دراساتصحيفة البعث

الغرب بين تزوير التاريخ وطمس الحقائق.. لماذا تذكّر روسيا دائماً بمشاهد النصر على النازية؟

في الوقت الذي تصرّ فيه روسيا سنوياً على الاحتفال بالنصر على النظام النازي في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر، وتقيم عرضاً عسكرياً ضخماً في العاصمة الروسية موسكو كل عام تخليداً للمناسبة، فضلاً عن الفعاليات الاحتفالية التي تقيمها سفاراتها في العواصم التي شهدت تحريرها على يد الجيش الأحمر السوفييتي من براثن النازية، يسعى الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى التقليل من شأن هذا الانتصار والتعتيم عليه، بل نسبة الانتصار على الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية إلى نفسها وتزوير حقائق التاريخ فيما يخص هذا الأمر.

ورغم أن المدن والعواصم الأوروبية الرئيسة لا تزال تشهد على التضحيات التي قدّمها الجيش الأحمر في هذه الحرب للانتصار على النظام النازي الفاشي الذي احتل معظم الدول الأوروبية، تعمد بعض الدول الأوروبية بدافع أمريكي محض إلى طمس هذه الحقائق وتزويرها عبر قيامها بإزالة النصب التذكارية التي تخلّد تضحيات الجيش الأحمر في سبيل إنقاذ هذه المدن والعواصم.

وأيّاً يكن من دافع يقف خلف هذا الأمر، فإن المفارقة العجيبة أن الغرب لا يزال إلى الآن يدّعي أنه يحارب الفكر النازي في مجتمعاته، في الوقت الذي يقوم به حالياً وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع بدعم النظام النازي القائم في أوكرانيا بقيادة فلاديمير زيلنسكي الذي تمّت صناعته غربياً ليكون رأس حربة في استهداف روسيا وإضعافها وصولاً إلى هزيمتها استراتيجياً ونهب ثرواتها التي لا يخفي الغرب طمعه بالاستحواذ عليها كلّما سنحت له الفرصة للتحدّث عن ذلك.

والحقيقة التي ظهرت عارية خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا حالياً بين الغرب الجماعي ممثلاً بحلف شمال الأطلسي “ناتو” وروسيا، هي أن الغرب لم يكن يوماً من الأيام عدوّاً أو خصماً للنازية، بل كان حليفاً لها، ويؤكد ذلك الوثائق التي بدأت الاستخبارات الروسية بالإفراج عنها تباعاً على خلفية الدعم الغربي غير المحدود لأوكرانيا في مواجهة روسيا، والتي تشير صراحة إلى أن الغرب كان متحالفاً مع هتلر في الحرب العالمية الثانية أو كان يدعمه في سبيل القضاء على الاتحاد السوفييتي والتخلّص منه، وكان ينتظر هزيمة الاتحاد السوفييتي في الحرب، غير أن حسابات الحقل خالفت حسابات البيدر، وبالتالي اضطرّ متأخّراً وعلى وقع دخول الجيش الأحمر إلى معقل النازية برلين إلى الإقرار بانتصار الاتحاد السوفييتي.

وقد سلّمت هيئة الأمن الفيدرالية FSB لأرشيف الدولة المركزي بمدينة سان بطرسبورغ الوثائق المتعلقة بمحاكمة لينينغراد 1945-1946 للمجرمين النازيين المذنبين بارتكاب إعدامات جماعية للمدنيين، حيث برز من بين العشرات من هذه الوثائق الأرشيفية، نسخ مصوّرة لم تنشر من قبلُ لمحاضر اجتماعات المحكمة العسكرية لمنطقة لينينغراد العسكرية، وتم نشر أدلة على قتل النازيين للمدنيين الأبرياء العزل من الشعب السوفييتي في منطقة لينينغراد.

ويصادف يوم 19 نيسان ذكرى مرسوم هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية “بشأن التدابير العقابية للأشرار النازيين”.

