الفلاح “المنكوب”..!
بشير فرزان
قرارات تصدير المنتجات الزراعية تصدر تباعاً، وذلك تحت مسمّى تحقيق مصلحة الفلاح وإنقاذ محصوله من الخسائر، حيث تصطف المحاصيل على البوابات الحدودية بتلك الحجج الواهية ضمن سيناريو شرعنة القرارات التي تضرّ بحياة المواطن “المستهلك” والفلاح المنتج، إذ تلفح سياط المصلحة العامة تفاصيل حياتهما ضاربة بقوة بالسوق المحلية التي تعيش إرباكاً سعرياً، سواء في حالة الوفرة أو الندرة، كما حصل سابقاً في البصل ويحصل اليوم في الثوم وغيرها من المنتجات التي لم تعد ضمن دائرة الاستهلاك اليومي لآلاف العائلات التي تتدبر أمورها – كما يقال – بكفاف العيش وتحت جناح القلة والعوز!
والغريبُ في الأمر أن يتمّ التغاضي عن سوء التخطيط الزراعي الذي يسمح بزراعة المحاصيل عشوائياً دون الانتباه إلى الحاجة الفعلية في السوق المحلية، والتي تؤدي إلى خسائر كبيرة للفلاح وبشكل يدلّ على غياب وزارة الزراعة والاتحاد العام للفلاحين، وبعد ذلك تبدأ صحوة الاستيقاظ والحضور بدعم قرارات التصدير التي لا تحمل الفائدة بالمطلق، كونها تأتي في منتصف الموسم أو نهايته حيث يكون الفلاح قد باع محصوله للتجار الذين أدركوا اللعبة وباتوا من المحركين الأساسيين في لعبة التصدير وجني الأرباح على حساب الفلاح والمستهلك.
بالمحصلة لو أردنا توصيف الواقع الزراعي في بلدنا بكلمة واحدة لاستخدمنا مصطلح “منكوب”، وإذا سمحنا لأنفسنا بتشخيص حياة الفلاح بكل تفاصيلها ووقائعها فلن نخرج من دائرة وصفها بـ “المطية” لركوب موجات الإنجاز الخلبي التي لم تندمل بعد أضرارها وتداعياتها المختلفة، وهنا نعتذر من الأخ الفلاح الذي نكنّ له كل الاحترام والتقدير على هذا التشبيه، ولكنها الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها. وطبعاً قد نُتهم بالمبالغة والتهويل في وصف الحالة الفلاحية وبالنظرة السوداوية التشاؤمية التي قد تجرح أو تخدش كبرياء من اعتاد على التطبيل والتزمير ووأد آمال الفلاح وأحلامه تحت أنقاض وعوده المتراكمة في الأدراج، إلا أن ذلك أيضاً لن يشوّه مصداقية الوصف الذي يمثل عين الحقيقة التي لن تُغطى بغربال التصريحات الإعلامية المتتالية والتي تُمعن في “تشليح” الفلاح أبسط مطالبه وحقوقه!!
وللأسف.. أثبتت النتائج أن التعامل مع الفلاح يتمّ على قاعدة (صحيح لا تقسم ومقسوم لا تأكل وكول لتشبع)، ولسنا هنا بصدد توجيه الاتهامات أو النبش في مخلفات تلك القرارات الصورية، بل نحاول زرع بذور الحقيقة إن صحّت التسمية في ميادين العمل الزراعي التي ضربتها خلال الأيام الماضية زوبعة الدعم المتواصل للفلاح، والحديث بلسان حاله، في الوقت الذي تتوالى الشواهد الحيّة على ذلك النزيف الزراعي الدائم بندوبه المختلفة وتداعياته الاقتصادية وخسائره، سواء في ملف التصنيع الزراعي أو ما يخصّ الإنتاج والتسويق وغيرها من القضايا الزراعية والتي أبقت الفلاح وراء قضبان القروض والخسائر المتلاحقة وبشكل استنزفت معه مصادر رزقه وتمويله، وبدلاً من تقديم دعم حقيقي له تتمّ عملية “إفقاره”، ودفعه لهجرة أرضه بعكس ما هو متبع في كلّ دول العالم.
ولا شكّ أن المطلوب في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة من جميع كاتبي ومخرجي المسلسل الزراعي المكتنز بالشبهات والصفقات، والذي حوّل حياة الفلاح إلى بيئة استثمارية خصبة للمتاجرة بهمومه وأحواله، تغيير واضح وإيجابي في نهايات المواسم الزراعية لتنتهي حلقاته بقرارات صائبة بحيث تمدّ يد العون للفلاح والمستهلك، ويُزاح بشكل نهائي سيناريو التسويف والمتاجرة بورقة التصدير على حساب المواطن وبتوقيع الأقلام الخضراء؟!.