الأسلحة النووية الإسرائيلية.. الصمت الأمريكي تفضحه الاحتجاجات
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
تطرقت الاحتجاجات الإسرائيلية ضد حكومتها اليمينية إلى موضوع الأسلحة النووية الإسرائيلية. وللتأكيد على هذا الخطر، ألقى رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق إيهود باراك بظلال الشك حول الغموض الإسرائيلي المتعلق بامتلاك “إسرائيل” أسلحة نووية، وذلك لتحذير مواطنيه، حسب زعمه، من أن الدبلوماسيين الغربيين قلقون من إمكانية سيطرة ديكتاتورية يهودية على أسلحة “إسرائيل” النووية.
إن الشيء الوحيد الذي يمكن تأكيده هو أن الولايات المتحدة لم تكن ممثلة رسمياً بين هؤلاء الدبلوماسيين الغربيين، حيث يضطر الدبلوماسيون الأمريكيون، وفي الواقع جميع موظفي الحكومة الأمريكية، إلى التظاهر بأنهم لا يعرفون شيئاً عن الأسلحة النووية الإسرائيلية. ونظراً لأن الجميع يعلم أن هذا الأمر غير صحيح، فإن التظاهر يعيق سياسة أمريكا بشأن الحد من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وبناءً على ذلك، فإن إقرار باراك بوجود أسلحة نويية، يجب أن يحرر الولايات المتحدة من سياسة الصمت والتعتيم تلك التي عفا عليها الزمن.
يعود التفسير الشائع للتكتم الأمريكي حول الأسلحة النووية الإسرائيلية إلى أن ذلك التكتم كان مطلوباً بموجب اتفاق أيلول 1969 بين ريتشارد نيكسون ورئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير، والذي ستقبل أمريكا بموجبه “إسرائيل” مسلحة نووياً ،وسيبقي كلاهما أسلحة “إسرائيل” النووية سراً. لقد خفت بالفعل السياسة الأمريكية تجاه الأسلحة النووية الإسرائيلية بعد اجتماعهما، ولكن وفقاً لمذكرات نيكسون، لم يكن مهتماً كثيراً بما إذا كان لدى الإسرائيليين هذه الأسلحة، بل كان جل اهتمامه الرئيسي ينصب على الحصول على الدعم الإسرائيلي في الحرب الباردة.
لقد تحدثوا بمفردهم في ذلك الاتفاق، ولم يحتفظوا بأية ملاحظات، كما أنهم لم يخبروا أحداً بما دار من حديث بينهم. وقد أظهرت مذكرة بعد أيام إلى الرئيس من هنري كيسنجر، ثم مستشاره للأمن القومي، أنه لم يكن يعرف سوى القليل عن المحادثة، وحفاظاً على السرية، لم يحتاجوا إلى اتفاق رسمي . أدرك كل من نيكسون ومائير أن الإعلان عن ترسانة نووية “إسرائيلية” كان سيؤدي إلى الضغط على موسكو لتزويد حلفائها العرب بأسلحة نووية.
خلقت البيروقراطية والأكاديميون الأمريكيون في وقت لاحق أسطورة حول الصفقة النووية، وحولت التسوية الملائمة إلى التزام دائم، وانسحب الأمر على الرؤساء اللاحقون. لكن الصفقة الدولية التي لا يوجد سجل لها لا تعتبر صفقة على الإطلاق. ومع ذلك، يقال إن رؤساء الولايات المتحدة منذ عهد بيل كلينتون وقعّوا على رسالة سرية بأنهم لن يتدخلوا في الأسلحة النووية الإسرائيلية، وبناءً على ذلك تصرفت “إسرائيل” كما لو كان يحق لها الحصول على مثل هذا الالتزام من كل رئيس أمريكي مقبل، وقد نالت مبتغاها.
عندما تولى الرئيس أوباما منصبه في عام 2009، كان السؤال الأول في أول مؤتمر صحفي متلفز له، من قبل الصحافية المخضرمة هيلين توماس: “هل تعرف أي دولة في الشرق الأوسط لديها أسلحة نووية؟” . كان رد الرئيس زئبقي: “لا أريد التكهن”، وبعد ذلك بفترة وجيزة تم فصل هيلين توماس، وكان ذلك بسبب تصريحاتها المعادية لـ “إسرائيل” في مناسبات مختلفة، ولم يطرح أي صحفي ذلك السؤال منذ ذلك الحين.