وأقرّ مجلس الدوما الروسي في جلسة عامة، نهاية آذار الماضي، مشروع بيان “حول الإبادة الجماعية لشعوب الاتحاد السوفييتي على يد ألمانيا والمتواطئين معها خلال الحرب الوطنية العظمى 1941-1945″، حيث يشير المجلس إلى “اعترافه بالأعمال الإجرامية للغزاة الفاشيين الألمان والمتواطئين معهم فيما يتعلق بالسكان المدنيين في الاتحاد السوفييتي من خلال الإبادة الجماعية لشعوب الاتحاد السوفيتي”، مع مراعاة أحكام ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق وأحكام محكمة نورمبرغ، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، واتفاقية رفض جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

 

الغرب يحاول محو ذاكرة الشعوب  

غير أن الغرب الجماعي وجد نفسه عارياً أمام حقيقة أنه لم يكن يوماً من الأيام عدوّاً للنازية، وذلك أنه اضطرّ إلى الإقرار بدعم النظام النازي القائم حالياً في أوكرانيا، ومن أجل ذلك لم يجد بُدّاً من محاولة تزوير التاريخ عبر استبدال (يوم النصر) بما يسمّى (يوم أوروبا)، وفرضه على الشعب الأوكراني، وذلك لمنع تجريم النظام النازي الذي يستخدمه الآن في الحرب على روسيا كما استخدمه سابقاً في الحرب على الاتحاد السوفييتي.

ولذلك قال رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين: “إن يوم النصر عيد يوحّد شعوب الاتحاد السوفييتي الذي تصدّى للنازية وأنقذ العالم من براثنها، وكل ذلك يثير أعصاب سلطات واشنطن وبروكسل ويقضّ مضاجعها فيحاولون محو الذاكرة التاريخية واستبدال هذا اليوم بـ(يوم أوروبا) لمواطني أوكرانيا”.

وأشار فولودين إلى أن نظام كييف “تصرّف بشكل سيئ تجاه الذين ضحّوا بحياتهم من أجل تحرير العالم من الفاشية، فحوّل الأوكرانيين إلى بضاعة يتاجر بها حلف الناتو، من خلال تدمير الثقافة الوطنية وحظر اللغة الروسية التي يتحدّث بها أغلبية السكان، ويعمل الآن على إعادة كتابة التاريخ محوّلاً أوكرانيا لمستعمرة أمريكية”، معتبراً أن أي “دولة لا تكرّم إسهامات أبطالها وذاكرة مَن بفضلهم تعيش اليوم لا يمكن أن يكون لها مستقبل”.

 

النصر السوفييتي بالأرقام

قدّم الاتحاد السوفييتي في الحرب الوطنية العظمى ضد الغزو النازي تضحياتٍ لا مثيل لها، وتحمّل العبء الأكبر في الانتصار الذي أوقف الموت والخراب بعد 1418 يوماً من ملحمة النار والدم، ولا تستطيع واشنطن بأيّ وسيلة محو التاريخ وإعادة كتابته من جديد بما يوافق أهواءها متجاهلة تضحيات الآخرين ومقلّلة من شأنها تارة، ومتناسية إياها عن عمد تارة أخرى.

فالأرقام هي التي تعيد الأمور إلى نصابها، وتكشف عن عبث من يحاول قلب الحقائق وتشويه الوقائع، حيث سقطت باريس أمام زحف ألمانيا النازية كما تهاوت بسرعة العديد من الدول الأوروبية، بينما تمكّنت بريطانيا من البقاء بعيدة لأن ألمانيا النازية ألقت بكل ثقلها على الجبهة الشرقية وأرسلت الملايين من جنودها لغزو الاتحاد السوفييتي.

الجيوش الألمانية استولت بالفعل على الدنمارك خلال يوم واحد، وعلى هولندا خلال خمسة أيام، ويوغسلافيا 12 يوماً، واليونان 18 يوماً، وبلجيكا 12 يوماً، وبولندا 35 يوماً، وسقطت فرنسا بعد 44 يوماً والنرويج بعد 63 يوماً.

الاتحاد السوفييتي تمكّن وحده من صدّ الزحف الألماني ومنعه من التوغّل داخل أراضيه الشاسعة، مبدّداً أوهام هتلر في تحقيق نصر سريع، بل سدّ طريق ألمانيا النازية للهيمنة على العالم قبل أن يحرّر السوفييت أوروبا في زحف طويل انتهى بدخولهم برلين، في أعقاب حرب ضروس استمرّت من 22 حزيران 1941 إلى 9 أيار 1945.

تركّزت على الجبهة الشرقية الأغلبية العظمى من الجيوش الألمانية النازية وشركائها، فنلندا ورومانيا وإيطاليا والمجر، حيث قاتل ما بين 190 إلى 270 فرقة نشطة لألمانيا النازية وحلفائها على الجبهة السوفييتية، في حين كانت تقف في مواجهة القوات البريطانية الأمريكية في شمال إفريقيا في الفترة بين 1941-1943، ما بين 9 إلى 20 فرقة، وفي إيطاليا بين عامي 1943-1945، ما بين 7 إلى 26 فرقة، وفي أوروبا الغربية بعد فتح الجبهة الثانية عام 1944 ما بين 56 إلى 75 فرقة.

