الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نوافذ 74

عبد الكريم النّاعم

أسئلة كثيرة تتزاحم، ولا أعرف لها جواباً، مثلي في ذلك كالكثيرين، علماً أنّها تمسَ شَغاف الحياة، وهذا يثير القلق، والتشاؤم، والإحساس بالسلبيّة، ويعطّل الفعاليّة الإيجابيّة في الإنسان، ويُعمِّق اغترابه.

سؤال لمن يهمّه الأمر: لماذا يُسمَح لبعض المستوردين باستيراد مواد أساسيّة في الحياة، ويكون ذلك حصريّاً بهم؟!! وهم بارعون في تحرّكاتهم، فلكي يتهرّبوا من الضريبة، يعمدون إلى الاستيراد باسم عدد من التّجار، فتخفّ الضريبة، وتخسر خزينة الدولة، وهذا مخالف لاقتصاد السوق، لأنّ اقتصاد السوق يتيح للعديدين استيراد المادة ذاتها، لفتْح باب المضاربة، لجذب المشترين، أمّا حين يكون المستورد واحداً فإنّه يحدّد السعر الذي يريد.

ربّما قال مَن يعنيه الأمر أنّ ثمّة تجاراً آخرين يستوردون، وهذا صحيح شكليّاً، لا عمليّاً، فما نحن فيه ليس اقتصاد السوق المعروف، بل هو اقتصاد “سوق” من نوع خاص.

*****

الأجهزة الأمنيّة، في كلّ بلاد العالم، من مهمّاتها رصد موقف النّاس من الأحداث، على تعدّد شرائح المجتمع، وعلى ضوء تلك التقارير التي تًوضَع أمام الجهات المعنيّة، تتمّ المعالجة. ولقد ذكرتُ في زاوية سابقة أنّ الزعيم العربي الراحل عبد النّاصر كان يطلب رصد “النّكات” التي يتداولها الناس ليطّلع عليها، لِما فيها من دلالة. الآن يوجد الفيسبوك، وفيه يتنفّس الناس، كتابةً، أو تعليقاً، أو إشارة لا تخفى على غير النّبيه، فهل ثمّة مَن يرصد ما يُكتب في الفضاء الأزرق، ليبسطه بين أيدي الذين يُفترَض أنّهم يتابعون شؤون الناس؟!!

***

رُفِعتْ أسعار المكالمات على الموبايل، كما رُفعت على الهاتف الأرضي، وحين ترفع جهة ما السعر، في بلدان الله المتحضَرة، فإنّها تباشر تقديم تحسينات ملموسة، في تلك البلدان التي نتمنّى أن نكون مثلها، تتبارى شركات الاتّصال بتقديم ما يُريح المواطن، لكسب ثقته، وترويج ما يجري تسويقه، نحن، والحمد لمَن لا يُحمَد على مكروه سواه، وما أكثر المكروهات التي أحاطت بنا من كلّ جهة،. نحن.. تُرفَع الأسعار دون أيّ تحسّن، بل ثمّة ما هو أسوأ، وعليك أن تدفع، وإذا ما عجبك فاذهبْ و”انطح الحيط!!”.

شركة الموبايل، وهذه كما يُقال تعادل أرباحها المنتوجات النفطيّة؛ ورغم ذلك – ولا ندري لماذا وهي مُترعة بالغنى – رفعت تسعيرة المكالمة من سبع وعشرين ليرة إلى خمس وثلاثين ليرة!! مسكينة الشركة تشكو من الإملاق، ولذلك تمدّ يدها إلى جيوب المتّصلين؛ ومَن يراقب الناس الماشين في الشارع يُدرك حجم الأرباح، فنحن شعب يحب “العلاك الفاضي”، والتحدّث لمجرّد إرواء الشعور بأنّنا نتكلّم، وأخصّ المكالمات النسائيّة، فهي في الغالب حول “شو طبختي”، و”شو سوّيتي”، و”مين زارك”، و”مين زرتي”، وشيء من هذا القبيل. والأنكى أنّك تتّصل ولا يردّ أحد، أو تتّصل برنّة واحدة وتفصل الموبايل، ودون أن تتكلّم.. تُغلق الموبايل، فيجيئك النّبأ المرقّم بخمس وثلاثين ليرة!!.

يا ناس.. لم أتكلّم فلماذا هذا “التشليح”؟!! وتحتقن غضباً، وكأنّه ينقصنا قدْر من الغليان، ونحن نكاد “ننفلش” من كثرة القهر الذي صار أفقنا الوحيد.

مسكينة شركة الموبايل، بشقّيها، فهي فقيرة، ولذا تمدّ يدها إلى جيوبنا المنتفخة إفلاساً!

****

من الجهة التي تتيح لي أن أرى الشارع، في عُزلتي، أطللتُ، شاهدتُ رجلاً يفتح كيساً مُلقى، فتحه فوجد فيه كسرات خبز، فأخذها ووضعها في كيس يحمله.. غاصتْ حربة من لهيب لا يحتمل في أقاصي قلبي المُصاب!! مَن أوصلَنا إلى هذا الحدّ؟!! أغمضتُ عيني، ودون وعي، كنتُ أنا الذي يلمّ كسرات قوته من الأكياس الملقاة في الشارع.

ياااااااااااا الله.. لماذا أعطيتني كلّ هذا القدْر من الحساسيّة؟!!

aaalnaem@gmail.com