انتخابات تركيا.. ملفات ساخنة تنتظر حلولاً
سمر سامي السمارة
يركز العديد من خبراء الشرق الأوسط على كيف يمكن لنتائج الانتخابات المحورية في تركيا، التي ستجري في 14 أيار الجاري، أن تؤدي إلى تغيير النظام الإقليمي، حيث سيصوت الأتراك في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي قد تكون محورية في السياسة الوطنية المتقلبة للبلاد التي تطمح للعب دور الصدارة الإقليمية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تحدد الانتخابات المزدوجة مصير الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، الذي حكم البلاد لأكثر من عقدين.
اليوم، يواجه أردوغان وحزبه تحدياً شديد الوطأة مؤلفا من ستة أحزاب معارضة وحدت جهودها للوصول إلى منصب الرئاسة ومقاعد البرلمان وسط استياء متزايد من الجمود السياسي في البلاد، والإدارة الاقتصادية، والاستجابة البطيئة للزلازل المدمر الذي ضرب المنطقة في شباط وأودى بحياة 50 ألف شخص.
في الحقيقة، تهتم دول الجوار بنتائج الانتخابات في تركيا، وتأمل بأن تأتي بعهد جديد من السياسات الإقليمية التركية الأقل إشكالية، والتي يمكن التعويل عليها بشكل أكبر، فمنذ وصول أردوغان إلى السلطة في عام 2003، كرئيس للوزراء أولاً ثم كرئيس منذ عام 2014، أصبحت تركيا لاعباً أكثر فعالية على الساحة الإقليمية، وتدخلت بشكل كبير في العديد من الأزمات في الشرق الأوسط وخارجه.
أدى تورط البلاد في العديد من الصراعات الإقليمية، فضلاً عن سياسات أردوغان العدوانية، وسعيه المتواصل لإحباط المعارضة إلى ازدياد الكراهية تجاهه في العديد من دول الشرق الأوسط، لذا من المتوقع أن يكون لقضايا السياسة الخارجية، مثل وجهة نظر أنقرة نحو الغرب وعلاقاتها مع جيرانها، تأثير كبير على نتيجة الانتخابات، وتأمل المعارضة بجعل السياسة الخارجية التركية تتوجه بشكل أكبر نحو الداخل. كما وتسعى المعارضة التركية، بقيادة زعيم حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي لائتلاف المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، لحل المشاكل التي تواجه حكومة حزب العدالة والتنمية لاكتساب مزايا خاصة بها، خاصة تلك المتعلقة بالأزمة الاقتصادية، وفشل حكومة حزب العدالة والتنمية في الاستجابة بشكل مناسب للزلزال بهدف الإطاحة بأردوغان من السلطة.
تعتبر المعارضة الشأن الداخلي أولوية بالنسبة لها، خاصةً إلغاء الحكم الاستبدادي لأردوغان وسياساته الاقتصادية غير التقليدية، حيث يتهمه منتقدوه بالسعي إلى تشكيل نظام سياسي يتفق مع رؤيته السلطوية، ومحاولة بناء سلطنة عثمانية جديدة يكون على رأسها، كما تتهمه المعارضة باتباع سياسات اقتصادية دفعت ملايين الأشخاص إلى حافة الإفلاس المالي، وإلى تشريد ملايين آخرين في 11 مقاطعة تركية تضررت من الزلزال.
بموجب القانون التركي، فإن أي مرشح رئاسي يمكنه الحصول على أقل من نصف الأصوات هو فائز غير مؤهل، وستجرى انتخابات الإعادة في غضون أسبوعين إذا لم يحقق أي مرشح الفوز في الجولة الأولى. وجدير بالملاحظة أنه في حال تمت الإطاحة بأردوغان في الانتخابات، فستكون تحديات السياسة الخارجية التي تواجه المعارضة التركية هائلة، فقد كانت سياسته الخارجية عدوانية تهدف إلى تحويل تركيا إلى قوة إقليمية بأية حال، لذا سيتعين على أي زعيم جديد وحكومته التوصل إلى سياسة خارجية جديدة ترضي المجتمع التركي.
يرى مراقبون أن تحالف المعارضة سيواجه أيضاً العديد من التحديات على المستويين العالمي والإقليمي، بدءاً من العلاقات الصعبة مع الناتو والاتحاد الأوروبي، إلى إعادة بناء الثقة مع الدول المجاورة. وعلى الرغم من أن تركيا عضو في حلف الناتو، وأنها أقامت شراكة وثيقة وعمقت العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن أردوغان أثار حفيظة حلفائه الغربيين بعلاقاته مع روسيا، فضلاً عن العديد من المشاكل السياسية الأخرى.