وخلال أصعب فترات الحرب ضد الاتحاد السوفييتي، عامي 1941-1942، قاتلت جميع القوات العاملة للجيش النازي الألماني تقريباً ضد الجيش الأحمر بنسبة 90-95٪ من قواته.

حتى عام 1944، فاقت التشكيلات الألمانية النازية على الجبهة السوفييتية ما بين 15-20 مرة مثيلاتها على جميع الجبهات الأخرى، ففي حزيران 1941، واجهت القوات السوفييتية 190 فرقة نازية ألمانية، بينما تصدّت القوات البريطانية لـ9 فرق فقط.

وفي خريف عام 1942، كانت في الجبهة السوفييتية 266 فرقة  للألمان وحلفائهم، بينما كانت أقل من 13 فرقة على جبهة شمال إفريقيا.

وفي بداية عام 1944، كانت القوات السوفييتية تواجه 245 فرقة، بينما كانت تقف ضد القوات البريطانية الأمريكية 21 فرقة ألمانية.

وحتى بعد افتتاح الجبهة الثانية بنزول الأمريكيين والحلفاء في النورماندي، بقيت الجبهة الشرقية، الجبهة الرئيسة لألمانيا والعدد الأكبر من جيوشها بشكل ساحق كان يقاتل هناك، حيث بقي في الأراضي السوفييتية 70% منها.

وتم سحق قوات نازية ضخمة، وخاصة البرية في المعارك على الجبهة الشرقية، حيث هزمت القوات السوفييتية في المجمل 607 فرق من قوات التحالف النازي، 507 لألمانيا النازية و100 فرقة لحلفائها، وهذا الرقم يزيد 3.5 مرات على عدد القوات الألمانية التي واجهها الحلفاء على جميع الجبهات الأخرى في الحرب العالمية الثانية في أوروبا الغربية وشمال إفريقيا وفي إيطاليا، حيث هزمت القوات البريطانية الأمريكية 176 فرقة.

وفقدت ألمانيا وحليفاتها في الحرب العالمية الثانية 8.6 ملايين شخص على الجبهة السوفييتية، وهو ما يمثل 73% من إجمالي الخسائر في القوة البشرية.

أما من جهة العتاد العسكري فقد خسرت ألمانيا النازية أمام السوفييت ما يصل إلى 75٪ من دباباتها، و74٪  من مدفعيتها، وأكثر من 75٪ من طيرانها الحربي،  ويبلغ العدد 77 ألف طائرة، علاوة على أكثر من 2500 من السفن الحربية والسفن المساعدة.

ونفّذت القوات السوفييتية أكثر من 50 عملية استراتيجية كبرى، شارك في كل منها من الجانبين عدة ملايين من الجنود والضباط، ومئات الآلاف من المدافع وآلاف الدبابات والطائرات، وغطت تلك العمليات مساحاتٍ واسعة من الأرض، واستمر بعضها شهرين أو ثلاثة أشهر، وغطت العمليات الحربية 1320 يوماً من أصل 1418 يوماً، أي 93% من إجمالي وقت الحرب.

بالمقابل، دارت الحرب في شمال إفريقيا وفي إيطاليا وأوروبا الغربية 2069 يوماً، بينما جرت العمليات العسكرية في 1094 يوماً أي بنسبة 53٪ من الإجمالي.

علاوة على كل ذلك، كانت المعارك غير المسبوقة التي جرت عامي 1941- 1943 في الاتحاد السوفييتي بالقرب من أسوار موسكو، وحول ستالينغراد، وفي كورسك، بمنزلة نقاط تحوّل رئيسة في الحرب العالمية الثانية، حيث وجّه السوفييت ضرباتٍ قاصمة للنازيين وانتزعوا زمام المبادرة الاستراتيجية ودفعوا بفلولها إلى الغرب ولاحقوها حتى برلين.

