من كذبة الكيميائي في سورية إلى خدعة أوكرانيا
سمر سامي السمارة
بهدف المزيد من التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي، اتهمت وسائل الإعلام الغربية مؤخراً، القوات الروسية بالتحضير لاستخدام الأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا. لكن واقع الحال، يُظهر أن ورقة استخدام الأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا فاشلة وعديمة القيمة بالمطلق، وأن العزف عليها يظهر أنهم أيضاً فاشلون تماماً، ولكنهم ناجحون في تجارة المخدرات الجماعية.
من الواضح أن الاستفزاز والتحريض المتعمّد هو الشعار الدائم الذي ترفعه القوى الغربية، فالإمدادات التي قدّمتها بريطانيا مؤخراً بصواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى قذائف مدفعية من اليورانيوم المنضب، وهجمات بطائرات بدون طيار على الكرملين، ما هي إلا جزء من سلسلة التصعيد التي لا ينتهي. كما أن اتهام روسيا بالتخطيط لاستخدام الأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل، على غرار الادّعاءات السابقة حول استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية، هو جزء من الاستفزازات المدبرة والمنظمة.
في الحقيقة، وصل تدهور معايير وسائل الإعلام الغربية إلى أقصى درجاته بحيث يمكنهم الإفلات ببيع مثل هذا الهراء لمستهلكي هذه “المعلومات”.
أولاً وقبل كلّ شيء، لابد من الإشارة إلى أن روسيا لا تمتلك أي أسلحة كيميائية، فقد دمّر الاتحاد الروسي بعد توقيعه على المعاهدة الدولية المعروفة باسم اتفاقية الأسلحة الكيميائية لعام 1997 -وبشكل يمكن التحقق منه- جميع ترساناته وفقاً لالتزاماته الموقعة. وقد تحققت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2017 من وقف تشغيل روسيا الكامل لهذه الأسلحة.
وفي هذا الصدد، لابدّ من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة التي لم تنفذ اتفاقية الأسلحة الكيميائية بالكامل من خلال الاحتفاظ بمخزونات هذه الأسلحة!.
ولا تكتفي وسائل الإعلام الغربية بنشر التكهنات حول استخدام القوات الروسية للأسلحة الكيميائية في أوكرانيا والتي لا أساس لها من الصحة، لكنها تنشر أيضاً الكذبة القذرة التي استخدمتها سابقاً ضد سورية. وبشكل لا يمكن أن يصدقه أي شخص مدرك للحقائق، تستمر وسائل الإعلام الغربية بالترويج لمثل هذه الافتراءات وإلقاء اللوم وتحميل المسؤولية للأشخاص الذين لا علاقة لهم بالجناة الحقيقيين في سورية، وهم المسلحون المدعومون من الغرب وشركاؤهم الإعلاميون الذين ترعاهم وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات البريطانية، أو من يسمّون أنفسهم بـ”الخوذ البيضاء”، إذ تواصل وسائل الإعلام الغربية الادعاء بأن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين خلال الحرب المستمرة منذ عشر سنوات على سورية، والآن تقدم مواعظ بأن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى لم تتخذ أي إجراء عقابي ضد سورية بسبب الأسلحة الكيماوية التي يُزعمون أن روسيا ستستخدم مثل هذه الأسلحة في نزاع أوكرانيا.
نقلت “يورونيوز” عن هاميش دي بريتون جوردون، ضابط الاستخبارات العسكرية البريطاني السابق وخبير الأسلحة الكيميائية، قوله: “على المجتمع الدولي إعادة التأكيد أن أي استخدام للأسلحة الكيميائية أو البيولوجية لن يكون مقبولاً بأي شكل من الأشكال”. مضيفاً: “أنا متأكد من أن حلف شمال الأطلسي والغرب لن يتوانيا عن معاقبة روسيا ولن يقفا مكتوفي الأيدي إذا استخدمت أسلحة كيماوية في أوكرانيا، وهذا ما قالوه عندما زعموا أن الحكومة السورية استخدمت مثل هذه الأسلحة في سورية”.
من المؤكد، أن هذه الكذبة المغرضة تروّج لها وسائل الإعلام الغربية، فقد وثقت التحقيقات المستقلة بأن منفذي هجمات الأسلحة الكيماوية في سورية في الواقع، هم من الإرهابيين المدعومين من حلف الناتو في عمليات “العلم الزائف عندما رفعوا العلم السوري أثناء قيامهم بهذه المسرحية”، للتحريض على التدخل العسكري الغربي. وللإشارة فقد تمكنت إحدى عمليات “العلم الزائف” في مدينة دوما في نيسان 2018 من تحقيق أهدافها الشائنة، وفي أعقاب الحادث -الذي تم تضخيمه في ذلك الوقت من قبل وسائل الإعلام الغربية لإيهام الرأي العام الغربي- قصف الرئيس الأمريكي ترامب مع حلفاء بريطانيين وفرنسيين سورية “رداً” على الهجوم المزعوم.
