قبل أم.. بعد فوات الأوان؟!
علي عبود
لعلّ قلّة تتذكر الرعب الذي أصاب الناس ودفعهم للخروج إلى الشوارع، وخاصة في اللاذقية بعد الهزة الزلزالية في عام 1995، وهو تاريخ مهمّ جداً لكونه شهد تأسيس المركز الوطني للزلازل. وقد بدأ خبراء المركز من حينها برصد النشاط الزلزالي في المنطقة للمرة الأولى، كان من أبرز نتائجها دراسة أنجزوها في عام 2020 لمعرفة “أسباب التغيّر والهزات التي تصيب مناطق غرب اللاذقية”!. وقد توصل المركز حينها إلى نتيجة ملفتة جداً وهي “أن تحرك الصفيحة الأناضولية باتجاه الغرب هو سبب حدوث الهزات الأرضية، وأن فالق شرق الأناضول يعدّ منطقة خطرة قد تؤدي إلى حدوث زلازل مدمرة”!!.
كما نلاحظ، فإن المركز رصد نشاطاً غير مسبوق منذ عام 1995 وتوقع إمكانية حدوث زلازل مدمرة، لكن لم تكترث الحكومة آنذاك بجرس إنذار المركز، لأنها استبعدت كلياً تعرّض أي منطقة في سورية لزلزال مدمّر مثل الزلازل التي شهدتها تركيا في فترات زمنية متقاربة.
والملفت، بل والمثير جداً، أن المركز الوطني للزلازل لاحظ في شهر كانون الثاني من العام الماضي 2022 وجود “نشاط غير اعتيادي”، ما دفعه إلى “رفع الجاهزية وإبلاغ الجهات المعنية أن هناك إمكانية لحدوث زلازل متوسطة قد تصيب البلاد”.
نفهم من تصريحات رئيس المركز أن هذه المعلومات الخطيرة قد وصلت إلى الحكومة “قبل فوات الأوان”، لكن السؤال: هل اهتمت بها الحكومة واتخذت الإجراءات والتدابير الاحترازية الكافية ولو بالحدّ الأدنى لتدارك الكارثة المحتملة القادمة أم أهملتها ولم تتيقن من أهميتها إلا “بعد فوات الأوان”؟.
صحيح أن المركز بعد زلزال 6/2/2023 استمر برصد الهزات والتوابع الارتدادية في سورية والعديد من دول المنطقة، وبإصدار التصريحات المطمئنة بأن ما من زلازل مدمرة قادمة في الأمد المنظور، لكن هذا لا يمنع الحكومة، بل من واجبها وواجب كل الحكومات القادمة اتخاذ كلّ الإجراءات والاحتياطات الضرورية الاحترازية، وكأنّ الزلزال قادم لا محالة، ولو فعلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1996 المطلوب فعله، وخاصة التطبيق الإلزامي للاشتراطات الهندسية للمباني المنفذة لما كانت الكارثة مدمّرة ومرعبة، فالإجراءات يجب أن تتخذ دائماً “قبل فوات الأوان”، لا “بعد فوات الأوان”؟!!.
ولو تعاملت الجهات الحكومية مع دراسة المركز الوطني الصادرة قبل عام من زلزال 6/2/2023 بجدية، أي “قبل فوات الأوان” لتداركت الكثير من النتائج والآثار المدمرة للزلزال، ففي عام يُمكن فعل الكثير في حال كانت هناك جدية بتصديق تحذير المركز “أن تحرك الصفيحة الأناضولية باتجاه الغرب هو سبب حدوث الهزات الأرضية، وأن فالق شرق الأناضول يعدّ منطقة خطرة قد تؤدي إلى حدوث زلازل مدمرة”!!.
ونستنتج من تسجيلات المركز الوطني أن الهزات الأرضية الارتدادية ضمن سورية شملت عدة محافظات (حماة، وإدلب، واللاذقية)، وأن هناك إمكانية لزلزال متوسط بشدة 5 ـ 6 درجات، لكن التنبؤ بتاريخ حدوثه غير ممكن.
وكالعادة، فإن الحكومة لاتتحرك إلا “بعد فوات الأوان”، والدليل أنها في اجتماعها بتاريخ 3/3/2023 حدّدت في اجتماع مجلس الوزراء “التوجهات على المدى الاستراتيجي والبرامج المطلوبة من الوزارات والجهات المعنية للتقليل من آثار الكوارث الطبيعية مستقبلاً من النواحي الإنشائية والهندسية والإنسانية والاقتصادية”.
وتضمنت التوجهات إعادة النظر بالكود السوري الخاص بالزلازل، وبربط منح التراخيص الجديدة للبناء بإجراء الدراسات الزلزالية.. الخ.
الخلاصة: أخيراً قرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تضمّ عدداً من الوزارات والجهات المعنية، مهمتها التدقيق بنوعية الحديد والإسمنت المنتج محلياً والمستخدم في البناء، وهو إجراء على الرغم من أهميته في حال شقّ طريقه إلى التنفيذ ولم يوضع في الأدراج، أقرته الحكومة “بعد فوات الأوان”!!.