قمة جدة.. واقع جديد وتحول استراتيجي
علي اليوسف
كلّ المؤشرات والمعطيات تدلّ على أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من التضامن العربي مع سورية كي تتمكّن من تجاوز أزمتها، وتضطلع بدورها التاريخي الداعم لقضايا الأمة العربية. لقد تجلّت بوادر هذا التضامن العربي منذ الزلزال الذي ضرب شمال سورية، حيث كان بحجم قوة الزلزال لجهة تقديم المساعدات العينية والمادية التي تحتاجها سورية بعد الحرب الإرهابية التي فُرضت عليها، وبعد سلسلة الحصارات والعقوبات التي أنهكت الشعب السوري، ليتوّج مؤخراً باستعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية بعد حركة دبلوماسية نشطة بين دمشق والعواصم العربية الأخرى، ودعوتها لحضور القمة العربية المزمع انعقادها في 19 الشهر الجاري في جدة بالمملكة العربية السعودية.
هذا الحراك العربي باتجاه سورية ليس إلا حلقة أولى في كسر القيود الاقتصادية والمالية الناجمة عن العقوبات الأحادية المفروضة على سورية. صحيح أن الانفتاح العربي لا يسير بالسرعة المطلوبة، بسبب القيود الأمريكية والأوروبية لمنع هذا الحراك العربي– العربي، لكن من المؤكد أنه يتقدّم، وخاصةً بعد تلقي القيادة السورية طلبات برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، وليس آخرها إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق.
من الطبيعي أن يكون هذا التضامن العربي هو انتصار لقيم العروبة والإنسانية التي تجمع الشعوب العربية، وانطلاقاً من الواجب الأخوي، وهذا ما يؤكد أن الموقف العربي الداعم لسورية في هذا الظرف الحرج وغيره ما هو إلا تعبير عن رابطة الأخوة العربية، ومتانة العلاقات العربية السورية، وتأكيد للعالم بأن سورية عربية، وأن ما أصابها أصاب وأوجع كلّ أبناء الوطن العربي شعوباً وحكومات.
إن التضامن مع سورية بهدف رفع الحصار عنها يطرح جملة من الحقائق والوقائع، ومنها أن سورية في قلب الأمة العربية، وقد أثبتت أحداث التاريخ المعاصر أنها مفتاح الشرق العربي، ولهذا كان التآمر عليها، وهي اليوم تواجه الكثير الكثير من التحديات مثل الاحتلال الأمريكي في الشمال الشرقي، والتركي في الشمال الغربي، والإسرائيلي في الجنوب، بالإضافة إلى الإرهاب التكفيري وما نجم عنه من نزوح داخلي وخارجي، وتدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية السورية، ناهيك عن الحصار الغربي الذي يتحرّك بوحي من الحركة الصهيونية.
إن انعقاد القمة العربية، بحضور سورية لأول مرة منذ العام 2011، هو فرصة حقيقية من أجل تعزيز التضامن العربي- العربي، وفرصة كبيرة لمحاولة تحويل المأساة التي عاشتها سورية والشعب السوري إلى قناة واضحة ومفتوحة أمام مشاركة دبلوماسية مستدامة. صحيح أن العقوبات الأمريكية، وقانون ما يُسمّى “قيصر” الأمريكي ما زالت عائقاً، إلا أنها البداية لكسر هذه العقوبات، وهو ما شهدناه من بعض الدول العربية التي اتخذت قرارها بمنطق سيادي.
لذلك فإن حضور سورية القمة العربية ضروري في هذه المرحلة من أجل إبداء رأيها للعالم حول كلّ القضايا التي يعاني منها المواطن السوري، ودول الجوار والإقليم والعالم، والرئيس بشار الأسد -الرجل الاستراتيجي- يعرف كيف يوجّه حديثه بالاتجاه الصحيح. بالإضافة إلى أنه سيكون لحضوره وزن مهمّ على مستوى هذه القمة، وسيؤدي دوراً في إجلاء الصورة العامة في الإقليم، وخاصة ما يتعلق بالعلاقة مع الأصدقاء ومع أعداء الإقليم الذين يعملون على تخريب علاقاته العربية.
إن عودة سورية للجامعة العربية، وحضورها القمة يفيد الدول العربية بشكل عام، وسورية بشكل خاص، لأن اجتماع الكلمة العربية على رأي واحد تجاه القضايا العربية والدولية والإقليمية مفيد للجميع، خاصةً وأن سورية كانت دائماً تدافع عن موضوع التضامن العربي، وبالتالي ستنعكس هذه العودة على الشعور الوطني والقومي في المجتمع السوري، كما أن هذا التطور سينعكس اقتصادياً على المواطن السوري الذي يعاني نتيجة الحصار الأمريكي.
نحن اليوم أمام واقع جديد ومقررات تاريخية لها أبعاد مشتركة مع الدول العربية، لأن عودة سورية لموقعها العربي ستنعكس أيضاً على صعيد العلاقات الدولية، حيث إن سورية تبقى مركزاً مهماً بالنسبة للقرار العربي وتوجّه السياسات العربية تجاه الأصدقاء. لذلك فإن عودة سورية تمثل تحولاً استراتيجياً كبيراً يرتبط بأمن واستقرار المنطقة، حيث ستبدأ المسائل المتعلقة بالتضامن العربي- العربي بالانتقال إلى مرحلة الترجمة الفعلية خلال قمة الرياض، ويؤمل أن يساهم الأشقاء العرب برفد سورية بما تحتاجه من إمكانيات لإعادة الإعمار والاستقرار.
إن سورية العضو المؤسّس لجامعة الدول العربية ما انفكت تجدّد موقفها المستمر بضرورة تعزيز العمل والتعاون العربي المشترك، وتؤكد أن المرحلة القادمة تتطلّب نهجاً عربياً فاعلاً وبنّاءً على الصعيدين الثنائي والجماعي، يستند إلى قاعدة الحوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للأمة العربية.