دراساتصحيفة البعث

عقوبات الاتحاد الأوروبي والحرب في أوكرانيا

ترجمة: عائدة أسعد

عندما انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، وأعادت فرض العقوبات على إيران في 2018، هدّد دونالد ترامب بمعاقبة شركات الاتحاد الأوروبي إذا نفذت تجارة عادية مع إيران.

لكن الاتحاد الأوروبي أدان العقوبات الأمريكية، ونجح في إنشاء آلية دفع تعرف باسم “إنستكس” لمساعدة شركات الاتحاد الأوروبي في تجاوز العقوبات الأمريكية، ومواصلة التجارة مع إيران. ولكن على الرغم من فرض الاتحاد الأوروبي 10 جولات من العقوبات على روسيا خلال الأشهر الـ14 الماضية، إلا أنه كان يقول إن عقوباته لا تتجاوز الحدود الإقليمية، ولكن الحال يختلف عندما يفكر الاتحاد الأوروبي في إجراءات معاقبة الشركات من الصين، ودول أخرى بسبب انتهاكاتها المزعومة للعقوبات.

لقد حذّرت الصين الاتحاد الأوروبي من مثل هذه الولاية القضائية طويلة المدى، وتعهدت باتخاذ إجراءات حازمة لحماية مصالح وحقوق شركاتها في حال اختارت الكتلة الأوروبية القيام بذلك.

أما فيما يخص مسألة الموقف المتناقض للاتحاد الأوروبي بشأن تجاوز الحدود الإقليمية، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في مؤتمر صحفي مؤخراً إنه لن يعلق على أي مقترحات، وتفادى السؤال حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد يفرض عقوبات على الشركات الهندية لشراء النفط من روسيا، وتكريره وإعادة بيعه إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

إن نحو 150 دولة رفضت الانضمام إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي على روسيا من خلال استمرار العلاقات التجارية الطبيعية مع موسكو، فهل تخضع جميعها الآن لعقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة “خارج الحدود الإقليمية”؟.

لقد أضرّت الجولات العشر من العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي بالاقتصاد الروسي بالفعل، لكنها أثرت أيضاً على الاتحاد الأوروبي، مما قلل من آفاق نموه الاقتصادي، ولاسيما قدرته التنافسية الصناعية، وتحولاته الخضراء والرقمية الطموحة.

وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.8 في المائة فقط في عام 2023، و1.4 في المائة في عام 2024، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 2.8 في المائة، و3.0 في المائة على التوالي. وليس هناك أدنى شك في أن إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا من شأنه أن يساعد على الانتعاش الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، لكن العقوبات الثانوية التي اقترحها بعض السياسيين في الاتحاد الأوروبي لن تساعد الكتلة على تحقيق هذا الهدف.

لقد بات من الواضح أن العقوبات المفروضة على الشركات الصينية تهدف إلى تقويض جهود الصين للتوسط في السلام بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك اقتراح السلام الأخير المكوّن من 12 نقطة للمساعدة في إنهاء الصراع.

إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، من مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل إلى وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك يشكّكون في حياد الصين في الصراع، لكنهم لم يستخدموا مثل هذ التشكيك لوصف دور الهند وجنوب إفريقيا وإندونيسيا والعديد من الدول الأخرى، التي هي مثل الصين ترفض الانحياز إلى أي طرف في الصراع.

يظهر التاريخ الحديث أن العديد من الدول الأوروبية لم تتردّد في الوقوف إلى جانب المعتدي أثناء الحروب في العراق وأفغانستان وليبيا من خلال إرسال قواتها الخاصة للانضمام إلى الغزاة والمحتلين. كما توضح الحقيقة أن الصين والهند من بين الدول التي يمكنها التحدث مع كلّ من روسيا وأوكرانيا، أي أنهما في وضع أفضل لتعزيز السلام، ولكن لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة قادرون على القيام بذلك، وببساطة لأن روسيا لن تتحدث إليهما.

إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حقاً أن تلعب الصين دوراً فعالاً في المساعدة على إنهاء الصراع، فعليه التوقف عن نشر الشائعات حول موقف الصين في الصراع، ودعم الوثيقة الموقف المكوّنة من 12 نقطة والتي تهدف إلى إنهاء الأزمة الأوكرانية.