 

الغرب ذاته أقرّ بالنصر السوفييتي

رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت ونستون تشرشل، الذي كان معروفاً بكرهه للاتحاد السوفييتي، قال قبل أيام قليلة من نهاية معركة ستالينغراد الأسطورية، في 20 كانون الأول 1943: “يتم تنفيذ جميع عملياتنا العسكرية على نطاق صغير جداً مقارنة بالموارد الضخمة لبريطانيا والولايات المتحدة، وأكثر من ذلك، مقارنة بالجهود العملاقة لروسيا”.

وعاد تشرشل إلى هذا الاعتراف لاحقاً في 27 أيلول 1944، وقال في رسالة بعثها إلى ستالين: “سأغتنم هذه الفرصة لأكرّر في مجلس العموم غداً ما قلته سابقاً بأن الجيش الروسي هو الذي تسبّب في تبخّر الشجاعة من الآلة العسكرية الألمانية، وهو حالياً يعيق قسماً كبيراً لا يضاهى من قوات العدو على جبهته”.

 

دول كثيرة لا تزال تحتفل بالنصر

ورغم جميع المحاولات الغربية والأمريكية خاصة لتزوير الحقائق وطمسها والتعتيم على الانتصار السوفييتي الساحق في الحرب العالمية الثانية على النظام النازي الألماني، لا تزال دول كثيرة في العالم تحتفل بهذا النصر الكاسح، وحتى ألمانيا معقل النازية تحتفل سنوياً بالانتصار على النازية، فقد احتفل مئات الآلاف من الأشخاص في 40 دولة في القارات الخمس بمناسبة يوم النصر على النازية هذا العام.

وحتى محاولات بعض الدول الأوروبية المتكرّرة التي تحلم باستعادة إمبراطوريّتها على حساب هزيمة روسيا حالياً في الحرب الدائرة في أوكرانيا مثل بولندا، تزوير التاريخ لن تفلح في ذلك، حيث أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن قيام بولندا بإعادة تسمية مدينة كالينينغراد الروسية إلى كروليفيتس “لم يعُد حتى روسوفوبيا بل عمليات تقترب من الجنون”، مشيراً إلى أن بولندا تنزلق عبر التاريخ من وقت لآخر في هذا الجنون المتمثل في كراهيتها للروس.

وردّ بيسكوف على مزاعم البيت الأبيض بأن الفضل في النصر في الحرب العالمية الثانية يعود لأمريكا، مؤكداً أن محاولة الجانب الأمريكي الاستئثار بالنصر على النازية مع التعتيم على الدور السوفييتي تعدّ تصرّفاً خبيثاً ومدمّراً.

السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف لفت إلى أن محاولات تحريف تاريخ الحرب العالمية الثانية تزداد “وقاحة” عاماً بعد عام ويتم تنفيذها لتفرقة سكان الاتحاد السوفييتي السابق، مؤكداً أن محاولة إلقاء اللوم على الاتحاد السوفييتي في اندلاع الحرب العالمية الثانية هدفها تدمير أساس وحدة الناس من مختلف الأجيال والجنسيات في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مشدّداً على أن الروس بالذات انتصروا على النازية والدليل أن جميع العبارات المكتوبة على “البرلمان الألماني خلال العهد النازي” باللغة الروسية، وأن الجيش الأحمر بالذات حرّر الكثير من الدول والمناطق.

 

تفكيك النصب التذكارية عمل ممنهج

ولا شك أن تفكيك النصب التذكارية التي تخلّد بطولات الجيش السوفييتي في أوروبا يتم بشكل ممنهج في إطار تزوير الحقائق وإعادة كتابة التاريخ بما يتناسب مع مصالح الغرب الاستعماري، حيث تم هدم نصب الامتنان للجيش الأحمر الذي تم تشييده عام 1945 في مدينة غلوبتشيتسا البولندية على الهواء مباشرة من المعهد الوطني للذاكرة البولندية.

وفي السنوات الأخيرة، تم تدمير مئات النصب التذكارية لجنود الجيش الأحمر، الذين لقوا حتفهم من أجل تحرير بولندا من النازية، كما وقّع الرئيس البولندي أندريه دودا تعديلاتٍ على القانون الذي يحظر الدعاية للشيوعية أو أي نظام شمولي آخر في أسماء المباني أو المنشآت المخصّصة للاستخدام العام.

وقد صرّحت السلطات الروسية مراراً وتكراراً بأن بعض الدول الأوروبية تحاول إعادة كتابة التاريخ، بينما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منتصف أيلول 2019: إنهم، ولا سيما بولندا، دخلوا في اتفاق مع ألمانيا النازية، وروسيا لديها وثائق تحت تصرّفها، وكيف تفاوضوا. ووفقاً للسياسيين الروس، فإن أوروبا ليست مستعدّة للاعتراف بهذا الجزء من تاريخها.

