اقتصادصحيفة البعث

زوبعة في فنجان!

حسن النابلسي

أدى الارتفاع الحاد بسعر الصرف بالسوق الموازية إلى إغلاق أغلب المتاجر والمحال، في وقت سابق، حتى وصلت هذه الإغلاقات إلى المصانع، لأن توقف الحركة التجارية يتبعه حكما ايقاف الحركة الصناعية، إلا أن هذا الارتفاع لم يثير حفيظة “مدعي التجارة” بقدر ما أثارهم تعديله في نشرة الجمارك والطيران، لدرجة أنهم توعدوا بإيقاف الحركة التجارية نظراً لما سيتكبدونه من تكاليف إضافية – حسب زعمهم – علماً أن من يتكبدها هو المواطن في نهاية المطاف، إذ سرعان ما أغلقوا محالهم ليبرروا ما سيطرحونه من أسعار مضاعفة، وهذا ما حصل بالفعل في اليوم التالي، مع تأكيدنا بالطبع أن لا أحد مع أي رفع لرسم أو ضريبة على أيو سلعة أو خدمة مهما كان ضئيلاً، لأن من يتحمله كما أسلفنا هو المواطن!

ولعلّ التفسير المنطقي لردة فعل التجار على تعديل نشرة الجمارك والطيران هو أن أغلب تجارنا هم مضاربون ومستفيدون من ارتفاعات سعر الصرف والعائد المادي لخزينتهم، بينما ارتفاع سعر الدولار الجمركي هو عائد للخزينة العامة. وإذا ما تمحصنا انعكاس رفع سعر صرف الدولار في نشرة الجمارك والطيران، سنجد أنها في واقع الأمر ضئيلة، وتكاد لا تذكر، إذ أن نسبة الرسوم الجمركية على المواد الأولية الداخلية بالصناعة 1%، ونسبتها على المواد الغذائية المستوردة تتراوح ما بين 1 –  5%، وبالتالي إذا كانت قيمة بضاعة مستوردة 1000 دولار فإن الحد الأعلى لقيمة الرسوم هي 50 دولار، وكانت تبلغ قبل رفع السعر بالنشرة 200 ألف ليرة وبعد تعديل النشرة أصبحت 325 ألف ليرة، أي أن الفرق هو 125 ألف ليرة سورية فقط!

إذا ما عدنا إلى الواقع الفعلي للأسواق نجد أنها لم تتجاوب مع هذه الزيادة بمقدار الرفع الذي حصل في نشرة الجمارك والطيران، وإنما تجاوزتها بأشواط كبيرة، لا بل سارع التجار والصناعيون لرفع أسعار بضائعهم المكدسة في مستودعاتهم والمستوردة على السعر القديم، محققين بذلك أرباحاً طائلة!

وللتوضيح بدليل عملي، نبين أنه إذا كانت النسبة 1% تكون قيمة الرسوم لـ 1000 دولار هي 10 دولار، هي النسبة المعتمدة لأغلب المواد الغذائية، وبالتالي فإن قيمة الزيادة على النشرة 25 ألف ليرة. وإذا ما أسقطنا هذا الأمر على مادة السكر كمثال سنجد أن سعر 1200 كغ من السكر هو 1000 دولار، وفقاً للأسعار العالمية، وبالتالي فإن الزيادة الفعلية للـ 1200 كغ سكر هي  25 ألف ليرة، أي بواقع 20 ليرة فقط للكغ الواحد، في حين أن سعر الكغ قفز من 7 آلاف ليرة إلى 10 آلاف ليرة بحجة رفع سعر صرف الدولار في نشرة الجمارك والطيران!

وذهب كثيرون إلى أبعد من ذلك إذ تعالت أصوات المنذرين بإغلاق مصانعهم ومتاجرهم تفادياً للخسارة – على حدّ تعبيرهم – علماً أنهم دائماً ما يكونون بعيدين عنها لأنهم يحترزون مسبقاً عند حدوث أية ذبذبة لسعر الصرف وعند صدور أي قرار لرفع الرسوم والضرائب، حتى لو كانت لا تذكر!

ما سبق نجد أن مُنتج السلعة أو الخدمة لا يكتفي برفع قيمة الأخيرة بمقدار الرسم المفروض فقط، بل يضاعفه لا ليبقى بمنأى عن أية خسارة تحت مسمى “التحوط” لأي ارتفاع، ليصبح هذا التحوط أكبر من التكلفة ذاتها، إذ يضاعف أرباحه تحت ذريعة “رسمية” لا يمكن إنكارها “ظاهرياً”، في حين أنها “ضمنياً” خدعة تجارية!

hasanla@yahoo.com