بعد “باخموت”.. الوضع في أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي يتدهور
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
ليس غريباً أن تبدأ التصريحات الغربية حول إمكانية استسلام الرئيس الأوكراني فلاديمير بالظهور، بعد أن اختبر حلف شمال الأطلسي “ناتو” عجزه على الأرض عن تحقيق أيّ اختراق في الجبهة يمكن أن يؤدّي إلى هزيمة ميدانية للجيش الروسي على الأرض، فالقوات الروسية حققت مؤخراً انتصاراتٍ ميدانية كبيرة على الأرض لم يعُد بوسع الغرب الجماعي تجاهلها، ابتداء من قيام الجيش الروسي مؤخراً باستهداف منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية في العاصمة الأوكرانية كييف التي كانت مخصّصة لحماية هذه المدينة من الضربات الصاروخية الروسية، وليس انتهاء بتحرير مدينة أرتيوموفسك الاستراتيجية “باخموت” التي وضع رئيس النظام الأوكراني ومن خلفه “الناتو” كل ثقلهما فيها، حيث تعدّ المدينة آخر خط دفاعي للقوات الأوكرانية أمام تقدّم الجيش الروسي باتجاه العاصمة كييف مع كل ما يعنيه ذلك من سقوط كامل للنظام الأوكراني الذي استخدمه الغرب في مواجهة روسيا ووضع عليه آمالاً كبيرة في هزيمتها استراتيجياً ليتسنّى له إضعافها والاستمرار في هيمنته مطلقاً على القرار العالمي.
ومع كل ما تحمله هذه الهزائم من مؤشرات على عجز الغرب عن تحقيق أيّ نصر في الميدان يساعده في تحسين شروط التفاوض مع روسيا، يحاول الأخير الإيحاء بأنه لا يزال يمتلك زمام المبادرة من خلال الترويج لإمكانية تقديم طائرات “إف 16” للنظام الأوكراني، بينما يصرّ الجانب الروسي على أن ذلك لن يزيد المشهد إلا تعقيداً، وستكون له ارتدادات عكسية على الغرب، في إشارة واضحة إلى التخبّط الذي تعانيه الدول الغربية في مناقشة هذه المسألة، حيث حذر نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، الغرب من تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة، مؤكداً أن جهود الغرب “تنطوي عليها مخاطر هائلة بالنسبة له”.
ومن هنا، أفاد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان، بأن الولايات المتحدة لم تتخذ قراراً نهائياً بعدُ حول الجهة التي ستمدّ أوكرانيا بمقاتلات “إف -16″، في المرحلة القادمة.
وأوضح ساليفان، في حديث لشبكة “سي إن إن”، أن واشنطن لم تقرّر بعدُ إن كانت ستمدّ كييف بمقاتلات “إف -16″، أم أن دول الاتحاد الأوروبي ستمدّها بمخزونها منها، وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستبحث هذه المسألة مع حلفائها، وسيتم تحديد تفاصيل تسليم المقاتلات لأوكرانيا وتوقيت التسليم، بشكل مشترك، ما يؤكّد فعلياً أن الغرب الجماعي يدرك جيّداً أن ذلك لن يقدّم ميزة جديدة للجيش الأوكراني، حيث لم تنجح جميع الأسلحة الغربية السابقة في تحقيق أيّ خرق على مستوى الميدان.
وحتى تصريح رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، بأن بريطانيا ستبدأ تدريب الطيارين الأوكرانيين على استخدام مقاتلات “إف – 16″، الصيف الجاري، ربّما يعكس أكثر جانباً من هذا التخبّط لأن الفترة الفاصلة بين تدريب الأوكرانيين على الطائرات وإمكانية استخدامها فعلياً في الحرب لا تزال بعيدة نسبياً بالقياس إلى ما قاله المستشار الألماني، أولاف شولتس حول أن تدريب الطيارين الأوكرانيين على التحكم في مقاتلات “إف -16” سيستغرق وقتاً طويلاً.
وهذا كلّه يؤكّد أن هناك عجزاً عن القيام بمثل هذا الأمر، حيث لا توجد مطارات أوكرانية مؤهّلة لاستقبال طائرة إف 16، ما يعني أن هذه الطائرة ستقلع من أحد المطارات الأوروبية وعلى متنها قائد ليس أوكرانيّاً، لقصف الأراضي الروسية، وبالتالي هناك إمكانية لاستهداف الطائرة التي يقودها أحد طياري الحلف عمليّاً، فضلاً عن أن المطار الذي ستقلع منه سيكون مستهدفاً كردّ فعل من الجانب الروسي، وهذه المخاطر لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن مثل هذا الأمر.
