مجلة البعث الأسبوعية

محرومون من الأمل والمستقبل.. أطفال أمريكا “قوة عمل الظل”

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

إن استخدام عمالة الأطفال ليس مجرد انتهاك للإنسانية وحقوق الإنسان، بل هي أيضاً بمثابة تراجع الحضارة الإنسانية والتقدم. في عام 1999، صادقت جميع الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية، وعددها 187 دولة، على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال “رقم 182” ، بما في ذلك الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أصبح القضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال التزاماً دولياً، ومع ذلك اتخذت الولايات المتحدة خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بحقوق عمالة الأطفال في السنوات الأخيرة.

في الوقت الحالي، تعاني الولايات المتحدة من عمالة الأطفال غير القانونية في العديد من الصناعات، مما يجبر الأطفال على أسوأ أشكال العمل التي تهدد صحتهم وسلامتهم وأخلاقهم. وفي هذا السياق أظهر التقرير الجديد الصادر عن “معهد السياسة الاقتصادية” الأمريكي في آذار الفائت أن ما لا يقل عن 10 ولايات قد أدخلت، أو أقرت قوانين تلغي تدابير حماية عمالة الأطفال في العامين الماضيين. وهنا تقف “المساواة” و “حقوق الإنسان” التي وضعتها الولايات المتحدة بنفسها في تناقض صارخ مع الاستغلال الوحشي لعمالة الأطفال، وانتهاك حقوق الأطفال في الواقع.

الشر الحديث للولايات المتحدة

للولايات المتحدة تاريخ مظلم فيما يتعلق بالاستغلال الوحشي لعمالة الأطفال، وهو خطيئة أصلية أخرى في التاريخ الأمريكي. في عام 1791، أشار ألكسندر هاملتون ، بصفته وزيراً للخزانة، في تقرير عن التصنيع إلى أن الأطفال لولا ذلك سيكونون عاطلين عن العمل، و يمكن أن يصبحوا مصدراً للعمالة الرخيصة.

كشف تعداد الولايات المتحدة لعام 1900 أن ما يقرب من 1.75 مليون طفل عامل تتراوح أعمارهم بين 10-15 سنة يعملون. وفي عام 1916، أقر الكونغرس الأمريكي قانون “كيتنغ أوين”، وهو أول حماية وطنية لعمالة الأطفال في التاريخ. إلا أن المحكمة الفيدرالية العليا في الولايات المتحدة قامت مع الأسف بإلغائه في عام 1918. وبعد سنوات من الجهود، لم يتم وضع معيار حماية لعمالة الأطفال في الولايات المتحدة حتى عام 1938، مع سن قانون معايير العمل العادلة.

على الرغم من اختفاء عمالة الأطفال علناً نتيجة للقانون، إلا أنها أصبحت ببساطة مشكلة “غير مرئية”، لأن القانون لا يحظر عمل الأطفال، ولكنه يضمن فقط أن عمل الشباب آمن ولا يعرض صحتهم ورفاههم للخطر، فإنه يوفر مظهراً خادعاً للتشريع مع استثناءات لعمل الأطفال. كما ينص القانون على أنه لا يجوز تشغيل الأطفال دون سن الرابعة عشرة في مهن غير زراعية. وهكذا، لا يزال مئات الآلاف من الأطفال الأمريكيين يعملون في المزارع، ويموت الكثيرون في حوادث زراعية أكثر من أي صناعة أخرى، ومع ذلك فإن القانون ينكر الحماية والعلاجات للأطفال ضد انتهاكات معايير العمل الدولية مثل المخاطر الصحية، وظروف العمل الخطرة، و تشغيل الأطفال دون السن القانونية.

في السنوات الأخيرة، ازدادت العمالة غير القانونية للأطفال في الولايات المتحدة سوءاً. ومن الواضح أن الاستغلال المؤسسي للقصر في الولايات المتحدة، من الماضي إلى الحاضر، كان دائماً بلا ضمير في جهوده لإخفاء وتشويه الحقيقة. ومن خلال خلق ثغرات في القانون من الناحية الفنية، وتمهيد الطريق لسلوك رأس المال الساعي للربح، يُسمح بالممارسة الخاطئة لقمع عمالة الأطفال واستغلالها علناً.