 

شهادة للتاريخ

النائب البريطاني السابق جورج غالاوي، قال في تغريدة على تويتر: إن البعض يحاول حجب التاريخ بأن الاتحاد السوفييتي حرّر العالم من الفاشية، مؤكداً أنه “لولا الجيش الأحمر، لكانت ألمانيا لا تزال تحت غطاء الفاشية، تماماً مثل بقية أوروبا”.

وأشار غالاوي، إلى أن الدول المتحالفة مع هتلر كاليابان وإيطاليا كانت ستحكم العالم جنباً إلى جنب مع ألمانيا.

ومن أوكرانيا، وبّخ نائب وزير الخارجية الأوكراني أندريه ميلنيك، سفير بلاده في ألمانيا أليكسي ماكييف، واعتبر أنه أهان ذكرى الأسلاف برفضه وضع الزهور عند النصب التذكارية السوفييتية في برلين.

وقال ميلنيك في مقابلة مع وكالة RND: “كانت غلطة لا تغتفر رفض فعالية وضع إكليل الزهر التقليدية المعتمدة منذ عام 2015 عند النصب التذكاري تيرجارتن في يوم 8 أيار. هذا التصرّف يعدّ بالإضافة إلى رفض ماكييف التخلّي عن الطلب القديم إلى البوندستاغ لإقامة نصب تذكاري لملايين الضحايا الأوكرانيين للإرهاب النازي في برلين، بمنزلة صفعة على وجه أسلافنا”.

 

ستالين كان يدرك سبب المماطلة

وفي جميع الأحوال شكّلت المماطلة الأمريكية البريطانية في فتح الجبهة الغربية تخفيفاً للضغط عن الجيش الأحمر السوفييتي على الجبهة الشرقية، وكذلك تأخير الاعتراف الأمريكي البريطاني بجبهة تحرير فرنسا بقيادة الجنرال شارل ديغول، إشارة واضحة للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين إلى أن كلا البلدين كان يسعى إلى تدمير الاتحاد السوفييتي وألمانيا في آن معاً، لذلك شكّل تأخير فتح هذه الجبهة ضغطاً كبيراً على الجيش الأحمر الذي تحمّل العبء الأكبر في المعركة، فضلاً عن الدمار الهائل الذي حلّ بالبنية التحتية للاتحاد السوفييتي، بينما ظلّت بريطانيا والولايات المتحدة في منأى عن هذا الدمار وتلك الخسائر البشرية، وخاصة أن العدد الهائل من الخسائر البشرية كان على الجبهة الشرقية بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي، ولذلك كانت رسالة ستالين في الـ11 من حزيران عام 1943 إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت واضحة في الإشارة إلى السخط السوفييتي من المماطلة الأمريكية البريطانية في فتح الجبهة، والتلميح إلى رغبة الطرفين في تعميق الخسائر السوفييتية رغبة منهما في إضعاف الطرفين، وذلك بقوله: “وها أنتما، بالتعاون مع السيد تشيرشل تتخذان، في أيار 1943، قرار تأجيل الغزو الأنجلو أمريكي في غرب أوروبا حتى ربيع 1944. وذلك يعني أن فتح الجبهة الثانية الذي تأجّل من 1942 إلى 1943، يتأجّل مرة أخرى، وفي هذه المرة حتى ربيع عام 1944”.

وتابع: “إن قراركما يخلق صعوباتٍ استثنائية للاتحاد السوفييتي الذي يخوض الحرب للعام الثاني على التوالي مع القوات الرئيسية لألمانيا وحلفائها بكل ما تتسم به من حدة”.

وأيّاً يكن من دافع غربي واضح لمحو الذاكرة التاريخية للعالم وتزوير الحقائق وإعادة صياغة التاريخ من جديد، فإن الوثائق الموجودة في أرشيف الاتحاد السوفييتي السابق، ولدى جهاز الاستخبارات الروسي حالياً حول هذه الحرب، تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك أن الدور الغربي في الحرب العالمية الثانية لم يكن بريئاً، وأن استسلام الجيش الألماني كان للجيش الأحمر السوفييتي مباشرة الذي دخل إلى عقر داره برلين، بينما كان الفرنسي والأمريكي شاهدين على الاستسلام.

 طلال ياسر الزعبي