضرورة رفع الدخل للمواطن وضبط الأسعار، وترك المواد والأسواق تخضع للعرض والطلب.

لم تنجح

ويتفق فايز قسومة عضو غرفة تجارة دمشق مع آخرين من أن غموضاً ساد في بداية الحديث عن تحرير الأسعار، حيث أنها تجربة لم يكتمل لها النجاح، وقد فشلت بعدما بدت جزئية غير ناضجة الملامح والحلقات، خاصة في ظل ارتفاع متتالي للأسعار، حيث لا يزال أمام الحكومة خطوات لإزالة التحديات من أمام المستوردين والمنتجين من خلال إلغاء المنصة والتي تعتبر سبباً رئيسياً في تعقيد وإرباك الأسواق، والتي بنفس الوقت لم تتمكن من الحفاظ على سعر الصرف بتأخرها لتسليم البضاعة لشهور، مما يجعل التاجر يتحوط في ذلك خوفاً من خسارته الأمر الذي سنعكس سلبياً على  أجواء التنافسية.

فلتان

وفي ظل الارتفاعات المتتالية التي شملت جميع المواد الغذائية دون انخفاضها في شهر رمضان وبقاء التضخم على حاله، يصف أمين سر الجمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها عبد الرزاق حبزة أن ما يحدث بالأسواق بالفلتان والفوضى، والأدهى أن الأسعار بما فيها الخدمات ارتفعت أكثر من الأول، مرجعاً سبب ارتفاع الأسعار إلى تعميم وزارة التجارة الداخلية الذي تم فهمه بشكل خاطئ، إلا أن النشرات استمرت ولم تتوقف إلى الآن، حيث زادت الأسعار أكثر من 35 بالمئة، والمواطن بهذه القدرة الشرائية المتواضعة -وفق رأيه- صار في أدنى مستويات العيش، فكل شيء ارتفع حتى باتت موائد أكثر السوريين فارغة من اللحوم والبيض والفاكهة، لتعيش الأسواق في انفلات واضح من غياب الأجهزة الرقابية الحكومية، ولتكون حادثة الزلزال  السابقة مسوغاً لضعاف النفوس من التلاعب بالأسواق على مزاجهم الخاص وخاصة فقدان المواد بحجة الطلب عليها بعد الزلزال، ويبقى المواطن محتارا وسط ضجيج الأسعار وغليانها، فمن المسؤول عن الفوضى الحاصلة في خضم ما يسوقه كل طرف من الأطراف المعنية بهذا المشهد من مبررات؟، فالتاجر يلقي اللوم على القرارات غير المدروسة،  في حين أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تصف التجار بضعاف النفوس الذين يسعون لتحقيق الأرباح على حساب المواطن!

أخيراً

إذا ثمة تساؤلات عديدة تطرح نفسها في ظل انعدام القدرة الشرائية للمواطن، وغياب أي أفق، أو حلول أخرى تضبط الأسواق على المدى القريب، لاسيما إذا ما علمنا أن المستهلك هو الحلقة الأضعف في سلسلة حلقات الوساطة التجارية رغم أنه العنصر الأهم في هذه السلسلة والأكثر قدرة على إعطاء الزخم أو منعه لحركة كل عنصر من عناصر السلسلة وضبط إيقاعها وتجييرها لصالحه وبالتالي تحقيق التوازن واستقرار الأسعار بما يتناسب مع وضعه المعيشي، وذلك من خلال اتباع أساليب تجبر التجار على طرح موادهم وسلعهم بأسعار تناسب دخله من قبيل مقاطعة السلع التي تتمرد وتجنح بالتحليق إلى حدود اللامعقول، إلا أننا نلاحظ أنه لايزال يتكئ على الجهات الحكومية المعنية بمراقبة الأسواق وضبط أسعارها، ولعل هذا الأمر دفع التجار إلى التمرد والتفرد بوضع هوامش ربح عمادها الأساسي غبن المستهلك والطمع بربح وفير وغير مبرر، وليقتصر دور أجهزة حماية المستهلك  بما يخص الأسعار فقط بمراقبة الإعلان عن السعر دون التدخل به.