مبادرة الحزام والطريق مدخل الصين إلى العالم
علي القدار
تُعدّ مبادرة الحزام والطريق إحدى أهم الأدوات الخاصة بسياسة الصين الخارجية المتعلقة بالعمل على تأسيس روابط للتعاون الاقتصادي، تضمن بعدها الدخول سياسياً في مجال قضايا السياسة الدولية على اعتبار أن الصين تعدّ الاقتصاد أهم مفاتيح السياسة الدولية التي تكون سبباً للسلام أو الحرب، حيث إن السياسة الصينية لا تتناول قضايا دولية تشهد خلافاتٍ واسعة تتطلّب أن تحمل الدولة توجّهها الخاص بالقدرات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية اللازمة.
لهذا فإن إمكانية تقبّل دول العالم لرؤية الصين وعلاقاتها مع الخارج تكمن في العمل على تجنّب المخاطر المحدقة في العلاقات الدولية ذات الطبيعة الهجومية كتشكيل التحالفات التي تشكّل طبيعة استفزازية والموجّهة ضد دول أخرى أو إقامة القواعد العسكرية بشكل كثيف، حيث إن الصين ترى أن هذا النوع من التوجّهات يعمل على استنزاف الدول سياسياً واقتصادياً بما يعمل على إضعافها من الناحية الاستراتيجية على المستوى البعيد، وأن ذلك ضروري لحفظ المصالح الوطنية والأمن القومي من خلال إطلاق مبادرات مختلفة للتعاون والاستفادة بالنسبة للدول لتجنّب التوترات السياسية والعسكرية الناجمة عن الصدامات الدولية.
من جهة أخرى، تعمل الصين في علاقاتها الدولية على إيجاد عدة نقاط ارتكاز لضمان مصالحها من دون أن يكون ذلك له تبعات سياسية كبيرة قد تثير نوعاً من الأزمات والنزاعات العسكرية، وهو ما يمكن مقاربته مع السياسة الأمريكية والغربية التي تعمل من منطلق الهيمنة والاستعمار غير المباشر الذي تقوم الصين بإدانته ورفضه من خلال تأكيدها ضرورة تطبيق القانون الدولي والمساواة بين جميع الدول وضمان الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
تأخذ استراتيجية (طريق الحرير) التي تتبعها الصين الطريق الأساسي لسياساتها تجاه الجوار القريب أو في بقية دول العالم فيما يتعلق بشكل خاص بمناطق آسيا الوسطى والشرق الأوسط اللتين شهدتا محطاتٍ عديدة للعلاقات التاريخية مع الصين، ولهذا تعمل السياسات الصينية على هذه النقطة في علاقاتها الدولية مع دول المنطقة بشكل متفاوت على الرغم من العديد من الصعوبات والعوائق الموضوعية التي تتلخّص في كثرة الأزمات والصراعات المُسلّحة التي تشكل إحدى أكثر العوائق تعقيداً على مختلف الصعد.
إن تلك الصعوبات لها تأثير من ناحية إمكانية تطبيق استراتيجية (طريق الحرير)؛ بسبب أن سياسة الصين تركّز على مبادئ التنمية الاقتصادية وتحسين معدلات النمو والدخل القومي من أجل تحسين العلاقات الدبلوماسية بما يتوقّف على اقتناع دول الشرق الأوسط بإمكانية تطبيق تلك الرؤية مع وجود دراسات سابقة تفيد بضعف العلاقات التجارية والاقتصادية في ظل استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على العديد من مناطق العالم ذات الأهمية بالنسبة للصين على نحو فعلي.
في هذا السياق، أثبتت السنوات السابقة رغبة الصين وقدرتها على تحقيق سياساتها بالنظر إلى ملائمة الظروف الدولية الحالية، وذلك بفضل بعض التغيّرات التي حصلت في القيادة السياسية التي أخرجت من حالة التأثير الجانبي في بعض المسائل ذات الحساسية العالية كالتدخل الدولي بما يتنافى مع مبادئ الأمم المتحدة نتيجة وجود قناعات بضرورة الانخراط الأكبر في الشؤون الدولية، بينما يرى بعض المختصين أن الصين تستفيد من صراع الأضداد على خلفية التغيّرات التي هدفت إلى التخفيف من حدّة تفرّد الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بعد التقديرات السابقة التي كانت تفيد بانطواء الصين على نفسها من جانب الانخراط بالمجتمع الدولي.
باتت الصين أكثر جرأة في رغبتها بتنفيذ استراتيجية طريق الحرير التي باتت أكثر قابلية للتنفيذ نتيجة لوجود استجابة فعلية من خلال العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع انخراط الولايات المتحدة في العديد من الصراعات الدولية كما في أوكرانيا، حيث أصبحت أولويات السياسة الأمريكية تتجه نحو تلك المسألة وتقيم علاقاتها مع المواقف الدولية منها بغض النظر عن مصالح الدول التي تختلف فيما بينها عندما يتعلق الأمر بالأزمة الأوكرانية.
لقد أدّت بعض السياسات الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية إلى بعض الاستياء من حلفائها، وذلك في عدة فترات منها أثناء وجود الرئيس دونالد ترامب، الذي بدوره حاول عدم التقيّد ببعض الممارسات التقليدية للسياسة الأمريكية كالديمقراطية والليبرالية الاقتصادية من خلال إعلان شعار (أمريكا أولاً) التي أعلت قيم الحمائية التجارية بما أثار استغراب بقية الدول من الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تبدّل أهم مبادئها في قيادة النظام الدولي، إضافة إلى قضية التزام الحماية الأمريكية العسكرية لحلفائها، وإن تم تعديل تلك السياسات في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
ينعكس ذلك على مسألة فرض الضغوط السياسية على منظمة (أوبك) للدول المصدّرة للنفط، عندما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيض أسعار النفط العالمية بما يتنافى مع مصالح الدول المصدّرة بحجّة معاقبة روسيا اقتصادياً، بما يجعل ذلك يؤثّر في الصين التي تُعدّ من أهم الأسواق العالمية للنفط.
اليوم أصبحت الصين أكثر تقدّماً في السياسة القائمة على مبدأ مبادرة الحزام والطريق بما فيها الشرق الأوسط، لأنها كانت تخوض حرباً تجارية مع الحماية الأمريكية وانشغالها بالحرب بين روسيا وأوكرانيا بالنظر إلى الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع العديد من الدول كروسيا وباكستان وإيران مروراً بالسعودية ومصر وغيرها، وذلك بما يتماشى مع تقبّل الدول للدبلوماسية الصينية التي ترى فيها دولة كبرى تسعى إلى بناء أنموذج للتطور الاقتصادي والتنموي قائم على معالجة الأزمات وضمان الاستقرار والسلم الدوليين كما هو الحال في الاتفاقية الموقعة بين إيران والسعودية.