قمة جدة.. نقلة نوعية نحو التضامن العربي
عناية ناصر
خطف قرار مجلس وزراء الخارجية العرب باستعادة سورية مقعدها في جامعة الدول العربية الأضواء المحلية والإقليمية، لما له من مفاعيل على مستوى المنطقة والوطن العربي، حيث بات من الواضح تراجع تأثير الولايات المتحدة ووجودها على خارطة الساحة العالمية بشكل مطرد، وقد تجلّى ذلك من خلال إعادة السعودية لعلاقاتها مع إيران، وعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، حيث لم يكن يتخيّل كبار المسؤولين الغربيين، كما أنهم لم يتقبلوا أيضاً واقع بقاء الحكومة السورية وعودتها القوية إلى جامعة الدول العربية في حدث يعتبر تاريخياً.
لقد تعرّض اللاعبون الغربيون، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بصفتهم وسطاء للإستراتيجية الأمريكية في دفع خطة إسقاط الدولة السورية، إلى آثار وعواقب هذا الفشل الكبير، وتحوّلت استراتيجية تحويل سورية والعراق إلى أرض محروقة إلى استراتيجية قبول نظام إقليمي جديد.
يرى العديد من المحللين السياسيين أن قرار جامعة الدول العربية بعودة سورية إلى الجامعة العربية سيساعد الدول العربية على تعزيز وحدتها، وتسريع التنمية الإقليمية وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، بما يخدم المصالح العربية على المدى الطويل. ومن جهة أخرى يثبت هذا القرار أن الدول العربية أصبحت أكثر وعياً بالنوايا الإستراتيجية للولايات المتحدة من خلال بث بذور الفتنة، وخلق الفوضى في الوطن العربي، خدمة لمصالحها بشكل أفضل.
تجدرُ الإشارة إلى أن هذه العوامل، إلى جانب السلوك غير المسؤول للولايات المتحدة، قد كانت السبب في أحداث مثل الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وإثارة المواجهة في الصراع الروسي الأوكراني، والتي أدّت جميعها إلى تراجع النفوذ الأمريكي.
تشير المعطيات الدبلوماسية إلى أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ويجب مواكبة التغييرات في المنطقة، واستناداً إلى ذلك يتعيّن على اللاعبين الأوروبيين الذين أعدّوا أنفسهم لتشكيل نماذج الهيمنة الجديدة الخاصة بهم قبول سورية كقوة مؤثرة في المنطقة، وعضو مؤسّس في جامعة الدول العربية، ومن ناحية أخرى لابد من بدء فتح قنوات تواصل مع دمشق، وإعادة العلاقات معها من قبل العديد من الدول التي أخطأت بحقّ سورية والسوريين.
تعتبر مشاركة سورية في القمة العربية التي ستنعقد في جدة في 19 أيار الحالي نقلة نوعية نحو التضامن العربي. كما تتأتى الأهمية السياسية للقمة العربية في السعودية، من أنها تأتي بعد وقت من عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وتجاوز الخلافات السياسية بينهما، والدخول بمرحلة جديدة من العلاقات. سوف تناقش القمة ملفات عربية ساخنة مثل الحرب في السودان، ومشكلة سد النهضة، بالإضافة إلى القضايا المالية والاقتصادية التي تعاني منها المنطقة العربية، وبالتأكيد ستكون القضية الفلسطينية حاضرة في سلم الأولويات، وخاصةً في ظلّ التطورات الأخيرة التي تجري الآن في فلسطين المحتلة، في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة، والتي تشكل خطراً على المنطقة العربية ككل.