لا يسمعون إلا الوعود.. صعوبات العمل تزيد معاناة أكثر من 25 ألف عامل في السويداء!
نحو 25 ألف عامل في محافظة السويداء تقوم على أكتافهم كامل العملية الإنتاجية خلف خطوط النار في الأفران، وعلى الأنوال في معمل السجاد، وخلف الآلات في الشركة السورية لتصنيع العنب، ومع المواطنين في القرى، يقومون بأعمال النظافة، وعلى أعمدة الكهرباء، وفي آبار المياه، وغيرها في الكثير من مواقع العمل والجبهات التي ينتشرون بها غير آبهين بالمخاطر والظروف الصعبة، وهدفهم تأمين الخدمة للمواطنين، فكانوا أوفياء بكل معنى الكلمة، فهم جنود مجهولون وقفوا بكلّ صبر واحتمال رغم كلّ الظروف المعيشية الصعبة، واستمروا بالعمل رغم كلّ المعوقات والصعوبات التي لا تحتمل في كثير من تفاصيلها، ولم تثنهم قساوة المعاناة عن الثبات خلف خطوط الإنتاج، وفي معاملهم ومؤسساتهم، فكانوا صنّاع الحياة مستمرين في العطاء والتضحية والإنتاج.
جولة ميدانية
“البعث” زارت العديد من مواقع العمل والإنتاج التي كانت نابضة بالوطنية، والشعور العالي بالمسؤولية، وهي حالة عامة ومشتركة بين جميع العمال في معامل السجاد والأحذية والكهرباء والذين كان حديثهم عن مشكلاتهم يترافق دائماً بعبارة “عندما تتحسّن الظروف”، فاستمعنا ورصدنا واقع العمل، والمطالب العمالية، والتحديات التي تواجه المسيرة الإنتاجية، وأهمها نقص العمالة، والاعتماد على العمال المؤقتين، وقدم الآلات، وضعف نظام الحوافز والمكافآت.
بيئة عمل قاسية
في معمل الأحذية كانت محطتنا الأولى، والانطباع الأول الذي ينتاب الزائر أن مجرد وجود العامل في تلك البيئة القاسية يجعل كافة مطالبه محقة، حيث أصبحت المواد الكيميائية، وغبار الآلات وقدمها، هي الهواء الذي يستنشقه العمال، وصوت ماكينة الخياطة وآلة القص هي الموسيقا الوحيدة التي يسمعونها طيلة اليوم، كما تقول العاملة سعاد قيسية وهي متعاقدة بعقود موسمية طالبت بتثبيتها هي ورفاقها ليشعروا بالاستقرار لعلّ ذلك يخفف من معاناة وجودهم في مثل هذا النوع من العمل.
ويضيف عماد عباس الذي يعمل في المعمل منذ عام ١٩٨٨ ومازال متمسكاً بخطوط الإنتاج طيلة ٣١ عاماً أن هذا المعمل هو بيته الذي رافق تطوره منذ البدايات، ويشعر اليوم بالفخر وهو يصنع البوط العسكري لبواسل جيشنا وهم يقاتلون الإرهاب.
الابتسامة التي لم تفارق وجه عباس كانت تخفي خلفها الكثير من المطالب التي وجد أن الحديث عنها غير مجدٍ لأن القاصي والداني يعرفها منذ عشرات السنين، لكن لم يحرك أحد ساكناً لحلها، وخاصة في مجال تحديث الآلات وتوفير بيئة آمنة للعمل.
الحوافز قليلة
وفي الجناح الثاني للمعمل تجلس سهاد خلف ماكينتها منذ ٢٢ عاماً، حيث باتت رفيقتها، تقضي معها ساعات طويلة يومياً من السابعة صباحاً حتى الثالثة ظهراً، مشيرة إلى أن نقص العمالة يحمّلها والعمال الآخرين أعباء وجهوداً إضافية لا تتناسب مع حوافزهم القليلة في هذا القطاع الإنتاجي، وما يتعرّضون له من مخاطر صحية، يرافقها غياب الضمان الصحي.