كل ذلك مع العلم أن هناك إشاراتٍ كثيرة تفيد بأن الغرب بات يتداول على نحو جدّي مسألة خسارة الحرب واستسلام رئيس النظام الأوكراني للروس، وخاصة بعد الأنباء التي أفادت بإصابة وزير دفاعه إصابة قاتلة في استهداف بعض مراكز القيادة والتحكّم في العاصمة كييف، حيث قال المستشار السابق لوزير الدفاع الأمريكي، دوغلاس ماكجريجور: إن الولايات المتحدة خيّرت الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بين شنّ الهجوم المضاد بأسرع وقت ممكن، أو التفاوض مع روسيا، موضحاً أن هذه ليست تخميناتٍ وإنما هي “معلومات مسرّبة من البيت الأبيض”.
ماكغريغور: أكد أنه إذا استمرّت الأعمال القتالية فترة أطول، فسوف يتدهور الوضع في أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي بسرعة بسبب وضع روسيا المهيمن في تلك المنطقة، وذلك يؤكّد من جهة أخرى أنه لا إمكانية مطلقاً لوقف تقدّم الجيش الروسي إلى الغرب بعد الانهيارات المتتالية للجيش الأوكراني على الجبهة، ما يعني أن الجيش الروسي لن يغتنم فقط الأسلحة الغربية القادمة من الغرب، بل سيقف على جميع الأسرار الأطلسية المخبّأة في العاصمة كييف حول غرفة عمليات أجهزة الاستخبارات الغربية هناك وكيفية إدارتها للمعركة، فضلاً عن إمكانية حصوله على صيد سمين استخباراتياً وعسكرياً.
لذلك يتبدّى بشكل واضح حجم الهزيمة العسكرية التي ألحقها سقوط باخموت بأيدي الروس بعد نحو 214 يوماً من القتال هناك، حيث أعلن مؤسس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، عن انتقال هذا المركز الدفاعي الاستراتيجي للقوات المسلحة الأوكرانية في دونباس، لسيطرة القوات الروسية.
ولكن تشكيك الرئيس الأمريكي جو بايدن في إمكانية نجاح الهجوم الأوكراني المضاد الذي تمّ التسويق له طويلاً في وسائل الإعلام الغربية، موضحاً أن “نتائج الصراعات أمر لا يمكن التنبّؤ به”، يشير من ناحية أخرى إلى بداية قناعة لدى الغرب باستحالة الانتصار على روسيا، وأنه لا بدّ من البحث عن مخرج من هذا المأزق، فواشنطن والناتو يدركان جيّداً عدد الألوية الأوكرانية التي تم تدريبها، وما يمكن بالفعل إنجازه على الأرض، كما يعلمان أن المعركة قد انتهت فعلياً، ولكنّهما يبحثان عن مخرج من هذه الأزمة يحمّل النظام الأوكراني المسؤولية الكاملة عنها، وهذا ما تدعمه التسريبات الغربية الكثيرة عبر عدد من الصحف حول تورّط الجانب الأوكراني بشكل مباشر في تفجيرات أنابيب السيل الشمالي، مع أن الصحفي الأمريكي سيمور هيرش أوضح بشكل لا لُبس فيه أن ما قاله حول تورّط الاستخبارات الأمريكية في التخطيط والتنفيذ لهذا العمل الإرهابي هو عبارة عن معلومات وليس تكهّناً من مصادر موثوقة في البيت الأبيض ذاته، ولا يمكن القفز على هذا الكلام.
وقد أشار هيرش الحائز على جائزة بوليتزر مرة أخرى، إلى أن مجموعة من الدول الأوروبية بقيادة بولندا تطالب الرئيس الأوكراني سراً بوقف الصراع.
ومن هنا، وعطفاً على جميع ما تقدّم، يتبيّن أن حلف شمال الأطلسي يدرك جيّداً أنه بعد أن وضع جميع قدراته وإمكاناته تحت تصرّف النظام النازي في أوكرانيا، ستشكّل خسارته هذه الحرب بداية نهايته أو تفكّكه، لذلك يحاول جاهداً التغطية على هذا الأمر ويبحث عن أيّ وسيلة للتبرّؤ من كل ما قام به وتحميله للنظام الأوكراني، فهل سيتمكّن الحلف من الصمود بعد خسارة هذه الحرب؟.