وفي شباط 2017، تمكن السفير الإسرائيلي رون ديرمر من إثارة غضب حتى موظفي البيت الأبيض الذين تولوا مناصبهم حديثاً في إدارة ترامب، والمتعاطفين مع “إسرائيل” ، وذلك بمطالبه الثقيلة بأن يقوم الرئيس الجديد بالتوقيع على الاتفاق غير الرسمي ساري المفعول.
إن التغيير لن يتم بسهولة، فالتقييم الواقعي للحكومة الأمريكية للأسلحة النووية الإسرائيلية يجب أن يتغلب ليس فقط على التدخل ” الإسرائيلي” لأسبابها الخاصة، ولكن أيضاً على مقاومة وزارة الخارجية والبيت الأبيض، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإحراج الذي قد يسببه من مثل هذا الاعتراف بعد سنوات من الإنكار، و أيضاً لأن مثل هذا الاعتراف يمكن أن يؤدي القبول إلى تعقيدات بموجب قانون الولايات المتحدة.
هناك أدلة دامغة على أن “إسرائيل” أجرت تجربة نووية بالقرب من جزيرة الأمير إدوارد في جنوب إفريقيا في 22 أيلول 1979، وكان القمر الصناعي الأمريكي” فيلا” المخصص لمراقبة التجارب النووية المحظورة في الجو وتحت الماء وفي الفضاء قد اكتشف التجربة، بعد أن رصد إشعاعاً ضوئياً مزدوجاً يحدث خلال التجارب النووية في منطقة في جنوب إفريقيا. وكان هنالك أدلة دامغة من قبل مجمع الاستخبارات الأمريكية ومعظم المحللين والعلماء على أنها ناتجة عن تفجير اختبار نووي “إسرائيلي”.
كان كاتر يدرك بالفعل ما يجري، إلا أنه قام بالتستر على التجربة النووية الإسرائيلية خشية من توتر العلاقات مع “إسرائيل”، ومن انتكاسة محتملة قبل حملة إعادة انتخابه. لكن وبعد أشهر على الحدث، كتب كارتر في مذكراته: “لدينا اعتقاد متزايد بين علمائنا أن الإسرائيليين قاموا بالفعل بتجربة نووية في المحيط بالقرب من الطرف الجنوبي لإفريقيا. كان مثل هذا الانفجار النووي انتهاكاً لمعاهدة حظر التجارب المحدودة لعام 1963، التي كانت إسرائيل طرفاً فيها”.
إن تأكيد مثل هذا الاختبار سيؤدي أيضاً إلى تعديل قانون “غلين” لعام 1977 المتعلق بمراقبة تصدير الأسلحة، والذي يفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية صارمة على أي دولة، بخلاف القوى النووية الخمس المصرح لها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تقوم بالتجارب النووية بعد عام 1977.
لم تكن تتخيل “إسرائيل” يوماً أنها ستصل إلى نقطة، حيث يتعين عليها الخشية من وقوع الأسلحة النووية الإسرائيلية في أيدي المتشددين الإسرائيليين. وفي كتابه عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، كتب وولف بليتسر أن هناك موقف شائع بين المسؤولين الإسرائيليين مفاده أن “إسرائيل” يمكن أن تفلت من ارتكاب أفظع الأمور. كما أن هناك فكرة بين العديد من الإسرائيليين مفادها أن نظرائهم الأمريكيين ليسوا أكثر ذكاءً، وأنه يمكن التعامل معهم. يجب ألا نتحمل ذلك بعد الآن، فقد تلاشت أسباب الحرب الباردة التي دفعت أمريكا إلى الصمت بشأن الأسلحة النووية الإسرائيلية منذ عقود، و ما تقوله الحكومة الإسرائيلية عن أسلحتها النووية هو من شأنها، لكن ما تقوله الحكومة الأمريكية عنها هو شأن أمريكي.