ومع ذلك، اتضح لاحقاً أن سورية وروسيا وإيران كانوا على صواب في تصريحاتهم بأن حوادث استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية كانت مسرحية كاذبة. وبالفعل، فقد تبيّن أن أعضاء لجنة الرقابة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة كانوا متورطين بعملية التستر، لتوريط الحكومة السورية وحماية الجناة الحقيقيين المدعومين من الغرب، كما أفاد آرون ماتي وغيره من الصحفيين الاستقصائيين المستقلين.
أمام التدقيق، لم تصمد المزاعم الاتهامية ضد الحكومة السورية، خاصة وأن سورية قامت بعد انضمامها إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية بتدمير جميع مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية في عام 2014، وذلك بموجب ما وثقه مفتشو الأمم المتحدة.
ما يطرح التساؤل، كيف يمكن لقوات الحكومة السورية بعد ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية في حوادث مزعومة لاحقة؟.
وبالمثل، لا تمتلك روسيا أسلحة كيميائية، كما أنها ليست بحاجة تكتيكية لها، ففي الصراع الحالي في أوكرانيا، تمتلك روسيا اليد العليا عسكرياً في تأمين منطقة دونباس المتاخمة لأوكرانيا، وقد سيطرت قواتها تقريباً على مدينة باخموت ذات الأهمية الاستراتيجية بعد أشهر من المعركة المكثفة، حيث كانت الطائرات الروسية بلا طيار فعالة في استهداف القوات الأوكرانية المختبئة في منازل ومباني المدنيين.
التشبيه الحقيقي هو أن قوات نظام كييف المدعومة من حلف شمال الأطلسي، تتعرض للهزيمة بطريقة مماثلة لما تعرّض له الإرهابيون المدعومون من حلف الناتو في سورية، تماماً مثلما حاول الإرهابيون في سورية تحقيقه، فإن الحافز هو أن يقوم نظام كييف بنشر أسلحة كيميائية في محاولة يائسة لاستجرار تدخل عسكري مباشر من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
بعد كلّ شيء، من الواضح أنه على الرغم من الترويج الإعلامي على مدار شهور، فشل هجوم القوات الأوكرانية المضاد. لذا قلّل رئيس كييف الدمية، زيلينسكي، مرة أخرى مؤخراً من أهمية شنّ هجوم مضاد ما لم يتمّ تسليم المزيد من الأسلحة الغربية.
من المؤكد أن النازيين الجدد الأوكرانيين في كتائب آزوف وآيدار مضطربون بما يكفي لنشر أسلحة كيميائية مثل نظرائهم الذين نشرهم حلف الناتو سابقاً في سورية، فقد كان النازيون الأوكرانيون يطلقون قذائف قدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا على محطة نووية مدنية في زابوروجيا منذ شهور في المقامرة المجنونة نفسها لإحداث كارثة بشكل متعمد.
من الواضح، أن سيناريو الأسلحة الكيميائية في أوكرانيا هو مجرد خدعة دعائية بمساعدة وتحريض وسائل الإعلام الغربية التي تشير إلى هذا الهراء من خلال نشر الكذبة التي تمّ فضحها حول سورية.
لقد انخرطت وسائل الإعلام بالتسويق لفوبيا روسيا، و”شيطنت” الرئيس الروسي بوتين والروس عموماً ووصفتهم بـ”المتوحشين المجانين”. وللأسف على الرغم من نفي موسكو القاطع، فقد تمّ تكييف الجمهور الغربي لتوقع الأسوأ في أوكرانيا، بما في ذلك نشر الأسلحة النووية والكيميائية من قبل روسيا.
من المفارقات المخزية، أن أولئك القادرين على ارتكاب أسوأ التصرفات وأكثر الإجراءات المشينة، هم الأنظمة الغربية ووكلاؤهم من النازيين الجدد في أوكرانيا، حيث تسعى القوى الإمبريالية إلى تصعيد الحرب في أوكرانيا ضد روسيا، لأنها الطريقة الوحيدة التي تمكّنهم من فرض هيمنتهم العالمية الفاشلة تاريخياً.
وهكذا فإن الإعلام الغربي هو الأفيون الجديد للناس، الذي يهدف إلى الإبهار والتشويش بشكل غير معقول في وقت الخطر الهائل، عندما يُسمح بالقرارات الخاطئة والكارثية. لذا يرى مراقبون أنه آن الأوان للتحرر من شبكة الإعلام الغربية الكاذبة، قبل أن يسقط العالم في الهاوية.