وعليه، سيتعين على المعارضة حل الخلافات مع الغرب بشأن مجموعة من المسائل، بما في ذلك حرب الولايات المتحدة والناتو التي اندلعت في أوكرانيا ضد روسيا، ومستقبل تركيا في التحالف الغربي.
وعندما يتعلق الأمر بالدول المجاورة لتركيا بشكل مباشر، ستكون القضايا الأكثر إلحاحاً للمعارضة هي معالجة الأسباب الجذرية لعلاقة البلاد المضطربة مع محيطها بعد سنوات من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، حيث أدت “طموحات” أردوغان الإقليمية المتزايدة، بما في ذلك تدخله في العديد من النزاعات، واستعداده لشن عمليات عسكرية في الأراضي العراقية والليبية والسورية، وعدم تراجعه عن التنقيب على الغاز في منطقة متنازع عليها مع اليونان في البحر الأبيض المتوسط، إلى عزل تركيا بطريقة ما وألقت بظلال من الشك على علاقاتها مع جيرانها.
بالرغم من سعي أردوغان في السنوات الأخيرة إلى تغيير سياسته الخارجية، وذلك من خلال التقارب مع بعض القوى الإقليمية، مثل مصر والسعودية، إلا أن الانقسامات بين تركيا والدول الأخرى تتجاوز إيماءات أردوغان الودية المفترضة، فهذه الانقسامات هي نتيجة لعدم الثقة والإحباط العميقين لطموحات الزعيم التركي الحالي للعب دور الزعامة.
يرى مراقبون أن العودة إلى سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” ستكون حاسمة لاستعادة الثقة في علاقات تركيا مع بقية المنطقة. ونظراً لأن سياسات أردوغان النشطة أدت في كثير من الأحيان إلى انحيازه إلى الخلافات السياسية الداخلية للدول المجاورة، فإن الحكومة المستقبلية بقيادة المعارضة، في حال فوزها في الانتخابات، ستحتاج إلى معالجة عدد من القضايا مثل إنهاء تدخلات حرب العصابات التركية في العراق وسورية على سبيل المثال، وتدخلها العسكري في الخارج، في ليبيا على سبيل المثال أيضاً.
لقد توسع نطاق التدخل التركي في سورية منذ الحرب على سورية عام 2011، وتجاوز مجرد معالجة مخاوف مزعومة، حيث تطور التدخل التركي الذي بدأ سياسياً، إلى تقديم مساعدات عسكرية للعصابات الإرهابية، ومن ثم تحول إلى احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي السورية. وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن، إحدى عواقب سياسة أردوغان في سورية تتمثل في وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يشاركون الآن في نقاشات انتخابية، حيث تريد العديد من أحزاب المعارضة التركية، التي تقوم بحملتها لمناهضة المهاجرين، إعادة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم.
من الواضح أن أي حكومة تركية مستقبلية بقيادة معارضة، لابد لها من إعادة النظر في تورط البلاد في ليبيا، حيث تم نشر جنود أتراك ومقاتلين أجانب مرتبطين بها لتعزيز المصالح التركية في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط، كما ستحتاج المعارضة إلى اقتراح استراتيجية تركية بديلة في ليبيا تهدف إلى إنهاء التدخل العسكري في ذلك البلد وطمأنة جيران ليبيا بنواياها السلمية.
هذا وقد أثارت مطالبة تركيا بالمناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط عداء المطالبين المتنافسين وزادت التوترات الإقليمية، لذا أوضحت أحزاب المعارضة التركية أنها لا تدعم هذه الصفقات الأحادية من قبل أردوغان، وتدعي أنها تقوم بتطور خطط بديلة لتأمين مصالح تركيا في سوق الغاز الإقليمي.
من المؤكد أن أهمية تركيا بالنسبة للمنطقة، لا تقل عن أهمية جيرانها فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والسياسية للبلاد وأمنها، فالعلاقات بين الأتراك والعرب لها قرون من التاريخ، لكن الآراء تختلف حول ماذا وكيف نجوا في ظل أربعة قرون من الحكم العثماني. وفي الآونة الأخيرة، أدت “طموحات” أردوغان الإقليمية المتزايدة إلى توتر العلاقات الدبلوماسية، ما أدى إلى تأجيج المشاعر المعادية لتركيا ودفع الدول العربية على اتخاذ نهج حذر تجاه تركيا.
في الحقيقة، تحتاج الحكومة التركية المقبلة التي تفوز في الانتخابات إلى وضع كل هذه القضايا المعقدة في الاعتبار من أجل التوصل إلى الطريقة الأكثر فاعلية للتعامل مع جيرانها المتنافسين، وتمهيد الطريق لتعاون إقليمي أكثر إنصافاً وفائدة.