ويبقى المهمّ بالنسبة للعمال هو إعادة النظر بنظام الحوافز من قبل الشركة العامة لصناعة الأحذية ليناسب الوضع الحالي للعمال، وتخصيص نسب من أرباح المعمل لمصلحتهم، وتشميلهم بالمهن الخطرة، والضمان الصحي، وخاصة مع تعرّض العديد منهم لأمراض تنفسية خطرة.
نقص العمالة
وفي معمل السجاد التقينا العمال وكانوا في فترة الاستراحة، جمعهم رغيف خبز وبضع حبات من الزيتون، والمحزن أن ترى تجاعيد حفرتها عشرات السنين على الخدود، آلامهم مشتركة وكذلك آمالهم، يشعرون بأن العديد من مكاسبهم السابقة ومن حقوقهم المشروعة قد ضاعت في غفلة منهم نتيجة قرارات جائرة، ورغم مطالبهم المتكررة لكن أصواتهم مازالت تصطدم بعقلية من يعملون من وراء المكاتب ولا يشعرون بحال العمال.
وتتلخص المعوقات في نقص العمالة الفنية والإدارية وكبر سن العمال الحاليين، وتعرّضهم لأمراض مهنية، وقدم الآلات، وعدم توافر القطع التبديلية اللازمة لها، وكان من أهم المطالب تثبيت العمال المؤقتين الذين مضى على وجودهم أكثر من عامين خوفاً من تسربهم، وبالتالي خسارة خبرتهم التي اكتسبوها، وللعلم يبلغ عدد العمال حالياً 86 عاملاً، بينما يصل الملاك العددي للوردية الواحدة فيه إلى 152 عاملاً، وتلقت إدارة المعمل الذي انطلق العمل به منذ عام ١٩٧٩ وعوداً كثيرة بتزويدهم بنول جديد، إلا أن تلك الوعود لم تبصر النور حتى اليوم!.
حلول سريعة
في اتحاد عمال المحافظة وجدنا الكثير من الكتب والمراسلات موثقة لتلك المطالب، وإن كانت تلك الكتب تحمل تواريخ متعدّدة وأسماء مختلفة لجهة التوقيع والخاتم، إلا أنها تحمل المطالب ذاتها، وبعضها يعود لعشرات السنين.
وأشار هاني أيوب رئيس اتحاد عمال السويداء إلى أن أهم المطالب التي تحتاج إلى حلول سريعة، هي نقص العمال، والاهتمام بأجور وحوافز العمال، وبيّن أن اختلال التوازن بين الأجور والأسعار والفجوة بينهما سبّب عدم الاستقرار النفسي، وعدم الارتباط العضوي للعامل بعمله. وطالب أيوب (وهو مطلب دائم لاتحاد العمال العام) بتعديل قانون العاملين الأساسي، وإعطاء طبيعة العمل ميزات خاصة بالتوصيف الوظيفي، وتأمين النقل الجماعي لكافة العاملين، حيث تمتصّ أجور النقل أكثر من نصف الراتب في بعض الحالات، بالإضافة إلى إعادة النظر بالتأمين الصحي، وتوسيع خدماته، وإعادة النظر أيضاً بسعر المحروقات، وخاصة مادة المازوت، وكذلك ملء الملاك العددي لمؤسسات الخدمة، رغم أن هذا الملاك عمره 30 عاماً، ولم يعد يراعي التطور الحاصل في طبيعة عمل هذه المؤسّسات، ومع ذلك هناك نقص في هذا الملاك، وبحسب أيوب فإن هذا ينعكس سلباً على العمال الحاليين الذين يبذلون جهوداً مضاعفة، كمثال ما يحدث في مركز العمران في ناحية المشنف، حيث يوجد فيه موظف واحد يقوم بكافة المهام الإدارية، والمالية، والقانونية، ومطلوب منه تقديم خدمات للمنطقة الشرقية كاملة من محافظة السويداء، وأيضاً هناك حالة مشابهة في مركز القريا الذي انخفض فيه عدد العمال من 8 إلى موظفتين!.
السويداء- رفعت الديك