أوجه القصور المؤسساتي

يعكس التجاهل المؤسسي لحقوق عمالة الأطفال والتواطؤ مع عمالة الأطفال عيوباً هيكلية نموذجية وخطيرة في النظام السياسي والاجتماعي الأمريكي، وما العنصرية والأطفال المهاجرين والعمل القسري إلا تسميات لعمالة الأطفال الحديثة في الولايات المتحدة، وهذه المشاكل المتراكمة على مر السنين لا يمكن حلها بين عشية وضحاها. كما أن الزيادة في عمالة الأطفال غير القانونية هي أيضاً نتيجة لسياسة الهجرة الأمريكية، فمنذ عام 021 ، احتجزت إدارة بايدن عشرات الآلاف من الأطفال طالبي اللجوء، ومع ذلك تم وضعهم مع الكفلاء وعليهم قبول العمل القسري للبقاء على قيد الحياة.

في شباط 2023، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز”عن التوظيف غير القانوني للأطفال المهاجرين في وظائف خطرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك المسالخ، ومواقع البناء ومصانع السيارات. وأصبح الأطفال المهاجرين، الذين يعانون من الاستغلال القاسي “كقوة عمل الظل”، محرومين من الكرامة والأمل والمستقبل. ومن ناحية أخرى، عمل التشريع والقضاء الأمريكيان كمتواطئين ومتفرجين.

عندما تم تقديم قانون معايير العمل العادلة لعام 938 ، كان غالبية العمال الزراعيين في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة من الأمريكيين الأفارقة. ولذلك، فإن استثناءات القانون من حماية عمالة الأطفال في الزراعة لها جذور عنصرية كامنة، مما يبرز أن استغلال عمالة الأطفال يشكل جزءاً من العنصرية المنهجية في الولايات المتحدة. أشارت ريبيكا ديكسون، المديرة التنفيذية لمشروع قانون العمل الوطني، إلى أن استبعاد القانون لفئات كاملة من العمال من تدابير الحماية الحيوية هو وسيلة “للحفاظ على نظام يمكن لأصحاب العمل فيه الاستفادة من الاستغلال العنصري”.

لم تتواطأ الولايات المتحدة لفترة طويلة في استغلال عمالة الأطفال المهاجرين فحسب، بل خففت أيضاً بشكل متهور من الحماية التشريعية لعمالة الأطفال.  وقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في شباط الماضي أنه في العقد الماضي، رفع المدعون الفيدراليون الأمريكيون حوالي 30 قضية فقط تتعلق بالعمل القسري للقصر غير المصحوبين بذويهم، وكشف تقرير صادر عن معهد السياسة الاقتصادية الأمريكي في آذار الماضي أن الولايات في جميع أنحاء البلاد تحاول إضعاف تدابير حماية عمالة الأطفال، وأن أطفال الأسر الفقيرة، وخاصة الشباب السود والمهاجرين، سيتعرضون لأكبر قدر من الضرر.

مثال سيء على انتهاكات حقوق الأطفال

يكون عدد كبير من الأطفال في الولايات المتحدة، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الأقليات العرقية، أكثر عرضة للاستغلال الاقتصادي، وفقدان الفرص التعليمية. إن المرض المزمن المتمثل في التمييز العنصري، واللامبالاة تجاه رعاية المهاجرين، والتسامح المتعمد مع مسؤولية الشركات، لا يعيد إحياء الإرث التاريخي لاستغلال عمالة الأطفال في القرن التاسع عشر فحسب، بل إنه مليء أيضاً بالأكاذيب والخداع في معالجة مشكلة الأطفال. وقد أدى ذلك إلى ترسيخ أعمق في انتهاك حقوق العمال والتعدي على حقوق الأطفال.

وبصفتها الدولة العضو الوحيدة في الأمم المتحدة التي لم تصدق على اتفاقية حقوق الطفل، فقد تم إدانة الولايات المتحدة مراراً وتكراراً من قبل وكالات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لتخلفها في حماية حقوق الأطفال. وفي الوقت نفسه، بصفتها من الدول الموقعة على اتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال، لم تفِ الولايات المتحدة بفاعلية بالتزاماتها الدولية لحماية عمالة الأطفال. واستجابة لذلك، حثت لجنة الخبراء المعنية بتطبيق اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية الولايات المتحدة مرات عدة على اتخاذ تدابير لتعزيز إشرافها على عمالة الأطفال في الزراعة.

ومن المفارقات أن الولايات المتحدة تشير من ناحية، بأصابع الاتهام إلى دول أخرى وتنتقدها، وترفض استيراد سلع “عمالة الأطفال”، و “العمل القسري” من دول أخرى، بينما من ناحية أخرى، تستهلك وتتمتع بمنتجات عمالة الأطفال  الخاصة بها والعمل القسري، حيث يعكس هذا مرة أخرى بشكل قاطع وواضح الطبيعة المنافقة لـ “المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان” الأمريكية.